رمضانيات............
القصيدة الثانية.... بين رسول الله وابنة عمه درة بنت أبي لهب... بعد عداوة مريرة من أمها وأبيها وإخوتها لرسول الله ........ وبعد أن ماتوا جميعاً... لم تجد أحداً تلجأ إليه إلا ابن عمها محمد ... وهناك كان هذا الموقف..........

روى الإمامُ الحافظُ ابنُ حجرِ ... أسفارُهُ طافحةٌ بالدررِ

أنَّ إمامَ المرسلينَ المصطفى ... صلَّى عليهِ اللُه مجداً ووفا

دعا قريشاً لسبيلِ الحقِ ... وهديهُ منارةٌ للصدقِ


لكنَّهم تفرقوا صُدودا ..... وذهبوا من هديهِ بعيدا

أتاهُمُ بمحكمِ القرآنِ ....... فانصرفوا للبَغيِ والعُدوانِ


وكانَ من أكفرهِمْ أبو لهبْ ..... تبَّتْ يداهُ مِنْ مخازيهِ وتَبْ

زوجتُهُ أكفرُ منْهُ وأشدّ ........ في جيدها حبلُ عذابٍ من مَسَدْ


تاريخهُ يحفلُ بالخزايا ...... سجلهُ يطفحُ بالرزايا

بغىَ طويلاً ونأى وعادى ....... يحاربُ الإسلامَ والرشادا


عقٍبُهُ اجتُثَّتْ فكانَ أبترا ...... إلا ابنةً له بها تدثرا

درة ظلّتْ حَوْلَه قريبَةْ ...... ترعاهُ رغمَ ما بهِ مِنْ ريبَةْ

حتى أتاهُ عقرُ المنونِ ...... وماتَ مهجوراً بلا مُعينِ


لما رأتْ والدَها صريعا ..... وأهلُها قد هلكوا جميعا

توجهتْ من مكةٍ مهاجرةْ ...... إلى ابنِ عمِّها رجاءَ الآخرةْ


لَقِيَها المعلمُ الرسولُ ...... وفضلهُ على الورى جميلُ

أنـزَلها منازلَ الكرامةْ ...... ولم يشأ تُحرجُها الملامةْ

ولم يشأ يذكرُ عن أبيها ..... شيئاً من التنـزيلِ قد يؤذيها


لكنَّها جاءتْهُ في بكاءِ .... ضارعةً في غايةِ الرجاءِ

تقولُ يا ابنَ عمُّ يا ملاذي ..... وأنتَ مَنْ بمجدهِ عياذي


عجائزُ الأنصارِ في المدينةْ ..... جعلنني من الأسى حزينةْ

يذكرنَ بالسوءِ أبي أبا لهبْ ..... يذكرنَ أمي حينَ تحملُ الحطبْ

كأنني وحدي ابنةُ الكفارِ ...... وأنهنَّ من سُدى الأبرارِ

وهنَّ من عنايَ في شماتةْ .... يرجو المعنَّى بينهُمْ مماتهْ

هم غمزوني في الدروبِ غمزا .... ولمزوني عامدينَ لمزا


ودمعتْ من حرقةٍ عيناها ...... ومن لها إلا الأمينَ طهَ

فنظرَ النبيُّ للمسكينةْ ...... وكفَّ منها العبرةَ الحزينةْ

وقال لا تأسي ولا تخافي ...... لستُ بقاطعٍ ولا مجافي

غداً أقومُ فيهِمُ خطيبا ...... أرجو أراكِ.. فقفي قريبا


تقدمتْ درةُ في استحياءِ ....... بارزةً مِنْ سائرِ النساءِ

حتى رآها واصلُ الأرحامِ ....... معلِّمُ الحكمةِ للأنامِ

فقطعَ الخطبةَ في صرامهْ ...... ولم يتمَّ بعدها كلامَهْ


يا قومُ هلْ لكلكمُ أنسابُ ...... ورحمٌ.. وليسَ لي أنسابُ؟!

أما لكم قرابةٌ ورحمُ ...... ولي إليكُمْ صلةٌ ورحمُ؟!


فقامَ فيهِمْ عمرُ هدّارا ........ واستل سيفاً صارماً بتارا

مَنْ ذا الذي بغيِّه قد أغضبكْ ...... فألفُ سيفٍ يتقونَ غضبَكْ


فقالَ قد أوذيتُ في أرحامي ..... يساءُ فيكمْ لِبني أعمامي

وهذِهِ درَّةُ بنتُ عمِّي ...... وحزْنها وغَمُّها كغمي

كلُّ امرئٍ بكسبهِ رهينُ ...... من خائنٍ قد يولدُ الأمينُ


ألا وكلُّ سببٍ ينقطعُ ....... في الحشرِ.. غير نسبي لا يُقطَعُ

وسبـبي ونسبي موصولُ .......... يا سعدَ من قريبهُ الرسولُ


ودرةٌ درةُ أهلِ بيتي .......... ب قد شَرُفَتْ بالحيّ لا بالميتِ

أنا ولي أمرِها أسعى لها ..... ورحمي أَبُلُّها بلالهــــــــــا

ودرةٌ تزهو بما يقولُ ...... طوبى لمن نصرهُ الرسولُ

رافعةً في صَحبها الجبينا ..... تزهو على البناتِ والبنينا


وأقبلت عجائزُ الأنصارِ ...... عانقنَ فيها درةَ المختارِ

سألنها السماحَ والغفرانا ....... تنسى من التفريطِ ما قد كانا


ولم تكُنْ درةُ ذاتَ زوجِ ...... وإنها في الحسنِ فوق الأوجِ

فأرسلَ النبي يختارُ لها ....... دحيةَ ذا الجمالِ وهو أهلها

جمالهُ وحسنهُ مشهورُ ....... ترنَّمت بحسنهِ الطيورُ

ووجههُ كأنه جبريلُ ....... إشراقهُ مثلَ الضُّحى أصيلُ


فقالَ يا دحيةَ هل تختارُ؟ ..... فقال ما لمؤمنٍ خيارُ

إذا قضى الرحمن أو رسولُهُ ...... فليسَ لي شيءٌ هنا أقولُهُ


فقالَ زوَّجْتك بنتَ عمي ...... أرجو رضا أبي وبرَّ أمي

عليَّ ما تطلبُه صَداقا ...... فكن حنوناً واتقِ الخلاقا

وباركَ العروسَ والعريسا ..... وزفَّها عَيساً يقود عَيسا
وصَلْتُ عمي ولقد جفاني ..... وبنتُ عمي اليومَ في أماني


دعا وناجى ببليغِ الأدبِ ...... مباركاً.. وقال في تحبُّبِ

درةُ.. هل علي بعدُ واجبُ ...... قولي فإني لرضاكِ راغبُ


فشهقتْ واستعبرتْ حنانا ...... طوَّقْتَني بينَ الورى إحسانا

وددتُ لو تكونُ في عيوني ....... أغمضُها وأنتَ في جفوني

جُزيتَ خيراً من رسولٍ وابنِ عَمّ ..... ودمتَ في رحابِ هذه النِّعَمْ


حياكَ يا معلمَ الوصالِ ....... وراحمَ النساءِ والرجالِ

صلى عليكَ اللهُ يا محمدُ ...... يا خيرَ مَنْ أتى الوجودَ يرشدُ

وآلهِ ما وُصِلَتْ أرحامُ ..... وعَشِقَتْ سُنَّتهُ الأنَامُ