هذا الوطن ملكنا.. والنظام ليس مخولا بأكثر من أن يسمع وينفذ..

عندما نختلف على توصيف نقطة البداية، لن نستطيع رؤية أيَّ شبرٍ في مسار طريقنا التالي لتلك النقطة..
ناهيك عن أن نرى نقطة النهاية، أو أن نلمح معالمَها بوضوح..
نقطة البدابة هي كل شيء، وأهم شيء، وأعظم شيء، في حركة التغيير وفي مسيرة استعادة الحقوق..
ومادمنا مختلفين فيها وحولها..
فسنبقى ندور فيها وحولها، ولن نتقدم خطوة إلى الأمام..
إن نقطة البداية هي إجابة على السؤال التالي:
"لو كنت نائما في بيتي، وجاء لصٌّ من خارجه، استغل نومي، وأقام المتاريس والحواجز في غرفه ومطابخه وشرفاته ومنافعه وحدائقه، واحتل مرافق البيت كاملة خلال غفوتي، وراح يبرطع فيها، سرقة ونهبا وبيعا لموجوداته، لكي أجدَ بيتي وقد انهارت مرافقه عندما استيقظت من نومي، وأنه لم يعد بيتا صالحا لاستمرار الحياة فيه، بدون تصويب الأوضاع المختلة التي تسبب فيها ذلك العدوان من قبل ذلك اللص"..
فماذا عليَّ أن أفعل؟!
في واقع الأمر، فإن اللص يحرص كلَّ الحرص على أن أوصِّف علاقتي به بخصوص البيت، باعتبارها علاقةً بين مالِكَيْن، هو الطرف الأقوى وصاحب الحقوق والصلاحيات الأوفى والأوفر من بينهما، وأن عليَّ أنا كطرف ضعيف متلقٍ مستسلم، أن أطلب منه ما أرى أن من حقي طلبَه، وهو بعد ذلك من يقرر ماذا يمكنه أن يفعل، فإن شاء منحَ وتكرَّم، وإن شاء منع وتعذَّر، انطلاقا من اعتباره أن ما آل إليه الوضع بعد السرقة وتداعياتها خلال غفوتي الطويلة، قد أصبح أمرا واقعا وحقا من حقوقه المكتسبة..
فإن أنا قبلت بهذه الصيغة التوصيفية، أكون قد ضللت الطريق، ومنحته حقوقا ليست له، واعترفت بشرعية سرقته لممتلكات بيتي خلال غفوتي، بل أكون قد أعطيت للوضع المختل الذي نجم عن عدوانٍ مجحفٍ ظالمٍ طويلٍ، مشروعيةَ المرجعية المعيارية التي تملك حق تحديد معالم أيِّ تغيير أو تعديل في حيثيات الحالة المختلة القائمة، وهو ما يعني أنني أكون قد آمنت بحقه في إدارة بيتي على النحو الذي أداره به رغما عني، خلال فترة غفوتي القهرية!!
ولكن العلاقة التوصيفية الصحيحة، بعد أن استيقظت من غفوتي وعرفت الحقيقة، هي أن أعلن له بملء فمي وعقلي وقلبي، وبكامل إرادتي، أنني أنا صاحب البيت، وأنني وحدي من يملك حق تقرير مصيره، وتحديد من يحق له البقاء فيه أو مغادرته، وأنني أنا وحدي بلا شريك، من يملك حق تحديد صلاحيات كلِّ ساكنيه، بمن فيهم اللص نفسه، إذا قبلت بالعفو عنه وبتركه يشاطرني الحياة فيه.. إلخ، وأنه لا يملك حق مناقشتي في إرادتي أيا كانت وجهتها، وأن أيَّ محاولة منه للظهور بمظهر المتفضل والمتكرم عليَّ بالتجاوب مع أيٍّ من مطالبي، هي محاولة بائسة ومرفوضة، وأن عليه فقط أن يسمع وينفذ، وإلا فإنه يُفَعِّل ويفاقم اعتداءَه التاريخي، ونهبَه المتواصل على بيتي، فتزداد جريمته تفاقما، ويزداد فعله الآثم استحقاقا للعقاب!!
البداية على أساس التوصيف الأول خاطئة وضالة ومنحرفة بكل المعايير المنطقية والأخلاقية، لأنها تعطي اللص المعتدى حقوقا معترفا له بها، في حين أنه مجرد لصٍّ معتدٍ آثم..
أما البداية على أساس التوصيف الثاني، فهي انطلاقة صحيحة وسليمة ومنسجمة مع المنطق والأخلاق، لأنها تضع الأمور في نصابها، وتطرح الحل الممكن في سياق السِّكَّة الصحيحة..
