اسقاطات نقدية على قصة الأديب الكبير:عدنان كنفاني:
تعودنا من الأديب :عدنان كنفاني نصوصا تتجلى فيها مهارة إتقان العناية الفائقة ,و امتزاج القص بشكل خاص بعوامل عدة تكرس نجاح النص منها:
1- افتتاح نصه بفعل مضارع تفعيلا وجذبا للقارئ.
2- لقطة سينمائية بعيدة صورة بانورامية للمكان المرصود تبين الساحة التي تجري فيخا أحداث القصة.
3- اقتراب تدريجي للمكان حتى نصل للمشكلة المرصودة وبتفصيل.
4- معالجتها مع تعاريج الحوارات بعيدا عن المعالجة النفسية الداخلية.
5- النفس الطويل الذي تمتاز به نصوصه عامة.
يبدأ اديبنا من خلال لقطته للسوق بجمل توضح نفوره من هذا العالم المتناقض بوضوح:
تستقبلني كل صباح ابتسامات لئيمة مرسومة بنفاق بالغ على وجوه الرجال المحنطين أمام دكاكينهم الضيقة والمكتظة ببضائع شتى...
يفهم القارئ هنا,أن السوق رديئ المستوى,ممجوج رجاله,سيئ غاية السوء,دون توضيح لتضاريسه ولا لمكانه الحقيقي, لأنه يجسد هنا حالة حاضرة في واقعنا,
و مايتوضح لاحقا أن الراوي صاحب محل صغير أيضا,وهذا إمعانا في تأكيد صدق الراوي وملاحظته القريبة للحالة.
مايحسب للأديب هنا فكرة النص "الكيس الأصفر الضائع" التي لم يسبقه لتصويره أديب,وهؤلاء الفقراء الذين يتصيدون بقايا ونفايات الناس ليجمعوها ويبيعوها ويقتاتون بثمنها:
-جاء ياسر وسأل عن دليل هاتف ,قال أنه فقد كيسا فيه ألف ليرة.
جاء هذا على لسان نزار أجير الراوي ,ذلك الشاب النحيل الذي يعمل معه وجملته المعهودة :
-لاشيء جديد.
وتلك الجملة التي تظهر الحالة المتكررة يوميا ,يتقن هنا أديبنا وصف المحال ووجوه التجار بطريقة منفرة للقارئ,وكأنهم في مؤخرة ركب المجتمع,رغم أنه ضمنا ومن خلال النص يظهر أنه لاغنى عن هؤلاء رغما كل ما نرى ونسمع,
ورغم مساوئ معاملة بعضهم عموما لكنه أظهر لنا وكانها حالة عامة وهذه نظرة متعصبة بعض الشيئ:
هل تكون الصورة المطلقة التي رسمناها لعقولنا وأوصلتنا بغرور مطلق إلى سحق الآخر بمسميات أطلقناها وبمعايير وضعناها؟.
نظرة اشتراكية خالصة يفصح النص عنها,بكل الأحوال عالم التجارة ورغم أن الله بارك بالعمل التجاري الذي يحفز على النشاط والحركة المالية الدؤوبة التي ترفع من المستوى المادي للخزينة الحكومية عامة.
يهمنا هنا مهارة الأديب الكبير بتصوير الواقع وتعاريج الفكرة ,من خلال بحث المسكين عنها وإخفاء الأديب ماهو الكيس الأصفر الذي تبلغ قيمته ألف ليرة,لآخر النص,وكيف ان زملاءه في السوق من سرقه,واقع موجود
فعلا وصورة صادقة جدا,لكنها ليست عامة ولا كاملة.
يحمل النص سيميائية عالية,بكل جمله ودلالات التعبير ,وتاويلاتها ذات الوجه الواحد,رغم مباشرة الوصف مثال:
تراكمت في عينيه صور كثيرة ومختلطة وهو يطوي وجهه بين يديه ,يجلس القرفصاء ويحبس دمعة كادت تفيض من مقلتيه.
تلك الصورة الموحية التي تجعلك تتخيل المشهد كاملا...
تباغتك نهاية النص بقوة وإيحاء:
شبه لي أنني رأيت عبد القادروأبو راشد ,يجلسان في صندوق شاحنة من ثلاث عجلات ,لونها أخضر داكن يأكلان بنهم وتلذذ ما تبقى من فتات لحم انتزع من قاع كيس أصفر...
لقد كانت اللعبة القصصية ذكية, أجاب عن ملابساتها العنوان وخاصة عندما قال:شبه لي:
بمعنى أتوقع فقط..ليبعد مغبة التهمة الصريحة وهي صريحة.وهل يتحمل الكيس طعاما مع النفايات منطقيا؟أم الغاية هنا رمزية صرفة؟.
أيا كان الأمر,فالقصة تحمل حملا كبيرا ,ومن واقع مرير استطاع الكاتب توصيل فكرته ببراعة.
ريمه الخاني 27-1-2014




http://www.omferas.com/vb/t48725/