كَم مَـرة لاحَ لَنا فِـي الأُفُقِ حُـلمٌ إسْتَوطَنَ بِذْرَة الأَمَانِي و ظَنَنا أنْ السّعَادةَ كُل السعادةِ في تَحْقِيقِهِ. رَوَينَاهُ بِالإنّتِظارِ, و بشَغَفِ القُلُوبِ المُتَلهِـِفَةِ لرُؤيَتِهِ لَيلَ نَهَارْ . نَرَاهُ في أسْرابِ الحَمَامِ الغَادِيةِ وفي إِبْتِسَامَةٍ عَلَتْ ثَغْرَ رَضِيعٍ , وفي إرتِدَادةِ مَوجَة بَحْـرِ هَادِئةٍ . و نُنْصتُ لِمَخَاضِ هذا الحُلم و وِلادَتِهِ وانشِقَاقِهِ عَنْ قوقعتهِ بِحُبُور, و نَتَهيأ لإسْتِقبَالِهِ, و نَتَزينُ لِلُقْياه و قَدْ تَسْرِي أرتعاشة لسَمَاعِنا وقع اقْدَامِه التي ظننا أنها تتجِهُ نحونا .
وفَجأةً نسْمَعُ النَعِيَ بِموتِ "الحُلُم" الذي رَكَـنا إليه كَـثِيراً و أمّلنا فِيهِ طَوِيلاً و اخْتَزَلنا السعادةَ فِي تَحْقِيقة. فَتَضِيقُ علينا الأرضُ بِما رَحُبَتْ وتَضِيقُ بِالقُلوبِ الصّدُور فكأنَّما نصّعْدُ في السّـماءِ جَهْلاً بِحِكمةِ مُدبر الأمُورِ ومُصَرِّف الأقدارِ . لم نُدرِك_ جَهلاً وعَجْزاً_ أنّهُ في الوقْتِ الذي قَبَرّنَا ذَلِكَ الحُلُم و أوصّدْنَا البَابَ خَلّفَهُ كانَتْ هُنَاكَ أبْوابٌ لمْ نسّمعُ صَرِيْرَها وهِي تُفَتحُ لأرّزَاقٍ تَرّفُلُ في نِعَمٍ ظَـاهِرَةٍ وبَاطِنةٍ , حَالتْ بَصِيرَتُنا القَاصِرةُ بينَ سَمَاعِ قُدُومِها واسْتِقْبَالُهَا كَمَا يَلِيق .
إنّها الأمَانِي الخَداعاتْ التي تَئدُ مَعَها المَسَرّاتْ, و تَخْطِـفُ نَسَمَاتْ الفَرَحِ الثَّمِينة في دُنيا طُبِعَتْ على الأكْدارِ, وتَشُلُ واجِبُنا في إكْمَالِ مسّيرةِ الإسْتِخْلافِ الحَقِيقِي في الأرضِ التي أُمِرنا بِصُونِها و إعمَارِها ما طَـلَعتْ شَمسٌ وغَرُبَتْ , وما اخْتَلَجَتْ في الصُّدُورِ الأنْفَاسُ.
هَكَذا نُصرُ على أنْ نَتَفيأ في ظِلالِ ذَلِكَ السَرَاب بَينَما ظِلالِ الرِزق الحَقِيقِي تَمْتَدُ بِسَخَاءٍ لِتسَعُنا وكل ما تَمَنْينَاهُ ,ونَأبَى إلا أن تَشرئِبَ الأعْنَاق حيثُ سَكَنَتْ الأحلامُ, التي لمْ تَكُن يومًا لنا . وبَينَما تَنْسَابُ الحَياةُ من بينِ أصَابِعِنا, نخْسَرُ مَعَها ما أردناه ومَا وجَدْنَاه . وقدْ نَستيقظُ يومًا لنُلمْلِمَ على عَجَلٍ بَقَايَا أمْنِيةٍ ذابِلةٍ لنلْحَقَ بآخرِ مَحَطّة .
غصن الحربي