الدب ضد العقرب، والبعيد صار أقرب
د. فايز أبو شمالة
أعجبني كتاب "الدب ضدالعقرب" الذي ألفه العقيد الإسرائيلي "شلومو جوردن" وأصدق ملاحظاتهالنقدية على الحرب التي شنها جيش العدو الإسرائيلي على سكان قطاع غزة عام 2009م،وأعجبني أكثر تأكيد الرجل على فشل العملية العسكرية في تحقيق أهدافها، معتبراًإياها إعادة لمعركة فاشلة لحرب لبنان الثانية، وما ترتب عليها من نتائج!
لقد خالف العقيد "شلوموجوردن" كل ما قاله أعداء المقاومة في غزة عن الانتصار الإسرائيلي، ومسحبمنديل الحقيقية دموع التماسيح التي سالت على خد بعض السياسيين والكتابالفلسطينيين، الذين أصروا على أن المقاومة الفلسطينية كانت نمراً من ورق، وأن قبضةإسرائيل القوية هرست عظم المقاومة، وفعلت فيها ما يحلو لها.
فما الجديد في شهادة شلوموجوردن كما وردت في كتاب "الدب والعقرب":
أولاً: إن حركة حماس لم توافق على هدنة مع إسرائيل في قطاع غزة، وقداضطررنا إلى الانسحاب من طرف واحد دون تحقيق أدنى الأهداف في قطاع غزة.
ثانياً: كان من أهمأهداف عملية الرصاص المصبوب، هو إعادة الهدوء إلى مناطق الجنوب لفترة طويلة، وهذاالأمر لم يتحققحتى اليوم.
ثالثاً: يقترحالكاتب على الجيش الإسرائيلي تغيير هيكلة القوة، كما هو الحال في الجيش الأمريكيالذي يعمل دائماً على التقليل من استخدام القوات البرية
تلك بعض اعترافات العقيدالإسرائيلي عن الحرب، التي كان اسمها "الرصاص المصبوب"، أما لفظة"مصبوب" فإنها تحمل من دلالة الإرادة الإسرائيلية ما لا ينازعها شيء علىوجه الأرض، وتحمل من التخويف ما ارتجفت له أفئدة الكثيرين، وظنوا أن حرارة الرصاصالمصبوب سيصهر عظم غزة، وسيجعل من مقاومتها المسلحة هشيماً تذروه الرياح. بينماكان المقاوم المسلم واثقاً أنه يؤدي الفريضة حين يتحدى الرصاص المصبوب، وأنه يؤديالنوافل حين يعاود سكب الرصاص في قوالب من الكرامة والكبرياء، وهو يؤكد علىالحقائق الميدانية التالية التي حاول تجاهلها العقيد "جوردن":
أولاً: استمرار تساقط قذائفالمقاومة على الكيان الصهيوني بعد يومين من إعلان الحكومة الإسرائيلية عن وقفإطلاق النار، وبدء الانسحاب من غزة.
ثانياً: رغم الدور المشبوه الذي قامفيه عمر سليمان مدير مخابرات نظام مبارك، في الضغط على القيادة السياسية للمقاومة،ورغم عزلها عن العالم في أحد فنادق القاهرة، فقد رفضت المقاومة الفلسطينية كلالضغوط القذرة، وأصرت على عدم إعطاء الجيش الإسرائيلي أي مخرج مشرف لوقف عدوانه.
ثالثاً: ظلت الروح القتالية لرجالالمقاومة في منأى عن الإرهاب الإعلامي لأعداء فلسطين، واستطاعت أن تنقل عدوىالصمود إلى خارج الحدود، وما كان بعيداً صار قريباً جداً.