أنا صاحب البيت، وأنا من يحدد شكل التعامل مع لصٍّ سكن بيتي وأقام فيه وأداره وسرقه ونهبه رغم أنفي طيلة مدة غفوتي القاهرة..
ولا نقاش مع اللص إلا في حدود كيفية تنفيذه لمطالبي ليس إلا..
وإذا لم أفعل ذلك، وانطلقت في تحركي لتصويب الأوضاع من الاعتراف بشراكتي أنا وهو في تحديد مستقبل البيت ومستقبل ساكنيه، فأنا آثم مثله، لأنني منحت الباطلَ الذي يمثِّله شرعيةً لا يستحقها، واعترفت بحق السارق في إدارة ممتلكات المسروق..
وأيُّ باطل أشنع وأبشع من ذلك!!!
هذا هو حالنا في الأردن، بل في كل مكان استيقظ فيه شعب عربي من غفوته الطويلة فجأة، ليجدَ نفسَه منهوبا مسروقا معتدًى عليه، فأراد تصحيح الوضع..
الأنظمة تعتبرُ أن ما ترسَّخ وتجذَّر وتثبَّت خلال حقبة إدارتها لبيوتنا "أوطاننا" بوصفها زمرا من اللصوص، هي حقوق مكتسبة، لن تتراجع أو تتنازل عنها، وأن علينا أن نعتبرها هي السقوف التي تحدد مطالبنا أيا كانت، وأن علينا أن نتحرك أسفل هذه السقوف..
وهي من ثمَّ تعتبر نفسها متنازلة ومتكرمة إذا ما قدمت لنا فتاتا من رصيد حقوقنا المنهوبة..
وإننا ما لم نغيِّر نقطة الانطلاق، ونعي بالتالي أن علينا أن نخوض معركة استرداد الحقوق ضد تلك الأنظمة، من واقعة أنها لا حق لها عندنا تناقشنا فيه من منطلق الندية والاستحقاق، فهي ليست شريكة لنا في تحديد مستقبلنا وتقرير مصيرنا قبولا أو رفضا، وأن عليها أن تفهمَ أن هذه الأوطان أوطاننا، وأننا نحن أصحاب الحق في إدارتها، وأصحاب الحقِّ في التكرم والتفضل على أيٍّ من تلك الزُّمَر بمنَّة مِناَّ هنا ومكرمة مِناَّ هناك، تُبقي هذا أو ذاك منها شريكا أو وكيلا أو مَعْفُواًّ عنه..
نقول.. ما لم نعِ ذلك، وننطلق منه، فلن نرسم للمسيرة نهايتها السعيدة الحقيقية، وسنبقى نترنح في دوائر الوهم والكذب والخداع..
يجب أن يفهم الجميع أن اللص المعتدي الآثم لا يحق له أن يبديَ رأيه في كيفية التعامل مع المال المسروق، ولا في مستقبل العلاقة مع صاحب ذلك المال، بل عليه فقط أن يستجيب وأن ينحني أمام صاحب الحق وقضائه العادل، وأن يقبل بالعقاب الذي يقرره عليه..
فهل هذا التوصيف هو الذي يقود عناصر تحركنا للتغيير؟!
وهل أن الشعب وصل إلى القناعة بأن هذا هو التوصيف الصحيح الذي يجب أن يسود ويقود الفعل التغييري؟!
أم أن الاستجداء والرجاء والتسول هي العناصر البغيضة التي ما تزال تحكم ذهنية شعبنا، من على قاعدة الذل والاستكانة العتيدة التالية:
"لو أنك أعطيتنا كذا لسكتنا"؟!
و"لو أنك منحتنا كذا لما طالبنا"؟!
و"لو أنك تجاوبت معنا في كذا لما سألناك أكثر مما جدت به علينا"؟!
فأيُّ ذلِّ ومهانة أكبر، من أن تطالب لصا سرقك، وهتك كرامتك، وباع شرفك وسمعتك، ورهن ماضيك وحاضرك ومستقبل أبنائك لأعدائك، بأن يجود عليك بفتاتٍ من حقوقك، كي تقبلَ ببقائه لصا يسرقك بذكاء، ويهتك كرامتك بهدوء، ويبيع شرفك وسمعتك بثمن أعلى قليلا، ويرهن الحياة والوطن كاملين، بقدر من الذل يطوِّرَك إلى مستوى نصف رجل، بعد أن كنت فيما مضى شبه رجل؟!
كل الأنظمة والنظام الأردني من بينها، تتعامل مع الشعوب باعتبار أن الدولة ملك للنظام وان الشعب خادم لديه، وأنها مستعدة لأن تعتبره ضيفا على أحسن تقدير..
أليس هذا عينه ما يفعله الاحتلال؟!
وهل هذا هو كل ما نصبو إليه في أوطاننا من خلال حراكنا وثوراتنا في مواجهة هؤلاء اللصوص؟!!!