ما أصغر فلسطين!
د. فايز أبو شمالة
ما أصغر فلسطين! وما أكبر الأشخاص الذين يركبون على ظهرها! تنزوي فلسطين في دمعتها كلما ازداد عدد القياديين، وتموت الأرض فلسطين، كي يعيش البعض الذي يتكسب سياسياً في أسواقها، إنها الأرض التي تنحني لأبنائها بوفاء، وهم الساسة الذين يدوسون على أضلاعها بازدراء، واللافت في الأمر، أنهم كلما صعدوا كلما انخفضت قيمة فلسطين في سياستهم، حتى صاروا يحسبونها مساحة جغرافية، وصخوراً، وودياناً، وأشجاراً، وبحاراً، وتراباً، ويحسبون أنفسهم أصحابها، والمالكين الوحيدين لحق التصرف فيها!.
وما أكثر الأشخاص الذين اعتلوا ظهر فلسطين! لقد تألقوا لأنهم تعلقوا، وأخذوا منها البريق، وقد تركوها منطفئة، وأخذوا منها الحضور، وقد تركوها غائبة، وحصلوا على دعم الغرب، ليتركوا أرض فلسطين بعيدة عن الشرق، لقد صفقوا لأمريكا وهي تسفك دم الوطن، كي تصفق لهم وزيرة خارجيتها، التي تحلم في المقابل أن يصفق لها اليهود، الذين سمحوا بأن تكون طريق الشهرة والشهوة للسلطة تمر على جثة فلسطين!.
قد يستهجن البعض كلامي، ويعتبرني متحاملاً بلا مبررٍ على قيادتنا السياسية التي قادتنا منذ خمسين عاماً، ولكنني سأضرب على صحة كلامي الأمثلة:
رغم أهمية المصالحة الفلسطينية، وأهمية لملمة الشمل على كل مناحي حياة الشعب الصابر، وانعكاسها الإيجابي على قضية فلسطين، رغم ذلك، فإن المصالحة لا تساوي شيئاً أمام شخصية السيد سلام فياض، ولتذهب المصلحة إلى جهنم كي يظل الوطن يتظلل بجنات السيد فياض، إنه الإنسان الأهم، والأعز، والأكرم من كل فلسطين، ولتذهب الأرض إلى الجحيم، أو تتسرب إلى اليهود، لا يهم طالما ظل فياض عنوان المرحلة.
ضمن هذا المنطق، ما أكثر الأشخاص الذين كانوا عنوان المرحلة، وضحوا بوقتهم من أجل فلسطين، وذابوا فيها؛ لقد ضحى بوقته يوماً اللواء غازي الجبالي قائد الشرطة، وكان عنوان المرحلة، قبل أن يشتري نفسه بالمال، ويفر من غزة في أسوأ حال، وقد ضحى المناضل موسى عرفات قائد قوات الأمن الفلسطينية بوقته، وقاد المرحلة، قبل أن يستغيث ولا مغيث، وضحى المناضل طلال أبو زيد، والمناضل أبو الزعيم، وهشام مكي مدير الإذاعة والتلفزيون، وضحى بوقته المناضل خالد سلام، محمد رشيد، ولا ننسى في هذا المقام المناضل راجح أبو لحية، والمناضل رمزي خوري، والمناضل حكم
بلعاوي، والمناضل عدنان ياسين، والمناضل توفيق الطيراوي، لقد ضحوا جميعهم بأوقاتهم الثمينة من أجل فلسطين، وقادوا المرحلة النضالية التي نجم عنها مزيداً من التوسع الاستيطاني، وضياع الأرض، ومزيداً من الأسرى في السجون، ومزيداً من الدم الفلسطيني النازف على ثرى فلسطين.
ما أصغر فلسطين، وما أكبر رئيس الوزراء، حين يكون المال المتسرب من رباط حذائه معادلاً موضوعياً لبيت المقدس، وللمسجد الأقصى، ويعادل توقيعه على الشيك قضيه اللاجئين، وملايين المشردين، ويعادل رأس قلمه الأحمر مدينة عكا والخليل وجنين.