لعبة " التكفير " ..!
جريدة الرؤية العمانية
أنت " كافر" أنتِ " كافرة " .. ثقافة مستحدثة مبتدعة يستخدمها كل متشك في إيمانه ليبررها في طعن إيمان الآخر كتهمة تنفض عنه شكّه ..!
أنت " كافر " أنتِ " كافرة " .. توجه فردي يقذف في وجهك فتصنّف بها لأنك خالفت الآخر في رأيه ؛ كلمة يطلقها أحدهم تخرجك من ملّة الله عزوجل لأنه لم يفهمك ، لم يحاورك ، لم يسمعك بل لمجرد أنه اقتنع بكفرك بلا شواهد على هوى تفسيره ..!
علمونا ونحن - صغار - في المدرسة في مادة " الدين " أنه لا يجوز أن نصّف إنسانا مسلما بأنه " كافر " ومذ يومها استهجنتها حتى لــــــ" كافر " ..!
في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة " التكفير " وهي ظاهرة خطيرة خاصة إذا أطلقها مسلم على آخر بلا أدلة وشواهد ثابتة تدين الآخر ؛ وقد نهى ديننا الحنيف عن ذلك وقد وردت نصوص قرآنية وأخرى أحاديث نبوية .. ففي كتابه قال تعالى : " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا " وسبب نزول هذه الآية أن صحابيا قتل مشتركا قال لا إله إلا الله عندما هم ّ بقتله ، فبلغ ذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – فغضب وقال : " ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله " ترجم له البخاري .. وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " إذا قال المسلم لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما " رواه البخاري بلفظه ..
يغيب عن الكثيرين مخاطر وتبعات تكفير إنسان بلا ضوابط كاشفة كالشمس نتائج لا تحمد عقباها على رأسها إباحة الدم والمال وفسخ عصمة الزوجية وامتناع التوارث وعدم الصلاة عليه ومنع دفنه في مقابر المسلمين ..!
لهذا حدد واجتهد العلماء في بيان ضوابط التكفير على المعين حسبما تظهر أدلة ثابتة وواضحة ومن ذلك :
1 – لا تكفير إلا بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ؛ والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة النص يقيني الورود من الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام القطعي الدلالة ولا يحتمل التأويل .. ويقول الشوكاني في هذا : " اعلم أن الحكم على المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار " ..
2 – التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع ؛ ويروى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لعن شارب الخمر على العموم ولما جلد رجلا شرب الخمر قام رجل فلعنه ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : " لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله " فهنا وجد الرسول الكريم المانع من اللعن العام هو محبته لله ورسوله -رواه البخاري ..
3- التمييز من الكفر الأكبر " الاعتقادي " والكفر الأصغر " العملي " والكفر الأكبر الاعتقادي هو إنكار أصل من أصول الدين والكفر الأصغر العملي هو المعصية ..
4 – العذر بالجهل .. كما قالوا بعدم تكفير من جهل إن قوله هو كفر ودليل ذلك في السنة قول – صلى الله عليه وسلم – : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " ..
أما عن تكفير حرية الرأي وحرية الفكر ؛ فهو حديث ذو شجون وهو دأب مرير ذاق ويله العلماء المسلمون منذ الأزمان مبعثه عدم فهم المقصد أو اعوجاج رأي حول فكرة ما ومبتغى المعنى ؛ ولغة التفاهم الوحيدة معهم هي التكفير والقمع والنفي والتعذيب وهلم جرا والمفروض قبل الحكم الاستماع والتحاور والنقاش حول المعنى والفكرة والمفروض النصيحة والأخذ باليد إن وجد الذنب فمنهج ديننا هو التسامح ؛ لكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن .. وعلى سبيل المثال لا الحصر تحريضهم على قتل الطبري وصلب الحلاج وحبس المعري .. وسفك دم ابن حيان ونفي ابن المنمر وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني .. وتكفير الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي و السهروردي الذي قضى نحبه مقتولا .. ولم يتوانوا لحظة عن قطع أوصال ابن المقفع ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب .. والجعد بن درهم مات مذبوحا وعلقوا رأس أحمد بن نصر وداروا به في الأزقة وخنقوا لسان الدين بن الخطيب وحرقوا جثته وكفروا ابن الفارض وطاردوه في كل مكان..!
وكما قال " الكواكبي " : " ألفنا أن نعتبر حرّية الفكر كفراً " ..!
ليلى البلوشي
Lailal222@hotmail.com