وجهاء ومصلحون .... وما هم أهل لذاك (5-4-2010م )
أ . تحسين يحيى أبو عاصي .
– كاتب وباحث أكاديمي مستقل ، له مؤلفات وبحوث ومنشورات كثيرة ، في صحف ووكالات ورقية والكترونية –
tahsen-aboase@hotmail.com
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
مصيبة أخرى يتعرض لها الشعب الفلسطيني فتنخر في نسيجه الاجتماعي والسياسي كغيرها من المصائب الواقعة فوق رأسه فلا فرق ، فعندما يُسند الأمر إلى غير أهله ، وعندما يؤتمن الخائن ، ويسود القوم أسفههم فانتظر الساعة ( أحاديث شريفة ) ، مصيبة فوق مصيبة تعلوها مصيبة ومن تحتها مصيبة ، ومن فوقها ظلام إذا أخرجت يدك لم تكد تراها ، أن ترى سفهاء القوم وجهلته هم عليائه ، وأن ترى كبار القوم هم المتسلقين والمنتفعين والوصوليين والانتهازيين ، بل الأخطر من ذلك أن ترى تلك الفئة المجتمعية مأجورة تُباع وتُشترى في أسواق النخاسة ، ووفقاً للمزاد السري أو العلني لا فرق لديهم في ذلك .
هذا هو حقيقة ما يجري في غزة بقراءة علمية تحليلية بعيدة عن الظلم والسوداوية ، إنها حقائق تتحدث عن نفسها بنفسها ، وشواهد أعظم من أن تُحصى ، ومظاهر تكاد تجدها في كل شارع وزقاق .
كثير من الوجهاء والمخاتير والمصلحين إلا من رحم ربي وقليل ما هم ، مَثَلُهم مِثل نبات البقدونس الذي ترعرع ونما وشرب من كل مياه ، حتى مياه الصرف الصحي ويأكله الملوك ، كروش منتفخة وخلفيات متمايلة ، جهل مطبق وطبل أجوف وخواء فكري ولا محتوى ثقافي لهم ، منهم من لا يجيد غير البصم بحافره ، ومنهم من لا يفقه في علم العُرف شيئاً ، صنعته الملابسات والفوضى والظروف والأحداث ، ومنهم من لا ضمير له ولا دين له ولا أخلاق له ، ومنهم المتعصب لقبيلته أو عائلته والتي عبدها أو كاد أن يعبدها من دون الله ، ومنهم من يقدم الخدمة مقابل أجر مالي أو عيني ، تحركه بيدك كالريمونت كونترول بثمن باكو ( كروز ) من السجائر أو بطاقة جوال ، هيّات ومناظر وأشكال وألوان وعباءات ، وانفصام في الشخصية وتناقضات في القول والعمل ، ألسننهم سليطة لا تخشى الله سبحانه إلا من رحم ربي ... وقليل ما هم ، صفاتهم الكِبر والغرور والرياء والنفاق والتملق ، وعقولهم مثل عقول التيوس تارة والثعالب تارة أخرى ، وأجسامهم كالبغال ، ونفسياتهم كالنعاج ، { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة } المنافقون:4 .
، فالويل للفقير والضعيف والمسكين إذا وقع بين أيديهم ، والويل للمرأة التي تحتاج إليهم ، فعندئذٍ يتعاطون الفياغرا ويتحولون إلى شباب مراهقين ، هم سفهاء القوم بلا ريب ولا شك ، يتخاصمون فيما بينهم ويتلاسنون ويتشاتمون ، فلا مبالاة ولا غيرة ولا نخوة ولا شهامة ولا كرامة ، ضمائرهم في ثلاجات العرض والطلب وبين أفخاذ النساء وعند أصحاب القرار، { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (النور:19
لقد وصلت فيهم فتنة الشهوات ذروتها ؛ حتى وصلوا إلى القاع بشكل لم يسبق له مثيل من قبل ؛ فعظمت بذلك الفتنة واتسع الخرق على الراقع ، ولا يصلح العطار ما أفسده الزمان ، وصدق الشاعر :
وأعـقـل النـاس من لم يرتـكـب سـبـبا حـتى يفكــــر ما تجـني عواقــــبه .
