الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث هاديا للعالمين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن واله إلى يوم الدين.
يعد التغيير العملية الوحيدة المستمرة بالمؤسسة, والمؤسسة الفعالة هي التي تتخذ خطوات متأنية لتدير التغيير بسلاسة, فالتغيير يهدف إلى التكيف مع البيئة الخارجية بطريقة أفضل من خلال الانتقال والتحول من نقطة توازن حالية إلى نقطة توازن مستهدفة من خلال سلسلة من المراحل. وقد تواجه عملية التغيير في المؤسسة بعضا من المقاومة تتعدد أسبابها, ما بين:
• أسباب مرتبطة بالشخصية : ( كالخوف من المجهول وتفضيل الاستقرار والقلق ) .
• أسباب مرتبطة بطريقة إحداث التغيير : ( كالوقت والموارد المتوفرة والمهارات ) .
• أسباب مرتبطة بالنظام الاجتماعي : ( كالانسجام مع المبادىء وتماسك النظام ) .
لقد اهتم الفكر الإداري الحديث بموضوع إدارة التغيير بشكل كبير لما له من تأثيرات إيجابية تعود على المنظمة والأفراد التابعين لها بل وحتى العملاء, على أن يتم التغيير في المعرفة أو المواقف أو سلوك الأفراد والجماعات أو سلوك المؤسسة, ويتم ذلك من خلال التغييرات في طبيعة وأسس المنظمة أو في التقنية المستخدمة أو في البيئة والعمليات أو في المهام والنشاطات أو في ثقافة وحضارة المؤسسة أو في الأفراد أو في الأداء, ولذلك فقد وضع الفكر الإداري الحديث عددا من الخطوات يمكن إتباعها لإحداث إدارة تغيير فعالة, وهي:
• معرفة واجب التغيير الإداري في المنظمة .
• التعرف على درجة مقاومة التغيير داخل المنظمة وخارجها وتحديد أنواعها ومصادرها .
• قياس مدى رغبة العاملين في التغيير .
• تحديد الوقت لإنهاء عملية التغيير .
• تحديد الخبراء والمسئولين عن عملية إجراء التغيير .
• مسح آثار عملية التغيير والعوامل الفنية التي تضمن نجاحه .
ولإنجاح خطة التغيير نسجت الإدارات الغربية الحديثة عدد من العناصر يجب على المنظمة أخذها بالاعتبار لضمان الجهود المبذولة في التطبيق , منها :
• خلق رؤية عامة ومشتركة في كل المؤسسة ( وهذا دور الإدارة العليا ) .
• إدارة عملية التغيير ( دور المسئول عن إحداث التغيير ) .
• تحديد العلاقة بين المخططين والمنفذين .
• بناء وتوطيد العلاقات القوية الفعالة بين الفنيين والإداريين .
• التطبيق على مراحل .
• التدريب وتشجيع الأفكار الإبتكارية .
• المحافظة على استمرارية جهود التغيير وتشجيع ودعم النتائج .
• التحفيز والمكافأة .
إن إدارة التغيير لا تعد أمرا حديثا على شريعتنا الإسلامية, فهناك الكثير من الأمثلة التي تدل على إدارة التغيير في الفكر الإسلامي, ومنها على سبيل المثال :
* يعتبر نزول الدين الإسلامي بمثابة التغيير للأوضاع السائدة في المجتمع الجاهلي , فقد استلزم الوضع نزول دين يغير ما كان ممارسا في العصر الجاهلي من سلوكيات خاطئة .
* في حين توصلت الإدارة الحديثة إلا أن التغيير لا يتم إلا من خلال اقتناع وإيمان به, فقد ذكر هذا الأمر الله تعالى في محكم تنزيله, يقول تعالى:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد:11).
* من أهم الأسس التي وضعتها الإدارة الحديثة لتطبيق إدارة التغيير تطبيقها على مراحل, وهذا الأمر ليس بجديد على الفكر الإداري الإسلامي , ومثال لذلك تحريم الخمر : " فالخمر كل مسكر خامر العقل أي غطاه وكانت الخمر تعجب العرب في الجاهلية" ثم تدرج الإسلام في تحريمها على مراحل حتى يكون هناك تقبل للحكم الأخير, فحرمها أولا في الصلاة, يقول تعالى:{لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} (النساء: 43), ثم بدأ الله عز وجل بتوضيح مضرتها بقوله:{يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير وإثمهما اكبر من نفعهما...} (البقرة: 219), ثم حرمها كلية بقوله {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } (المائدة:90/91).
* يعتمد نجاح إدارة التغيير في الفكر الحديث على اختيار الوقت المناسب للتغيير, وهذا يتضح لنا في نزول الإسلام فقد ظل الإسلام لمدة عشر سنوات عقيدة بدون تشريع حتى يتعلم الناس فقط ( لا إله إلا الله ) ثم بدأ التشريع بعد هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة ليتعلم الناس أحكام هذا الدين من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيره بعد أن تثبتوا في إيمانهم .
