أسباب ذكر أبي لهب في القرآن
1 ـ السبب الحقيقي في ذكر أبي لهب في القرآن الكريم منصبه الديني:
لم يجعل الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم ملكاً فيكون أعدى عدوه من نازعه ملكه، بل بعثه نبياً داعياً إلى الحق بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً.
ولذلك أمره بإنذار عشيرته الأقربين الذين هم سدنة بيته، وكان أبو لهب كان صاحب سدانة البيت وتولى أمانته، وقد بالغ في خيانة هذه الرئاسة الدينية، وقد جمع مالاً كثيراً بالرفادة.
فلإن كان بالشرك هدم ركناً واحداً من مقصد البيت، فبهذه الخصلة قد هدم ركنه الثاني وهو المؤاساة بالمساكين- المطلوبة من القربان وإطعام الحجاج أضياف الله، فحق عليه الويل، وسلب ولاية البيت.
فلما كان أكبر مقصد هذه البعثة استخلاص الكعبة وتطهيرها عن الأرجاس لم يهم النبي صلى الله عليه وسلم سائر قريش من أصحاب الندوة والقيادة واللواء مع أنهم آذوا النبي وحاربوه؛ حتى أخرجوه وأصحابه من جوار بيت ربهم؛ كما أهمه هذا الخائن الأمانة؛ المبطل الديانة.
فكان أبو لهب لجهة منصبه هو الخصم الحقيقي للدين، وأما سائر قريش فتبع له. فلما قيل: ( تبت يدا أبي لهب ) فكأنه قيل: انهشم رأس الكفر واجتث جرثوم الفساد. فبشر المؤمنين بهذه النبوة كما بشر بما قبلها من مجيء نصر الله.
2 ـ السبب الثاني لذكره إنه كان أكبر قريش، خلافاً للدين من جهة خلقه:
إن الله تعالى بعث نبينا على أحسن الخلق داعياً إلى مكارم الأخلاق، كما قال الله تعالى : ( إنك لعلى خلق عظيم ) [سورة القلم/4]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بعثت لأ تمم مكارم الأخلاق".
وجماع المكارم: الجود، وصلة الرحم، وإعانة الضعفاء، وقد نشأت العرب على هذه الأخلاق.
فلما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد والمواساة لم يخالفه الشرفاء إلا من جهة إشراكهم بالله، وإنكارهم بالبعث بعد الموت.
وأما أبو لهب فخالفه لحرصه وحسده أكثر مما خالفه لشركه، وذلك يعلم من النظر في سيرته، فإنه لما تألبت قريش خلاف النبي ظلماً وحمية جاهلية، وكتبوا "صحيفة الجور"، وخذلوا بني هاشم بأجمعهم مؤمنيهم ومشركيهم كان أبو لهب مع الظالمين. فقطع الرحم، وهو عند العرب إثم عظيم وحوب كبير.
3 ـ السبب الثالث لذكره: مبادرته إلى مخالفة الإسلام:
مثل ما استدللنا من منصبه وخلقه نستنبط من أفعاله في مخالفة الإسلام. فإنه كان أول الكافرين لما أنه بادر إلى خلاف النبي حين قام أولاً بالدعوة قبل أن يخالفه أحد، بل إنهم كادوا يذعنون لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يروا منه إلا كل خير. فكان أبو لهب هو الذي صار سدا دون الإسلام، فإنه هو الذي نفرهم عنه، وأفسد قلوبهم .
وهكذا كان أمره في عداوة الإسلام وتغيظ من ظهوره حتى مات غيظاً وحنقاً.
4 ـ السبب الرابع لذكره: من جهة قرابته القريبة بالنبي صلى الله عليه وسلم:
وبيان ذلك أن الله تعالى إذ خص بصراحة الذكر هذا عمَّ النبي دون سائر الكفار مع شدة إيذائهم إياه علمنا أنه ضرب مثلاً مثل آزر، لنعلم أن من قطعته أعماله عن ربه لن تنفعه قرابة الصلحاء حتى النبي الحبيب.
كما قال الله تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) [سورة التوبة/114] .
فكما تبرأ إبراهيم عليه السلام من أبيه بعد إتمام الحجة وإفراغ الجهد في النصيحة له، فكذلك هذا النبي صدع بالحق خلاف عمه بعد إتمام الدعوة ولزوم الهجرة، وهذا أشد عليه. فإنه صلى الله عليه وسلم كان على غاية الرحمة عموماً وبذوي القربى خصوصاً كما علمنا من أحواله، وكان يستغفر لهم حتى نهاه الله عنه.
(ملخص من تفسير الفراهي رحمه الله تعالى).