«الإلياذة الكنعانية» لفرقة أورنينا
محاولة منقوصة
لإعادة كتابة التاريخ.. بلغة الجسدبمناسبة اختتام فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية 2009م قدمت فرقة أورنينا للرقص المسرحي عرضها «الإلياذة الكنعانية» على خشبة مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق. وجاء العرض بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وأهلها الصامدين، لذلك حظي العرض باهتمام ومتابعة استثنائيين على المستويين الإعلامي والجماهيري، بالإضافة إلى الحضور المتميز الذي حققته فرقة أورنينا في مجمل عروضها السابقة.

اختار مؤلف العمل، الأديب محمود عبد الكريم، مقاربة نصه الدرامي والشعري من ناحية التسمية مع إلياذة هوميروس، وما تحتويه الأخيرة من أحداث ومفارقات، ومزج بين الواقع والمتخيل، وحكايات الآلهة وأنصاف الآلهة اليونانية القديمة. حيث حاول وضع سيناريو للأحداث المختارة، معتمداً على السياق التاريخي، الذي أعادنا عبره إلى بداية نشوء الحضارة في أرض كنعان، مروراً بأهم الأحداث التاريخية الموثقة، وأساطير شعوب المنطقة. عندما تطرق عبد الكريم إلى مذبحة أريحا ومرحلة الحكم الروماني بقيادة هيرودوس لفلسطين، وتحالفه مع اليهود. لينتقل بعدها إلى ولادة السيد المسيح عليه السلام، وتآمر اليهود والرومان من أجل صلبه والتخلص منه. تلتها لوحة الرايات، التي مثلت بداية الفتح الإسلامي والعهدة العمرية، ومن ثم فتح صلاح الدين للقدس، والتعايش الديني السلمي، الذي كان موجوداً في ذلك الوقت. بعدها انتقل لمحاكاة التاريخ الحديث في الجزء الأخير من العرض، عندما انتقلت المشاهد لتجسد المؤامرة البريطانية ووعد بلفور، الذي أعطى الحق لليهود والعصابات الصهيونية، بإقامة وطنهم المزعوم على أرض فلسطين، وما نتج عنه من تهجير ومجازر ومآسي لحقت بالشعب الفلسطيني المسالم الأعزل. كذلك الثورات الشعبية وحركات المقاومة التي قاومت، حتى الرمق الأخير، جميع محاولات التهويد والاستيطان والاحتلال الإسرائيلي، وما خلفتها من أبطال وشهداء قدموا أرواحهم فداء لوطنهم.
هذا السيناريو الدرامي الراقص عمل الفنان والكريوغراف ومدير الفرقة ناصر إبراهيم على ترجمته وتحويله إلى لوحات راقصة تعبيرية، اختزلت في تفاصيلها وسياقها حكاية الشعب الفلسطيني، منذ التاريخ القديم وصولاً إلى يومنا هذا. مستفيداً من بعض العناصر الدرامية والمتخيلة مثل شخصية كنعان «قدم الدور الفنان شادي العلي» والذي لعب دور الراوي المعلق على الأحداث، عن طريق أدائه لبعض الأغاني الفلكلورية الفلسطينية. أما الرقصات المقدمة اعتمدت بشكل أساسي على دمج الرقصات الفلكلورية الفلسطينية مع الرقص الحديث. وربما هنا يكمن الخلل الأساسي الذي أصاب العرض، حيث لم يصل الدمج الذي أراده إبراهيم بين أنواع وأشكال الرقص المختلفة، إلى درجة الانسجام فيما بينها. ناهيك عن التفاوت الواضح في سوية الراقصين، الذين وصل عددهم إلى خمسين راقصاً وراقصة، هذا ما أضعف العمل وأصاب إيقاعه بخلل بدا واضحاً في مجمل مشاهده... باعتبار أن العروض الراقصة تعتمد بالدرجة الأولى على سوية راقصيها، وتحويل الحوار أو النص والسيناريو المكتوب لمجمل الشخصيات وأحداث العرض إلى لغة حركية، تعتمد كذلك على الجسد بالدرجة الأولى، وهو ما يتطلب من المخرج والكريوغراف إعداد جميع الراقصين والمؤدين من الناحيتين الجسدية والفنية بشكل ينسجم مع رؤيته وتصوره المسبقين، وقراءة واضحة لجميع الدلالات والسيميائيات المقصودة من الحركات والتكوينات على الخشبة... هذا ما افتقده العرض، على الرغم من المجهود الكبير والواضح الذي قدمته الفرقة، والذي تستحق الثناء عليه.
ومن أكثر عناصر العرض نجاحاً وتأثيراً على المشاهد، الإضاءة والسينوغرافيا، التي صممها الفنان ماهر هربش، والتي ساهمت إلى درجة كبيرة في خلق مشهدية بصرية عالية، تتناسب مع الأجواء الأسطورية التي لامستها بعض مشاهد العرض. والأجواء الواقعية والحياتية للشعب الفلسطيني بمراحله المختلفة، حيث عمل هربش على تقسيم الخشبة إلى ثلاثة مستويات، المستوى الأول عمق الخشبة التي استخدمت فيها مجسمات متحركة تتغير حسب طبيعة المشهد للدلالة على المكان مثل الكنائس والجوامع. والثاني والثالث هما منصة مرتفعة وأرضية الخشبة التي لعبت دوراً متميزاً في إبراز الرقصات والتشكيلات الحركية.
بالإضافة لتداخل وانتقال الإضاءة وألوانها المختلفة، ضمن هذه المستويات الثلاثة. كما نجح الفنان والملحن وليد الهشيم في وضع موسيقا وإيقاعات راقصة، تتناسب مع روح وطبيعة العرض وفكرته. وهذا ما ينطبق أيضاً على مجمل الأغاني الفلسطينية الفلكلورية التي أعاد توزيعها، لتقدم في العرض بشكل حافظ على طابعها الخاص، الذي امتازت به عبر السنوات الطويلة.


أنـس زرزر

http://www.albaath.news.sy/user/?id=768&a=70549