بديهية يعترف بها القلّة ... بقلم آرا سوفاليان
في كل مرة تنشر لي مقالة جديدة، أستعين بمحرك البحث جوجل لمعرفة المواقع التي شرفتني بقبول مقالتي وبالتالي قبلت بنشرها، وبالطبع أقرأ كل المداخلات والتعليقات المتعلقة وأجيب عليها، وأعيد إرسال التعليقات التي وصلت إلى بريدي أعيدها إلى متن المقالة مع مراعاة سياسة الخصوصية.
كانت آخر مقالة لي تلك المعنونة بشهادة ميلاد للسيد المسيح وفيها أن قس ايطالي حاول تسويق حدث فكر به متفرداً وجعل منه سبقاً عالمياً، فهو يعتقد أنه يورد شيئاً عجز غيره عن إيراد مثله، مستغلاً أو مستنداً إلى واقعة تاريخية عظيمة وهي ميلاد السيد المسيح، حيث أقدم على تنظيم شهادة ميلاد للسيد المسيح... كسابقة لم يفكر بها أحد لا من قبل ولا من بعد... وقلت في معرض مقالتي: أن هذا العمل بحد ذاته لا يعني أي شيء، فهناك رهبان آخرون نعرفهم في منطقتنا قدموا أعمال جليلة يمكن الوقوف أمامها والنظر إليها بكل التقدير والاحترام، وذكرت في معرض حديثي قداسة المطران هيلاريون كبوتشي مطران القدس في المنفى صاحب التاريخ الوطني المعروف والمطران عطا الله حنا ورجال دين آخرون، المطران كبوتشي الذي كان بين ركاب سفينة الحرية التي انطلقت لكسر حصار غزة، ولأن جماح المخيلة لدى قادة الاحتلال هي مسألة غير منضبطة ولا مأمونة العواقب، فإن الرجل وبعد هذا العمر قد غامر بحياته من أجل قضية إنسانية يعشقها المسيح بطريقة أكثر بكثير من تنظيم شهادة ميلاد، أما مغامرة الرجل فكانت في حدها الأبعد هو أن يتحول هذا المطران وبعد هذا العمر إلى طعام للأسماك.
قلت أن الرومان وروما وايطاليا وكل أهلها قديماً وحديثاً لا يملكون الحق بإصدار هذه الشهادة لأنهم ألقوا القبض على السيد المسيح وسلموه لقاتليه وهم يعلمون أنه بريء، وكذلك فإن اليهود لا يملكون هذا الحق أيضاً لأن أجدادهم صلبوا المسيح، وقلت: أن المنطق يقول أن فلسطين هي مسقط رأس السيد المسيح، وإصدار شهادة مولده من حق الفلسطينيين الذين أحبوا السيد المسيح بالقلب واليد واللسان وأكرموا أتباعه في بلدهم فلسطين قبل وبعد مجيء آل صهيون وحتى هذه اللحظة، ولو أن سلفيوا مصر أرادوا الانصياع لمقولة الحق { من أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة... ومن آذى ذمياً فقد آذاني} لأخذوا الدروس والعبر من مسلمي فلسطين.
وتم تنصيب تعليق جميل على المقالة معنون باسم الأخ أبو حسن الهندي يقول فيه: إن أكثر مسيحيي الغرب منافقون، يدّعون حب المسيح عليه السلام ولا يتبعون تعاليمه في المحبة والسلام ولا يساهمون في نصرته عبر تحرير الأرض التي ولد عليها ـ فلسطين ـ مهد السيد المسيح لتكون مركزاً للسلام وللقيم الحميدة التي نادى بها، كيف يهنئ لهم بال وهم يشاهدون الأرض التي ولد عليها السيد المسيح عليه السلام تعجّ بالصهاينة القتلة وبالإرهاب الممنهج ضد شعب أعزل وبمساعدة غربية فاضحة.
