غالب بن شيخ.. صوت الإسلام الذي يحترمه الفرنسيون
هادي يحمد
غالب بن شيخباريس – "إذا كنت تريد البحث عن رجل حوار وقدرة على الإقناع وشخصية متمكنة من ثقافتها الإسلامية بعمق بقدر ما هي عارفة بتفاصيل ثقافتها الفرنسية الغربية فعليك بغالب بن شيخ.. إنه أكثر من يعبر عن شخصية المسلم المثقف الذي يدفع الجميع إلى الإنصات له بانتباه عجيب، على الرغم من كونه لا يحب الأضواء كثيرا"..
هكذا تحدث القس الفرنسي الشهير ميشال لولونج لمراسل "إسلام أون لاين.نت" عن الفرنسي ذي الأصول الجزائرية غالب بن شيخ.
واستطرد لولونج خلال الحوار الذي دار في شقته بالدائرة السابعة عشرة من باريس: "إنه رجل لين في الحوار، وصاحب بداهة وحجة قوية تجعل الذين يعرفونه وحتى خصومه يحترمونه على الدوام".
طالع أيضا:
كل هذه الخصال جعلت "غالب بن شيخ" (50 سنة) -صاحب القامة المديدة وخصلات الشعر البنية التي يسدلها بشكل دائم في اتجاه اليسار فوق وجه مستدير تزينه نظرات مثقف- رجلا ذا مكانة معتبرة في المشهد الثقافي الفرنسي، خاصة في كل ما يتعلق بملف الحوار بين الأديان.
- الطبيب موسى طاهر.. "وقف خيري" لأبناء القرم
- عوينيت.. ابن تمزريت الأمازيغية يلمع في سماء فرنسا
- مظلوم.. أول قاضٍ فيدرالي مسلم بأكبر دولة كاثوليكية
- عبد الله دامي.. "نجم" مسلم بالإعلام الهولندي
- د.مصطفى أنور.. قصة نجاح ترويها ضفاف الدانوب
فقد ارتبط اسم بن شيخ في السنوات الأخيرة بملف الحوار بين الأديان، خاصة بترؤسه "المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام"، والذي تأسس سنة 1986 في وقت كان يعتبر مثل هذا الحوار بين الديانات هامشيا ومن باب الترف البورجوازي بالنسبة للبعض.
جسر ثقافيومن المفارقات أن شخصية بن شيخ الذي يعرف نفسه بأنه "مسلم أوروبي" شكلتها مسيرة حياتية رسمت له منذ البدايات هذا الدور الذي جعله جسرا بين الثقافة الإسلامية والثقافة الفرنسية والغربية بشكل عام؛ فقد ولد بن شيخ في مدينة جدة السعودية سنة 1960 لأبوين جزائريين؛ حيث كان والده الشيخ عباس بن شيخ ممثلا لحكومة جبهة التحرير الوطني الجزائرية الانتقالية في المملكة.
وبين جدة ومكة المكرمة -وبعد فترة الطفولة المبكرة في الأراضي المقدسة- انتقل غالب بن شيخ إلى العاصمة المصرية القاهرة؛ حيث انتقل والده للعمل هناك ليقضي بن شيخ جزءا آخر من طفولته غير بعيد عن رحاب الأزهر الشريف قبل أن يعود إلى الجزائر العاصمة.
بيد أن مهنة والده وتقلده لمناصب عديدة لم تدع بن شيخ يستقر بالمدينة البيضاء (الجزائر العاصمة)؛ إذ انتقل والده ليترأس عمادة مسجد باريس المركزي سنة 1982، وعندها فقط استقر به المقام بشكل نهائي في العاصمة الفرنسية.
مقدم برامج ومحاضر وخطيب!وفي الوقت الذي كان الوالد الشيخ حمزة بن شيخ ينتظر من ابنه أن يسلك مسلكه ومسلك شقيقه صهيب في تعلم العلم الشرعي ليخلفه في عمادة مسجد باريس، أبَى "غالب بن شيخ" إلا أن يسلك مسلكا مغايرا ويدخل إحدى كبرى الجامعات الفرنسية (جامعة باريس السادسة) ليتحصل على الدكتوراه في علوم الفيزياء.
