نزار قباني في شعره
هل جسّد المعنى الحقيقي للتصوّف؟!
في مقدمة لا علاقة لها بعنوان محاضرته "التصوّف في شعر نزار قباني"، التي ألقاها مؤخراً في ثقافي جوبر، بدأ الأستاذ نادر زين الدين حديثه عن الشعراء الذين أُفرِدت لهم مكانة خاصة من خلال سورة قرآنية حملت اسمهم هي سورة "الشعراء"، مشيراً إلى مؤازرة الرسول (ص) بالتطبيق العملي للمكانة القرآنية الممنوحة لهم، حين طرب للشاعر كعب بن زهير وصفح عنه وأدناه من مجلسه وخلع عليه جبّته، بعدما سمع قصيدته الشهيرة "بانت سعاد.." ويعتقد زين الدين أن ما ردّده القدماء من أن الشعر ديوان العرب ما هو إلا لأنه المرآة الصادقة التي تعكس البنية الحقيقية لكل مجتمع، ويبيّن أن شاعرنا نزار قباني لم يكن استثناء من ذلك كله، فقد كان شعره النسائي سبباً في شهرته، ويوضح كذلك أن قباني عاش في عصر مشبع بمفاهيم وعادات وقيم اجتماعية بعد عقود من كبت المرأة وتهميشها وحشرها في دورها الذي أعدّت له ليعيد إلى أذهان المجتمع دور المرأة ليس في حياة الرجل فحسب، بل دورها ومكانتها التي تستحقها.
في حين بيّن في القسم الثاني من المحاضرة معنى التصوّف الذي اقترن به عنوان محاضرته،. فأشار إلى أنه مصطلح بدأ يشيع مع بداية العصر العباسي حين عمّت المادية المفرطة ذلك المجتمع الذي انخرط فيه أفراد، باحثين فيه عن المتعة بكل جوانبها، متجاهلين تماماً الأوامر والنواهي التي تؤكد على ضرورة محاربة شهوات النفس ورغبات الجسد، ولأن لكل فعل رد فعل، جاءت الصوفية –كما يشير- ردّاً على تلك المادية المفرطة، موضحاً معنى الصوفية أكثر فيؤكد أنه لا يقال لمن نشأ متديناً بأنه صوفي، قد يقال عنه إنه صالح أو عابد أو تقي، لأن لفظة صوفي –برأيه- لا تُطلَق إلا على كل من انخرط في تلك الماديات ثم استفاق من كل ذلك وأعلن توبته، ولهذا يرى زين الدين أن الصوفية مدرسة دينية قامت على عناصر ثلاثة هي: الاستمتاع ثم الإشباع ثم العودة إلى ترميم الروح وتنقية الجسد، وكل عنصر من العناصر الثلاثة السابقة يحتاج إلى فترة زمنية قد تطول أو تقصر.. وللدخول إلى عنوان هذه المحاضرة حاول زين الدين مقاربة الاتجاه الصوفي في شعر نزار قباني وهو الذي ملأ الدنيا بقصائد مادية عن المرأة ومفاتنها، لكنه لم ينجح في توضيح هذا الاتجاه في شعر قباني إلا من خلال ما ورد في قصائده من مصطلحات صوفية مباشرة، كما في قوله :
"حبك يا عميقة العينين تطرف، تصوّف، عبادة
حبك أقوى من الموت والولادة" .
وعلى الرغم من تأكيد زين الدين على أن نزار قباني استوعب المعنى الحقيقي للتصوّف القائم على أن المحبّ لا يجد سوى محبوب واحد يكون وفياً معه ومخلصاً له، إلا أنه لم يبذل جهداً لإقناع الحضور بالأدلة ليبرهن على ما ذكره .
وباستعراضه للعناصر التي يمر بها المتصوّف، يتحدث زين الدين بدايةً عن المرحلة الأولى وهي البحث عن المتعة التي تبحّر فيها القباني عبر ديوانه الذي حمل عنوان "قالت لي السمراء" الذي صدر عام 1944، وعبر القصيدة التي حملت اسم هذا الديوان والتي تتضمن أبياتاً تكشف عن حيرة عاشها بين حب الوطن وحب المرأة، أما مرحلة الإشباع وهي المرحلة الثانية التي توقف عندها المتصوّف طويلاً حتى يستجمع كل ما يستطيعه من تلك اللذة التي يبحث عنها وكأنه أصبح مدمناً لها، فكانت قصيدة "القصيدة الشريرة" مثالاً على ذلك، في حين أن المرحلة التصوفية في شعره وهي المرحلة الثالثة والأخيرة التي يمر بها الصوفيّ وفيها يتجرد من كل الماديات بالمطلَق ولا يبقى له إلا أن يجد الله معه في كل حالة، وقد عبّر عنها قباني في قصيدته "تجليات صوفية" التي يقول فيها :
"هي بين الصحو والإغماء.. بين الوحي والإسراء
بين الكشف والإيحاء.. بين الموت والميلاد
يخطفني الوجد إلى سبع سماوات
لها سبعة أبواب
لها سبعة حرّاس
بها سبع مقاصير
بها سبع وصيفات
يقدمن شراباً في كؤوس قمرية
ويقدمن لمن مات على العشق مفاتيح الحياة السرمدية
وإذا بالشام تأتيني نوراً ومياهاً وعيوناً عسلية
فأنادي ودموعي فوق خدّي مدد
يا وحيداً يا أحد
اعطني القدرة كي أصبح في علم الهوى
واحداً من أولياء الصالحية" .

متابعة : أمينة عباس

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1093&a=97000