هناك تنظيمان مسلحان خطيران للغاية في اليمن هما: الحركة الحوثية المسلحة ذات العقيدة الشيعية، المتصلة بالفكر الصفوي من حيث التوجه نحو استئصال الخصوم فكراً وأجساداً، ويتواجد في المحافظات الشمالية الغربية من البلاد، يقابله تنظيم أنصار الشريعة المتفرع عن تنظيم القاعدة، والمتصل ببشاعة "داعش" في الذبح والقتل وتصفية الخصوم.
يشكل هذان التنظيمان التحدي الأخطر على مسيرة اليمن المحفوفة بالمتاعب والمصاعب نحو مستقبل يسوده الاستقرار، وتحتل واجهته الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة التي اتفق عليها اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني، في حين أظهر هذان التنظيمان إصراراً عجيباً في الآونة الأخيرة على ذبح الدولة بأبشع الأسلحة المتاحة لدى هذين التنظيمين.
يتساوى هذان التنظيمان في تحديهما المرحلي لمسيرة الدولة اليمنية، ويتشاركان فكرة إسقاط الدولة كل من وجهة نظهره ومرجعيته العقدية وتطلعاته الخاصة بالدولة التي يسعى إلى تحقيقها، لكن هناك تباين واضح في تكتيكات كلا التنظيمين على نحو يدفع بالحركة الحوثية المسلحة لأن تكون الأخطر على الإطلاق في تأثيرها طويل الأمد على بنيان الدولة.
ويُعزى ذلك إلى ما تُحدثه هذه الحركة من تصدعات خطيرة في بنيان الدولة والمجتمع، كونها تعمل في الكتلة الاجتماعية المذهبية التي هيمنت على مقاليد الأمور في الجمهورية العربية اليمنية(الشمال)، وامتدت هذه الهيمنة لتشمل كامل اليمن بشماله وجنوبه بعد إعادة تحقيق الوحدة، في الـ22 مايو 1990، وكانت هذه الهيمنة والسيطرة المطلقة على السلطة- على نحو جهوي فاضح وبالمخالفة مع اتفاق إعلان الوحدة ودستور الدولة الموحدة- السبب الرئيس وراء كل ما يشهده اليمن اليوم من تشظيات وفراغ سياسي وأمني مهّد الطريق لتنامي نفوذ هذين التنظيمين المسلحين الخطيرين.
لا أحد ينكر التهديد الأمني الخطير لنشاط تنظيم أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لكن ليس بوسع المراقب أن يغفل حقيقة أن هذا التنظيم، بات كياناً هلامياً غير متماسك من الناحية التنظيمية، ويخضع لمراكز قوى وأجهزة استخبارات، تُحسن تحريك هذا التنظيم واستخدامه على نحو ما نراه اليوم، إلى حد لا يمكن لأحد أن يتخطى الرابط الوثيق بين نشاط القاعدة المتنامي، بالتطورات السياسية التي تشهدها البلاد، وهو الأمر الذي يستدعي التحرك ضمن مستويات عديدة لضمان القضاء على وجود هذا التنظيم وخطره الأمني على البلاد، تشمل فيما تشمل التنسيق الكامل مع الدول المجاورة وتتبع الخيوط المؤدية إلى القوى التي تغذي هذا التنظيم في الداخل اليمني نفسه.
وفي اعتقادي سيبقى هذا التنظيم تحدياً خطيراً لكن زواله محتوم مع قيام دولة قوية ومؤثرة، على عكس الحركة الحوثية المسلحة، التي تقاتل الدولة بإمكانيات الدولة نفسها وبرجالها، وما من تفسير لذلك إلا أن هذه الحركة، باتت تعتمد اعتماداً كبيرا على قوى الدولة القديمة التي لا تزال تفسر التغيير الذي أتت به ثورة الـ11 من فبراير 2011، على أنه إنهاء لسيطرتها الجهوية المطلقة على مقاليد الأمور في اليمن، ما يستدعي استرداد هذه السلطة ولو حتى عبر المشروع الإمامي الذي تنطوي عليه الحركة الحوثية المسلحة، وتخفيه في ثنايا رسائلها المراوغة وادعاءاتها المتكررة أنها تعمل تحت مظلة الجمهورية، في حين لا دلائل واقعية مقنعة على هذه الادعاءات.
قبل يومين أعلنت هذه الحركة عن اعتزامها تنظيم أربع اعتصامات في كل من محافظات صعدة، حجة، عمران، الواقعة إلى الشمال من العاصمة صنعاء، ومحافظة الذمار المتاخمة لها من الناحية الجنوبية..هذه الاعتصامات تهدف بحسب إعلان الحركة إلى إسقاط الحكومة على خلفية قرارها الأخير بتحرير أسعار المشتقات النفطية.
لكن هذا التحرك يأتي في سياق نزعة مذهبية وجهوية تجعل من هذا الاحتجاج على الرغم من طبيعته الشعبوية، فعلاً اجتماعياً من لون واحد ومذهب واحد ومنطقة جغرافية واحدة، أي أن الحركة الحوثية قررت أن تركز فعل التأثير على مصير الدولة، وجعله استحقاقاً "زيدياً" يعيد لها ولمشروعها الإمامي الحياة، والأولوية في صياغة مستقبل البلاد خلال المرحلة القادمة، وهو مدخل خطير لتفكيك الدولة والمجتمع.
ترافق هذا الإعلان مع كتابات تنعي الدولة وفشلها وعجزها في تحقيق مصالح الشعب اليمني، وكلها صادرة عن المتحدثين الرسميين باسم الحركة الحوثية المسلحة..وبالتأكيد فإن هذه الاعتصامات إن مضت الحركة في تنظيمها سوف تشكل بؤر تمرد وتوتر خطيرة تحيط بالعاصمة صنعاء من جميع الجهات، وستحول دون عودة محافظة عمران إلى كنف الدولة كما كان مقرراً، وفقاً لما نص عليه بيان مجلس الأمن الدولي، الذي صدر في أعقاب سقوط مدينة عمران بيد الحركة الحوثية المسلحة قبل نحو شهر.