وحينما توجهت الأنظار بعد وفاة الوالد إلى الابن الأكبر صهيب ليخلف والده الذي لقب عميدا لمسجد مرسيليا ومفتيا بنفس المدينة، عاد غالب بن شيخ ليفاجئ الجميع بتنحية دكتوراه الفيزياء جانبا ليتخصص في العلوم الإسلامية، ويتحصل فيما بعد على العديد من الشهادات في الفلسفة والعلوم الدينية.
ودفع ذلك القناة الثانية الفرنسية -ومنذ أكثر من عشر سنوات- إلى تعيينه كمقدم برنامج حول الإسلام صباح كل أحد، في حصة دينية تعتبر من أكثر الحصص التلفزيونية متابعة من قبل الفرنسيين.
في ذلك الوقت "اكتشف الفرنسيون غالب بن شيخ"، كما يقول الصحفي الفرنسي المختص في الأديان قيوم أفرات لـ"إسلام أون لاين.نت".
ويضيف أوفرات: "كان غالب بن شيخ بالفعل شخصية عجيبة بالنسبة للفرنسيين؛ إذ إنه يقدم لهم صورة لا يعرفونها عن المسلمين؛ فالرجل كان ذا ثقافة عالية، وعرف بقدرته العجيبة على التحدث بفرنسية عالية المستوى، وقدم نموذجا للإسلام الاجتماعي المتسامح والعادل، وهي صورة لإسلام مجهول من قبل العديد من الفرنسيين".
ويردف: "بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لعب بن شيخ دورا محوريا بالنسبة للطبقة المثقفة الفرنسية، وفي الإعلام الفرنسي على تفنيد الصورة المشوهة التي عمقتها تفجيرات نيويورك وما تلاها من عمليات إرهابية في عواصم أوروبية أخرى".
"شاعر الحب"ومما لا شك فيه أن التكوين العلمي لغالب بن شيخ، والذي أضاف له تكوينه الفلسفي والديني، جعله صاحب بداهة وقدرة على الإقناع كبيرة، خاصة أنه برع في استعمال الأسلوب الشعري الموزون حين يتحدث بالفرنسية حتى يخيل للمستمعين له أنهم بصدد سماع قصيدة شعر للشاعر الفرنسي "بودلير"، كما يقول بعض الذين حضروا دروسه ومحاضراته.
ولكن هناك شيء آخر أضفى على خطاب بن شيخ جاذبية خاصة بالنسبة للمستمعين له وهو استعماله للمعجم الصوفي الذي يركز على المحبة والتسامح والتواضع؛ حيث يردد كثيرا مقولة: "إن المحبة هي مركز علاقة المسلم بالكون".
ولا يتردد في تقديم الكثير من القصائد الصوفية مترجمة إلى الفرنسية في معرض تقديمه للإسلام على أنه دين محبة وتعايش، وهو منحى -ولا شك- ورثه بن شيخ من التربية الصوفية لوالده وعن جده الشيخ حسين زعيم إحدى الطرق الصوفية في مدينة قسنطينة شرق الجزائر.
وفضلا عن حضوره التلفزيوني، ونشاطه في الحوار بين الأديان، أصدر بن شيخ العديد من الكتب التي تقدم الإسلام للفرنسيين؛ حيث أصدر في ديسمبر من العام الماضي كتابا تحت عنوان: "قراءة القرآن"، كما أصدر عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر كتابه "إذن.. ما هو الإسلام؟".
وأصدر سنة 2005 كتابه "العلمانية في نظر القرآن"، هذا بالإضافة إلى العشرات من الأبحاث في ميدانه المميز المتعلق بالحوار بين الأديان.
مراسل شبكة إسلام أون لاين. نت في باريس.
Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1264250010029&pagename= Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz0eTasDaBR