الصنمية والأصنام
سلام مراد
اتخذت الأصنام أشكالاً متعددة في حياة الشعوب، وذلك تبعاً للأزمان والأحوال والطبيعة والعادات والتقاليد؛ وهذا التطور والتغير كثيراً ما كان يخضع لتطور الوعي البشري والحياة الإنسانية.
فالإنسان مر بمرحلة عبادة الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والكواكب والأنهار والحجارة والنصب المنحوتة.
وفي فترة أخرى كانت الأصنام حيوانات وطيور وزواحف؛ وفي طور ثالث كانت الأصنام بشراً متوفين كالقياصرة والفراعنة والأكاسرة والأبطال وأجداد القبائل والرحال الصالحين.
وجميع هذه الأصنام التي ذكرناها حاربها الأنبياء عبر التاريخ، ونتذكر جيداً معاً كيف حارب الإسلام الأصنام وأبطل عبادتها، وحذّر من أصنام أخرى، هي الأصنام التي يخلقها البشر من أنفسهم وأيديهم.
أي أن لا يخلق الناس أنداداً لله، وفي الآية تحذير من ذلك كقوله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) (البقرة 22).
وقد فسر عبد الله بن مسعود هذه الآية بقوله: أي لا تجعلوا لله أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله.
كما فسر قوله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً، يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) (البقرة 165).
إن الأنداد في هذا الموضع هم سادتهم الذين يطيعونهم في معصية الله، ويطيعونهم كما يطيعون الله، إذا أمروهم أطاعوهم دون مناقشة أو استفسار.
ومن الأصنام التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم الافتتان بكل من الجاه والمال وزينة الأثاث واللباس والانغماس بثقافة الإنتاج والاستهلاك.
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن عبد الدينا، لعن عبد الدرهم» وقوله: «تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم».
إن كتاب الصنمية والأصنام في ثقافة العصبيات العربية للدكتور ماجد عرسان الكيلاني تناول موضوع الصنمية والأصنام بشكل حاول فيه الإحاطة بالموضوع من كافة الجوانب التي ترتبط بمسألة الصنمية والأصنام في الثقافة العربية.
وركز في دراسته على موضوع العصبيات وبين أن العصبيات هي المحاضن التي تولد فيها الصنميات وتنمو وتشتد.
لأن العصبيات تسعى أن يكون لها «مثل أعلى» وهذا المثل الأعلى هو يحتكر صناعة القرار وتنفيذه ويستأثر بموارد العيش والحياة هذا بالمقابل أن هناك «رعية مستضعفة» تتنازل عن حرياتها وممتلكاتها، ثم تتحول مع الزمن في ظل العصبيات إلى قطعان مدجنة، يستخف بها الزعماء، تؤمر فتطيع، وتُظلم فتصمت، وحيث تضغط عليها «دوافع الحاجات» الجسدية ترفع الالتماس تلو الالتماس إلى الزعامة المتسلطة لترد إليها بعض مما تنازلت لها عنه.
كما أن في العصبيات تربية للناشئة على موالاة الزعامة، والموالاة هذه قائمة على الانفعال القاهر للعقل والحمية المانعة للحكمة.
وبين د. الكيلاني أن العصبيات تطورت لتتخذ أشكال متنوعة، وواكبت العصر والمراحل التاريخية، ففي طور ما كانت العصبيات أسرية، وفي طور آخر صارت عصبيات قبلية وإقليمية، وفي طور ثالث صارت عصبيات قومية، وفي طور رابع صارت عصبيات عرقية أو قارية وهكذا.
وتنوعت العصبيات بتنوع الميراث الثقافي، ففي عهد الرومان وأحفادهم المعاصرين تجسدت في «عصبية الرجل الأبيض» الذي يعمل على قهر الأعراق الأخرى للتنازل عن حرياتها وممتلكاتها ثم التوّصل من قبل الشعوب الأخرى لعواصم الغرب لاستعادة جزء من الذي تنازلت عنه تحت بند «المعونات الإنسانية» و«المساعدات الدولية».
واتخذت عند الهنود شكلاً آخر «كالعصبية الطبقية» وعند العرب والأفارقة وغيرهم «العصبية القبلية» وأخواتها من عصبيات إقليمية وطائفية ومذهبية وحزبية.
عاد د. كيلاني إلى رأي لأحد مشاهير مؤرخي التربية في الولايات المتحدة الأميركية في موضوع العصبيات وهو جدول سيرتج.
وبين هذا الباحث الأمريكي أن العالم الغربي تتسع فيه دوائر الولاءات العصبية حتى تبلغ عصبيات قومية وعرقية وقارية.
لذلك تتشكل في هكذا مجتمعات أفكار الوطنية والقومية والصالح العام، وسيادة الشعب، والشرف القومي، والحريات الديمقراطية، وتتخذ أشكال صنمية ترتدي أحياناً طابعاً دينياً أو عرقياً أو جغرافياً، وبذلك تتمكن فئات معينة من رجال الأعمال والمال من الهيمنة والسيطرة على السلطة والمال ومصادر القوة والتحكم بحريات الناس في التفكير والاختيار.
وفي العادة تتغلب العصبيات الأكثر اتساعاً على العصبيات الأضعف ولاءً، وكلما كانت دائرة العصبية أكثر سعة كانت آثارها في الطغيان والاستضعاف وإشاعة الضحية والأصنام أكبر حجماً وأكثر خطورة.
إن العصبية القبلية هي المحاضن الرئيسة التي تلد وتنمو فيها الصنميات والأصنام في الأقطار العربية والإسلامية، وشكلت هذه العصبيات معوقات قوية حالت دون تجسيد مبادئ الإسلام في نظم ومؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية خلال مسيرة التاريخ الإسلامي.
شبه الباحث هذه المعوقات التي وقعت في مسيرة الإسلام بالصخرة الجاثمة على باب النبع فلا هي تشرب ولا تدع الماء ينساب ليشرب منه الآخرون.
الكتاب: الصنمية و الأصنام في ثقافة العصبيات العربية
الكاتب : د.ماجد عرسان الكيلاني
الناشر:مركز الناقد الثقافي دمشق 2007