ويتغنون كذبا بالصلح والخير والطياب والعمار ، فيا للعار الذي توج رؤوسهم وكشف عوراتهم التي لم تسترها عباءاتهم المزيّفة ، تراهم يتخلون عن المتخاصمين في المحطات الصعاب ، فينقطع بين المتخاصمين العمار، ويسود الدمار، ويقولون للمتخاصمين : وأنا مالي سأعود الآن إلى بيتي ، وأجلس مع عيالي ، وأنتم أحرار فيما تريدون أن تفعلوه .... ليس مُهما في ضمائرهم أن يتركوا عائلات تتعرض للعذاب والتشريد والحرمان والتهجير ، أو أن يقلبوا الحق إلى باطل والباطل إلى حق ، لم تهتز ضمائرهم ولم تتحرك مشاعرهم ولا قلوبهم عند بكاء وألم الضعيف وانفعال المظلوم البريء ، بل هم مع غضب الظالم القوي وصاحب الشأن والمنزلة والسلطان .
إن مفردات الكرامة والشهامة والرجولة ، والوعي والانتماء والثقافة ، والمعرفة والعطاء والإخلاص وحسن الخلق ...، ليست وصفة تباع عند العطار ، بل هي موروثات ومكتسبات في آن واحد ، وتظهر أو تختفي من خلال مزيج من تفاعلات بين البيئة والأسرة والمناخ السياسي ، والقرار الحكومي والمدرسة والمنهاج ، ووسائل التعليم وفلسفته القائمة والفكر المجتمعي الموروث ، وكلها تساهم في تشكيل فسيفساء البناء النفسي والذهني للمرء ، ومن ثم التأثير على سلوكه وأدائه ونشاطه في المجتمع إما بالسلب أو الإيجاب ، فمن أي تركيبة نفسية تشكل هؤلاء الدجالون النصابون المنافقون !؟ .
كثير من وجهاء ومخاتير ومصلحي اليوم إلا من رحم الله ... وقليل ما هم ، يفتقرون إلى الميزان السليم في تقييم الأمور وتوجيهها .
طامة كبرى نعيشها في هذه الأيام وهي وضع الإنسان الغير مناسب في مكانة محترمة ، ولا شك أن للمصلحين والمخاتير والوجهاء تأثير كبير في مجال السلم والأمن المجتمعيين ، ولكن ومع الأسف الشديد اختلت في وعيهم الموازين ، فأصبح الرطل لديهم وقية والوقية رطلا إلا من رحم ربي .... وقليل ما هم ، عندئذ بإمكانك أن تتحدث عن الجريمة الظاهرة والخفية في المجتمع ، وعن التناحر والبغضاء والحقد ، والكراهية والشحناء وسوء المعاملة ، وغياب الخُلُق وضياع الحق ، ونصرة الظالم على حساب المظلوم ، وترقيع الأمور وفقاً لأهوائهم وأمزجتهم ، وانتشار الغش والرشوة والمحسوبية ، ولا حرج عليك في ذلك ، ففي وعيهم أن الوجيه أو المختار حتى لو كان أُمياً ولا يجيد غير فن البصم والتسلق ، أو كان جاهلا وصولياً انتهازياً ، ولكنه يملك من المال والعشيرة ما دفعه إلى هذه المكانة ، فهو إذن جدير بالسمع والطاعة والتقدير والاحترام ، وهو حَري إن قام أن يقوم من أجله الناس ، وإن تكلم أن يصمت له الآخرون ، وأما غيره من الوجهاء الذين لا مال لهم ، ويفتقرون إلى عشيرة قوية ، ولكنهم يتمتعون بقدرات متميزة في العطاء والإبداع في مجالات شتى ، ويوصفون بسعة الأفق وعمق النظر والفكر والتحليل ، ويعملون بكثير من مجالات الخير جنوداً مخفيين مجهولين مغمورين ، فلا وزن ولا مكان ولا وجود لهم بين هؤلاء الأقزام إلا من رحم الله ... وقليل ما هم .
ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل ، أين كل من كانوا قبلهم من الوجهاء والمخاتير والمصلحين ، لقد طوتهم الأرض وابتلعهم التراب ، وباتوا نسياً منسياً ، وجيفاً عفنة وعظاماً نخرة ، فأفضوا إلى أعمالهم وتركوا أموالهم وجاههم وجمعهم ، ولكنها القلوب القاسية والعقول المتحجرة والضمائر الميتة ، والفتن المغرية في حب الدنيا الفانية ونسيان الآخرة ، فاحذروا مثل هؤلاء ، فالمخلصون سيماهم في وجوههم ، والمنافقون تعرفهم من لحن القول ، وأقولها بالصوت العالي ولا أكتبها بقلم من رصاص : إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ، وأضم هذه الكلمات إلى ما سبق من التحذير عما آلت إليه أوضاعنا ، لكي يجعلنا الحق سبحانه من المتعاونين على البر والتقوى وهو القائل : { يا أيها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من احد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم } النور : 21
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي : واحة الكتاب والمبدعين المغمورين
جريدة الفجر الألكترونية
http://www.alfajrnews.net/News-new_topic-24.html