‎| عبد الحميد الثاني يخدم حجاج بيت الله بالخط الحديدي الحجازي |

كان الحجاج من أهل الشام وما جاورها من البلدان يجتمعون في دمشق فإذا كان موعد الحج خرجوا جميعا إليه من المحمل الشامي ومعهم حامية عسكرية تحميهم بالقوة ومعهم الصرة تحرسهم بالمال يدفعون كيد الأعراب الذي يمرون عليهم بالترغيب وبالترهيب فمن لم ينفع معه المال أفادت المدافع وربما عجزت هذه وتلك عن دفعهم أذاهم فنال الأذي الحجاج وفي الصرة ريع أوقاف الحرمين ليوزع علي فقرائها .

والمحمل هودج هرمي الشكل بارع النقش والزخرف يحمل علي جمل ( ولايزال المحمل محفوظا في متحف دمشق ) يسبقه جمل آخر عليه السنجق وهو علم ملفوف وكلا الجملين يلبسونه ثوبا عليه مثل نقش المحمل وزخرفه تتقدمه الموسيقي العسكرية ويكون وداع المحمل يوما من ايام دمشق المشهودة , يزدحم الناس علي نوافذ البيوت التي يمر بها وربما استؤجرت النافذة بالمبلغ المرقوم وربما نام الناس علي أطراف الطريق من قصر المشيرية ( وهو الان القصر العدلي ) إلي آخر حي الميدان وقد شهدت آخر مرة خرج فيها المحمل يمشي معه الوجوه والأعيان والمرتزقه والمهرجون وأصناف الناس فإذا انتهي الوداع خرج الحجاج في قافلة عظيمة إلي مزيرب وهي أدني قري حوران من دمشق فدرعا ( أذرعات ) فعمان ( وكانت عمان قرية وأنا أعرفها كذلك ) ثم إلي معان .

ويأتي الحجاج المصريون بقافلة مثلها أو أعظم منها من طريق العقبة فيها المحمل المصري , فيلتقي المحملان غالبا في معان ثم يمشيان إالي تبوك وللمحمل المصري مراسم أضخم ووداع أعظم , وكلاهما بدعة في الإسلام ترتكب يوم وداعه في مصر وفي الشام منكرات كثيرات حتي كان حادث المحمل الذي سبب الجفوة حينا بين مصر والسعودية وستعلمون نبأه بعد قليل .

وكانت القافلة تقطع علي الطريق من دمشق إالي المدينة أربعين ليلة , تمشي في النهار علي الجمال ( في الشقادف والهوادج ) وعلي الدواب , وكثير من الناس يمشي علي رجليه , فإذا دنت القافلة من المنزل سبقها الخيامون فنصبوا الخيام , والباعة والصناع وتقدمها الأعوان فأعدوا الطعام , فلا يجئ الليل حتي تقوم في البرية مدينة كاملة , تولد العشية وتموت من صباح الغد .

فلما رأي السلطان عبد الحميد ( الذي سود اليهود تاريخه كذبا وافتراء عليه , سود الله وجوههم , فنسب إليه ذنوب ما ارتكبها وأعمال لم يعلمها , كل الذي عمله أنه طرد وفد يهود وبصق علي ذهبهم وأموالهم وأبي عليهم امتلاك شير في فلسطين , فرحمه الله وأخزي من افتري عليه , وسامح من صدق المفترين عن غفلة منه ولا سامح من أيدهم عن تعمد وإصرار ) , لما رأي ذلك عزم علي مد هذا الخط الحديدي وبذل فيه خزائن المال , ورغب المسلمين بالبذل فمدوا إليه أكفا مبسوطة بالعطاء .

وشرع بالعمل سنه 1901 , ولم تكف التبرعات فأمر بإحداث طابع مالي يلصق علي كل عريضة وكل معاملة رسمية , فدر علي الخط مالا كثيرا ولكنه قصر عن إتمامه , فسخر الجيش العثماني للعمل في مد الخط , فمات من الجند في سبيله آلاف , حتي قيل إن في كل مئة متر منه قبر شهيد .

إن هذا الخط وقف إسلامي وملك للمسلمين جميعا لأنه أنشئ بأموال المسلمين كلهم ولأنه يربطهم بمدينة نبيهم صلي الله عليه وسلم ...

ذكريات علي الطنطاوي ..
_______________________

الصورة : عمله عثمانيه ضربت إحتفالا بالخط الحديدي


* ع *








نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


تاريخنا الاسلامي