عميد اليمن وصلاة الخفاء
إياد جميل دويكات
القات هو كل شيء في حياة الناس في اليمن، وهو القاسم المشترك بينهم، هو قوت المقيم وقرى الضيف، داء الناس ودواؤهم، يغلق العقول ويفتحها بطريقة غريبة. القات هو سيد الموقف في االساعة الثانية بعد منتصف الليل، في فندق السعيد في عاصمة اليمن السعيد صنعاء، القات في كل مكان من الغرفة رقم (402) في الفندق، معظم الحضور من الشباب اليمني ليكتمل النصاب بدخول (عميد) حاملا معه زجاجة مشروب روحي أظنها من النوع الرخيص ذي المفعول السيء على شاربه. انضم عميد إلى فريق تخزين القات ودعا الشباب إلى مشاركته شرب الكحول فرفضوا جميعا. استمرت جلسة التخزين حتى أوشك النهار فغادر الجميع قبيل صلاة الفجر إلا عميد، ما إن ذهبوا حتى فاض بعبارته الشهيرة "جميعهم يسكرون في الخفاء، جميعهم يزنون في الخفاء، جميعهم يصلون في الخفاء"! منذ قالها عميد في العام 2002 وعبارته تلك تدور في ذهني كموضوع لقصة قصيرة أو ربما رواية تحكي قصة غياب هوية الذات في وسط التناقضات في هذا الجزء من العالم وفي جواره ومحيطه.

إن ممارسة أي عمل في الخفاء ابتعادا عن أعين الناس غالبا ما تعني عدم قناعة الصانع بما يفعل، أو ربما قناعته بخطأ ما يقوم به رغم إصراره عليه. ليس غريبا أن ينطبق هذا على الزنا أو السكر في الخفاء، لكن الغريب أن ينطبق على الصلاة في الخفاء، بل والأغرب من ذلك كله أن يجمع الفرد هذه الأعمال كلها في الخفاء، لا غرابة في استهجان عميد اليمن موقف الشباب في ظل معرفته المسبقة بممارستهم للفضيلة والرذيلة تحت جنح الظلام! الصحيح أن ما يقوم به مثل هؤلاء الشباب يشبه في شكله من يجمع بزواجين بين قديسة وبائعة هوى وكلاهما في السر. حاولت أن أجد تفسيرات لأسباب ممارسة كل شيء في الخفاء، لا أملك إجابة واضحة لأسباب هذا النوع من الانفصام، ولكني أستطيع أن أقول أننا نقوم بكل ما نقوم به بدون قناعة منا به سواء كان هذا في معسكر الفضائل أم في معسكر الرذيلة. قد يكون السبب في هذا النوع من الانفصام هو الاستجابة لحاجات بيولوجية من جهة والتماشى مع ضغوط المجتمع من جهة أخرى، فالنتيجة تظهر بممارسات لا تحمل في طياتها قناعة صاحبها بها، بل هي تعبر عن رغبات الآخرين ودوافعهم. هنا يذهب الشباب لممارسة الجنس تحت ضغط الهورمونات البيولوجية، ويؤدون صلواتهم تحت ضغط هرمونات اجتماعية تمنحهم صفات العفة ومكارم الأخلاق.

لا نلوم الشباب وحدهم على هذا النوع من التصرف الغامض، فهم يريدون أن يمارسوا حياتهم ضمن نسيج اجتماعي معين، وفي نفس الوقت هم يريدون أن يمارسوا قناعاتهم بعيدا عن ضغوط العادات والتقاليد التي يلتزموا بها مكرهين لا أبطال، للأسف هذا يدخل العبادات ضمن منظومة العادات والتقاليد، فتصبح الصلاة جزءا من ممارسة جماعية والصوم حدثا موسميا والزكاة مشاركة مجتمعية والحج سياحة جماعية، كل هذا من أجل الحصول على شهادة المجتمع بالاستقامة سواء تحقق الغرض من هذه الممارسات أم لم يتحقق. حسب فهمي المتواضع لتأثير العبادة على الفرد هو أنها تعزز السلوك الإيجابي الخير وتنحي السلوك السلبي الشرير، أما ما يحدث في الواقع مع من يمارسون العبادة بطريقة أصحابنا في اليمن، فهم ينطبق عليهم المثل الفلسطيني القائل "كمن توضأ باللبن". وحتى نصل إلى المرحلة التي نصنع فيها كل شيء من منطلق قناعاتنا فإننا سنضيع كل إنتاجنا القومي من اللبن لنصلي بلا وضوء في الخفاء.


iyad@insan.ps
المصدر
http://www.insan.ps/articledet.php?id=18