ما أشقى الانقسام الفلسطيني!
د. فايز أبو شمالة
قلت في اللقاء الجماهيري الذي دعت إليه حركة حماس، بعد عشره أيام من الانقسام، والسيطرة على قطاع غزة؛ في يونيه 2007، قلت: لقد تم القضاء على الانفلات، وحتماً سنعيش حالة من الانضباط، وسيادة القانون. لقد ولى زمن البندقية الضالة التي قتلت الأبرياء، ومزقت الأمن والاطمئنان داخل قطاع غزة، ومن الآن يمكن للمؤسسات الوطنية الفلسطينية أن تقوم بدورها على أكمل وجه، ولكنني أضفت في اللقاء ذاته الذي بث عبر الفضائيات: رغم الاطمئنان الأمني في هذه اللحظات الآنية، إلا أن خسارتنا كبيرة على المستوى الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، وستوظف دولة إسرائيل المعطيات الجديدة لمصلحتها.لم أكن أتخيل في ذاك التاريخ أن الانقسام السياسي في المواقف سيتطور بعد سنوات من العداء إلى حالة الفرز الراهن، والانشقاق داخل بنية المجتمع نفسه. وهذا ما يمكنني توثيقه كعجز لم ينجح عقلاء الشعب الفلسطيني بتداركه في حينه، ولاسيما عقلاء تنظيمي فتح وحماس، اللذين لم يسارعا إلى استيعاب حاله الغضب، أو الحزن، ولم يعمدا إلى قمع نشوة النصر أو حُنق الهزيمة، كان يجب على عقلاء طرفي الانقسام ألا يترددا، وألا يتأخرا، وألا يوسعا بين الهوة في المواقف، ولاسيما أن كليهما يدرك عدم إمكانية تصفية الآخر. ولكن الأحداث تطورت على عكس أمنيات الوطن، وصارت المسافة تبتعد بين الفريقين يوماً إثر يوم، وتتعمق الهوة بين فتح وحماس، وبين غزة والضفة، وبين أصحاب نهج المفاوضات فقط، وأصحاب نهج المقاومة فقط، حتى صار الفلسطيني عملياً أثنين، وتطور الانقسام بفعل تدخلات خارجية حتى صار فرزاً ميدانياً قائماً داخل المجتمع الفلسطيني. الخسارة الكبيرة التي ألمت بالمجتمع الفلسطيني كانت تراجع ذاك الصوت الآخر النقدي الداخلي، ذلك الصوت المعترض داخل كل فريق، فإما أن تكون مع هذا التنظيم كاملاً أو ضد هذا التنظيم كلياً، لا منطقة تنظيمية وسطي لطالما التقى فيها الطرفان، وكانت بؤرة العمل السياسي الفلسطيني المشترك.لقد خسر كل من تنظيم فتح وتنظيم حماس مع تصاعد النقاش في شرعية المقاومة وعدم شرعيتها! بل تجرأت أصوات فلسطينية جديدة على السخرية من المقاومين، وبعد أن كانت المقاومة مادة الإجماع الفلسطيني، صار التواصل مع الإسرائيليين مادة الإجماع التنظيمي، فاستغل البعض مستجدات الحدث ليقول علناً: أنا ضد المقاومة. وأنا مع سلامة المستوطن اليهودي، وصار البعض يقول: إن لليهود الحق بالحياة على أرض فلسطين، بل أعمى حقد الانقسام البعض فراح يقول: اليهود أحسن من بعض العرب والمسلمين. فما أشقى الانقسام، وما أقساه! وما أظلم ممن وظف مآسيه لينال ما تمناه!
>
--