الفرصة الأخيرة.............محمد محضار
الشارع شبه فارغ ..تقف عند ناصيته صامتا ..تلتفت حول نفسك ..تنفث دخان سيجارتك العاشرة, التي أشعلت منذ وقوفك ..تمر شاحنة متهالكة فتطلق دخان عادمها في وجهك..تلعن الشاحنة وسائقها وتبصق على الإسفلت في غضب.
تمدلك متسولة يدها المعروقة وتفتح فمها الأدرد طالبة حسنة..تشيح عنها بوجهك وترد بجفاء :"الله يجيب ألاألا1"..تحس أنك أضعت الكثير من تلك القيم التي عشت تعب من معينها , لم تعد لك تلك النزعة الإنسانية التي طالما نظرت وتحمست لها في حواراتك وسجالاتك مع زملائك المثقفين والمهتمين بالفكر الإنساني..لا شيء يجبرك الآن على الندم...
.........................
اشعل سيجارة جديدة, نظر الى ساعته ..مضت ساعة على وقوفه , لم تحضر نازك..كانت لديه قناعة مسبقة أن حضورها مشكوك فيه..ولكنه رغم ذلك حضر وانتظر حدوث المعجزة..
أنت تتذكر ان نازك كانت جزء من ماض مثير للجدل ..عرفتها في ظروف صعبة , منحتك جسدها ومالها ..كنت يومها طالبا مفعما بالحياة يطمح إلى الغذ و يمني النفس بتحقيق ذاته.. أما هي فكانت امرأة ناضجة تجاوزت الثلاثين, رغم عامل فارق السن انجذبتما الى بعضكما وتحاببتما.
بعد شهر من التعارف انتقلت للاقامة معها في شقتها الفاخرة ..عشتما أشبه بزوجين .. ثم فجأة حدثت القطيعة بلا مقدمات وبلا تفصيل ذهب كل الى حال سبيله, ربما كان الملل سببا للفراق ..وربما كان نزق الشباب دافعا لذلك..لا علينا ..الإنفصال حدث ومضى كل الى غايته يستحث الخطى نحو المجهول.
..............
بعد عشرين سنة ..التقاها صدفة في أحد الأسواق الممتازة , في البداية لم يصدق نفسه , لكن تقاسيم وجهها البهي وسحر عينيها الزرقاوتين وتلك النظرة الحالمة التي تونق منهما , جعلته يدرك أنها هي ..وأن عامل الزمن لم يغير فيها شيئا بل ربما زادها نضجا وجمالا ..اقترب منها وناداها باسمها , فتجاهلته لكنه الح في مناداته وقال بصوت اقرب الى الرجاء والإستعطاف:"نازك أرجو ان تمنحيني فرصة الحديث إليك ولو للحظة..لا تنسي أننا أكلنا خبزا وملحا معا"
قبلت الإستماع اليه بعد لأي..فحدثها عن ضياعه واغترابه ..أسرت إليه بترملها منذ شهر فقط ,بعد زواج لم ترزق منه أطفالا..أحس أن الحياة تبتسم له , طلب ودها من جديد , لكنها صدته بلطف..وطلبت منه إحترام الظروف التي تمر منها , ألح في طلب موعد منها , وافقت دون حماس.
............
بدأ الملل يتسرب اليك ..قلت لنفسك ..قد تجمعنا الايام غذا أو بعد غذ..ثم بدأت تستعد لمغادرة المكان ..
في هذه اللحظة توقفت سيارة أجرة وترجلت منها سيدة بلباس أسود ونظارات معتمة ..التفتت إلى اليمين ثم الى اليسار واندفعت نحوك..كانت نازك ..لقد جاءت الى الموعد..إنها فرصتك الاخيرة..........
1ك لالا: تعني سيدة باللغة الدارجة المغربية
محمد محضار...........بدون تاريخ.........