مُذكّرة بحث ..
قصة قصيرة
بقلم - ( محمد فتحي المقداد )
الظلام يلفّ المكان، و مشاعر ( فطين ) متناقضة حيال عبوره الطريق من الحارة القديمة مروراً عبر القناطر القديمة، خطواته يتلاشى زخمها العاجل، خَطَرَ تغيير الطريق، الساعة تشير للواحدة بعد منتصف الليل، على بُعْد خمسين متراً منه، لمعان وبريق، أصوات غريبة، تجمّد الدم في أوصاله، وتيبست عروقه، شعرُ رأسه انتثر واقفاً، وسَرَتْ قشعريرة في جسده، توقف عقله عن التفكير..
- يا إلهي هل أتابع، نظرتُ إلى خلفي، وجدتُ حائطاً من الظلام أغلقَ الأفقَ أمام عيني، لا مناص لي، سأنتظر قليلاً، عسى أن يبعث الله عابراً آخر أجوزُ معه هذه المفازة.
تتالى شريط الذكريات حاضراً أمام عينيه، وهو يتخيل أحاديث سهرات العجائز في مضافة جدّه، عن الغولة و الجن، و إمكانية تشكلهم بأشكال غريبة الأطوار.
- اللعنة، يدي تمتدًّ إلى خصري، تسحبُ المسدس من تحت الحزام، وبسرعة أتوماتيكية بلا وعي فككتً الأمان، متهيئاً لمباشرة الإطلاق.
بلا مقدمات، جاءني صوتاً هاتفاً ، سادتني لحظات ذهول، أربكتني.
- إياك أن تطلق النار، هيّا تقدّم، لا تَخَفْ – بلهجة حازمة - .
- من أنت.. ؟.
- صديق، أأتقدم إليك ؟.
- لا، بل أنا سأتقدم لمتابعة طريقي.
سُرِّيَ عني قليلاً، فتنفست الصعداء، أتقدمُ خطوةً خطوةْ، بحذرٍ شديد دفع حواسي للتأهب في حالتي القصوى، وما إنْ خطوت الثالثة, حتى أضيء المكان، انشق الظلام عن جسم غريب، كأنه روبوت آلي، تداعبه هواجس الخوف، وأخيراً ترجحت لديه فكرة الجن، و قدرته على التشكّل، على مسافة خطوات قليلة منه، صحتُ بوجهه:" من أنت ؟.
- ألا ترى أنني روبوت .. و اسمي شمشون ؟.
- روبوت هنا بين البيوت القديمة والخرائب..!!، غير معقول، أأنت جِنِّيٌ متحوِّل؟.
- لا عزيزي، سلامةُ فَهْمِك.
شيءٌ من الطمأنينة تسرّب إلى قلبي، تفَرَّسْتُهُ بِدقّة .. تأكدّتُ الآن، يا إلهي ..!!.. فِعْلاً، كما قال ..، هيا أخبرني:" ما الذي جاء بك إلى هنا، أيها الأحمق ؟".
- سأحدثك بقصتي التي تتشابه مع عالم الأساطير، وأظنك ربما تًكذِّبني.
- لا عليك، كُلِّي آذان صاغية، على فكرة ما رأيك أن آخذك معي إلى بيتنا؟.
- لا مانع لديّ، هيّا على بركة الله.
***_ ***
الدار مُعتِمة، الجميع نيام، تسلّل فطين بحذر شديد، لاستكشاف الأمر و الاطمئنان، رجع مُسْرعأ إلى شمشون, مُوصياً إياه بعدم إصدار أية أصوات ومثيرات، من شأنها إخافة أهل البيت، وحفاظاً على السر، حتى أجدَ مخرجاً آمناً لك.
- ها .. لم تخبرني للآن، كيف وصلت إلى هنا؟
- ولن تسمع ذلك في نوادر ( شارل هولمز)، يا سيدي، أنا في ألأساس كنت في مركز جامعي للأبحاث العلمية، ومنذ أيام حصلت اشتباكات، وإطلاق نار كثيف، بين الجيش الحر، والحراسات و المتحصنين في المركز من قوات الأمن، وحدثت حالة من الهلع و الفزع، وما كان منى إلاّ أن تسللت خلسة، بعد أن كلفوني بمهمة مراقبة على الحاجز المتقدم، في الليل اشتد البرد وتدنّت درجات الحرارة جداً، وبدأ الثلج يتساقط، وفرّ العساكر من الخدمة، ولحقتُ بهم، وها أنا أعلن إنشقاقي على يديك.
- من يومين، قرأتُ إعلاناً على الفيس بوك، في صفحة الجيش الإلكتروني للنظام ، عن هروب روبوت من مركز البحوث، ورصدوا جائزة مالية كبيرة لمن يجده أو يرشد عن مكانه، ومن غريب الصُّدَف أن تكون أنت بين يديّ الآن.
- أفهمٌ منكَ، أنني مطلوب لهم.
- نعم، مذكرة البحث صدرتْ بحقك، وتكليف للجهات المعنيّة بملاحقتك للقبض عليك، لأنك عسكري. وما المهمة التي كانت مناطة بك ؟.
- في الأساس كنت أعمل على مراقبة الأقسام المنتجة للغازات الكيماوية السامة، ثم نُقلتُ إلى قسم المراقبة الإلكترونية لشبكة الأنترنت، واختراق الإيميلات، و حسابات الفيس بوك.
- وهل يوجد من جنسك الكثير عندهم، يا شمشون؟.
- في الحقيقة، لا ، فقط نحن على عدد أصابع اليد الواحدة.
- المهم الآن، البحثُ عنك يجري على قدمٍ و ساق، واستنفارٌ كبير على كافة الأصعدة،ولو أن الوضع غير هذا الوضع، لقمت بتسليمك لهم، وحصلتُ على الجائزة التي ربما تحلّ كل مشاكلي المالية المستعصية, يجب أن يبقى أمرك بسرية تامة، وأن أجد المكان المناسب لتختبئ فيه.
- سأخبرك شيئاً هائلاً، فقد رصدتُ في تلك الزاوية التي كنتُ قابعاً فيها، فهناك من يحمل البارودة على كتفه ويحمل بين يديه مسروقات من بيوت، وهناك من سرق دراجة نارية من أحد الثوّار، وثائر آخر كان غاضباً وهائجاً لسرقة سلاحه ، حيث دفنه في حفرة بحضرة فيمن يظن أنهم ثوّارٌ أمناءٌ مثله.
- وهل لديك الدليل ؟، لأنني من الصعب تصديق ما سمعتُ منك.
- بكل تأكيد، هيّا افتح جهاز اللابتوب، واشبكْ منه وصلة( اليو إس بي ) إلى هذه الفتحة التي بجانبي، لتسمع بالصوت، وترى بالصورة،الحقيقة المؤلمة التي لا تدعُ مجالاً للشك أبداً، بإمكانك الاحتفاظ بها على جهازك من أجل المستقبل. و ها أنا أعلن إنشقاقي.
- هل تحتاج لشحن كهربائي لتجديد طاقتك، لأن موعد قطع الكهرباء بعد ساعتين، ولا ندري كم من الوقت حتى تأتي مرةً أخرى.
- أنا طاقتي ذاتية، تتولد من خلايا نووية تتجدد باستمرار.
فطينٌ في حالة ذهول وشرود ذهن، وأفكار سوداء تعتمل في عقله، ويأس وإحباط سيطرت عليه تلك الحالة لفترة من الزمن، ويضربُ كفّاً بكفِّ متأسِّفاُ.. "يا حيف على الشباب ".
...تمت ...
ربّة عمّون \ الكرك