ولاحظت أن هذا الخطأ يقع فيه الكثيرين من الإخوة حين يظنون أن الدين المسيحي يعني شيئاً لأهل أوروبا وأميركا، فيقعون دوماً في التصنيف الخاطئ وقد سنحت لي الفرصة اليوم للرد فكتبت للأخ أبو حسن الهندي ما يلي:
إلى الأخ أبو حسن الهندي
قضت العلمانية في أوروبا على الدين المسيحي وانتهى عهده وعهد الكنيسة عند انتهاء عهد الملكية في فرنسا وتم تحجيم الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان الصغيرة جداً و التي يحرسها بعض الجنود الذين يحملون الرماح بعد أن كانت الكنيسة الكاثوليكية تهز العروش من روسيا شرقاً إلى المجر وبولونيا والنمسا وايطاليا وألمانيا والى فرنسا وانكلترا واسبانيا غرباً وحتى بريطانيا... والفساد اجتاز الأطلسي ووصل الى اميركا ... هناك رابط مقدس بين كلمة العرب من جهة والدين الإسلامي من جهة أخرى، ولا يزال هذا الرابط موجوداً حتى اليوم بعكس الغرب والدين المسيحي ... ويظن العرب أن الرابط بين الغرب والديانة المسيحية لا زال موجوداً، وأن الغرب يعني المسيحية والمسيحية تعني الغرب، في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً... منذ مدة حضرت برنامج أميركي تجلس فيه فتاة أميركية شابة في الاستديو في وسط عائلتها، أشقائها وشقيقاتها وأمها وأبوها وتتحدث عن غرامياتها وعن أول مرة مارست الجنس فيها وتجيب الفتاة على أسئلة مقدم البرنامج ويقرر الكومبيوتر أن جوابها صحيح وصادق، فتربح ألف دولار ثم ألفين ثم عشرة وتتدرج الأسئلة في العهر والدناءة حتى تصل الفتاة ومن معها إلى جائزة المائة ألف دولار وفيها يجب أن تجيب بصدق على سؤال لا يمكن وصفة إلا بالسؤال البذيء، وهو هل مارست الجنس مع والدك وما هو شعورك أثنائها وكم مرة أعدت الكرّة ؟
وتجيب الفتاة والطهر يعلو قسمات وجهها: لقد مارست الجنس مع أبي وكنت أبلغ من العمر كذا وقد تسلل إلى مخدعي و.... الخ وينفجر الجمهور بصيحات الإعجاب وتصدر أضواء من الكومبيوتر وثناء واستحسان ويعبق وجه الوالد باللون الأحمر ثم يضحك كالخنزير ويهز رأسه موافقاً ومعجباً بجرأة ابنته الشريفة العفيفة التي تضع على صدرها صليب ذهبي تم تسليط الكاميرا عليه أكثر من مرة... وتخرج الفتاة وأهلها من الاستديو وبيدها شيك بقيمة مئة ألف دولار.
هؤلاء ليسوا مسيحيين يا سيدي هؤلاء حثالات تم تجميعهم في مصانع الصهيونية العالمية، التي تدفع مئة ألف دولار باليد اليمين وتقبض مئة ضعف باليد اليسار.
وبالمقابل وهنا في الشرق وفي سوريا بالتحديد وفي نهاية خمسينات القرن الماضي، كنت في بدايات المرحلة الابتدائية في مدرسة راهبات الأرمن الكاثوليك في دمشق باب توما وكانت لدينا رئيسة الراهبات وهي مديرة المدرسة بالطبع وكانت المعلمات تخفن منها إلى درجة الترويع والرعب قبل التلاميذ... ودخلت مرة إلى صفنا وكان لدينا مادة اللغة العربية ومديرتنا أو راهبتنا هذه أرمنية من أصل فرنسي لا تعرف كلمة عربية واحدة ... توجهت وخلفها نائبتها إلى المعلمة الواقفة على السبورة وصفعتها صفعة وصل صوتها إلى الباحة ... وأشارت إلى نائبتها بإشارة تدل على ما يلي: ادفعوا مستحقات هذه المعلمة واطردوها حالاً من المدرسة... ولم نعرف نحن السبب ولكن عرفناه من أهلنا عندما كبرنا فلقد كان في فم المعلمة علكة .
أرجو بعد هذا الشرح المستفيض عدم الخلط ما بين الدين المسيحي وأي شعب يدين به ... فلا يقال الإنسان الغربي مسيحي ... لأن هذه المعادلة مشكوك بها وتحتاج إلى برهان فليس بالضرورة أن يكون الإنسان مسيحياً بالقيود وهو غير ذلك بالفعل ... وبالأساس ليس في الغرب ما يشير الى ديانة أي إنسان فهناك أميركان من السيخ والهندوس وعبدة الشيطان وعبدة الحسان وعبدة الذهب وعبدة المخدرات وهناك سبتيين وشهود يهوا وربانيين واتباع الملائكة... وهناك أتباع لأديان لا يعلمها إلا الله وبالتالي الغربي ليس مسيحي بالضرورة ويفكر بكل شيء عدا الدفاع عن المسيحية بل على العكس فبعض الغربيين يدنسونها مقابل المال! وهذا واضح في المثال الذي أوردته ... ولكل قاعدة استثناء بالطبع والتعميم خطأ.
ابن الغرب يختار دينه بعد أن يكبر ولا يحاسب بسبب ارتداده وعدم اعتناقه لديانة والديه ولا يسأل عن دينه الذي هو عليه لأن هذه القضية تعتبر مسألة في غاية الخصوصية، وهذا ما يبرر عودة المهاجرين من العرب الى بلدانهم الأصلية بعد حدوث مواقف لا يستوعبها الأهل وناجمة عن انجرار الأولاد في تيار فساد الغرب، فالغربي ليس بالضرورة مسيحياً لأن الديانة المسيحية في الشرق ومعتنقيها من الغربيين في أقسى الغرب وليس على سطح الأرض بل خارج المجرّة، وبالعلمانية المهجّنة وبالفساد و بالطريقة العوراء سيطر بني صهيون على كل شعوب العالم عدا القليل ـ ممن رحم ربي ـ وتحولت أغلب شعوب العالم إلى عبيد للصهيونية.
آرا سوفاليان
arasouvalian@gmail.com