* من أسس التغيير في النموذج الغربي هو التحفيز والمكافأة , وهذا واضح في شريعتنا الإسلامية في الكثير من نصوص كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – .
* يعتمد نجاح إدارة التغيير على المشاركة الفعالة من قِبل أعضاء الفريق , وهذا الأمر مارسه النبي – صلى الله عليه وسلم – مع أصحابه, فقد كان عليه الصلاة والسلام يشارك أعضاء فريقه ويأخذ برأيهم, والأمثلة على هذا متعددة منها على سبيل المثال: موقف الصحابي الذي سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – " أمنزل أنزلكه الله أم هي الحرب والرأي والمكيدة ؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : بل هي الحرب والرأي والمكيدة فأشار عليه الصحابي بموقف آخر ليكون مقرا للجيش فاستمع الني – صلى الله عليه وسلم – لكلامه ونزل عند رأيه.
وبالتالي فإن مبادئ إدارة التغير الذي أتت به الإدارة الحديثة لا تتعارض مع مبادئ ديننا الحنيف, فيمكن قبولها .
ولكن نجد أن نموذج ( إدارة التغيير ) الذي وضعته الإدارة الحديثة تجاهل بعض النواحي الإسلامية التي يمكن تضمينها لاستخلاص نموذج إداري متكامل لإدارة التغيير يعتمد على الأسس التي اعتمدت عليها الإدارة الحديثة بعد تأصيلها بالفكر الإسلامي , وهي كما يلي :
• يجب أن يكون الهدف من التغيير موجها نحو رضا الله جل وعلا .
• يجب أن يوازن الهدف الأساسي للتغيير بين الدنيا والآخرة , يقول تعالى : { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك } ( القصص : 77)
• أن يتم السيطرة على التغير بالتعاون المثمر الفعال بين الأفراد داخل المنظمة والعمل كفريق عمل متكامل وتطبيق مبدأ الشورى , يقول تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ( المائدة : 2 ) , ويقول تعالى : { وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله } (آل عمران : 159 ), وقوله – صلى الله عليه وسلم – : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) , ويقول – صلى الله عليه وسلم – : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
• الصبر وعدم استعجال النتائج : يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } ( البقرة : 153 )
• استثارة الأفكار داخل الموظفين للانطلاق نحو ما يؤدي إلى التغيير وتطوير العمل , ومن هذا عن أبي هريرة – رضي الله عنه – : أن رجلا دخل المسجد , ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس من ناحية المسجد فصلى , ثم جاء فسلم عليه , فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم – " وعليك السلام , ارجع فصل فإنك لم تصل " , فصلى ثم جاء فسلم , فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : " وعليك السلام , ارجع فصل فإنك لم تصل " , فقال في الثانية أو التي تليها " " علمني يا رسول الله " فقال : " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء , ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما , ثم اسجد حتى نطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا , ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " ( النحلاوي : 256 ) , فأراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن ينقل هذا الرجل من نقطة حالية إلى نقطة توازن أفضل فقد كان الرجل يصلي ولكن لا يحسن الصلاة , فاستثار ما عنده من أفكار وجعله يعيد الصلاة أكثر من مرة ليزرع الرغبة في التغيير بداخله وليكون التغيير نابعا من نفسه فيكون أقدر على الالتزام به .
• الاستخارة قبل الشروع في عملية التغيير : فالمسلم عليه أن يستخير الله علاّم الغيوب , يقول – صلى الله عليه وسلم – : ( ما خاب من استخار وما ندم من استشار ) .
• المبادأة والابتكار فيما يخدم تغيير المنظمة نحو الأفضل , فالقائد الناجح عليه إشعال حماس العاملين الأمر الذي يؤدي إلى رغبة الفرد في المشاركة والالتزام بالتغيير فعلى سبيل المثال إتاحة الفرصة للتعبير عن النفس ، وتحقيق الذات ، والإحساس بأن الفرد نافع ، والرغبة في الحصول على معلومات ، والرغبة في التعرف والعمل مع زملاء جدد، والإحساس بالانتماء إلى عمل خلاق ومكان عمل منتج ، والرغبة في النمو والتطور من خلال الإبداع والتطوير ، وغيرها من مثيرات الحماس والدافعية .
• أن يتبنى التغيير في المنظمة قائدا يتمتع بصفات تؤهله لقيادة التغيير والانتقال بالمنظمة من وضع حسن إلى وضع أحسن , ومن هذه الصفات ( العلم – الخبرة – الذكاء – سرعة البديهة – القدرة في التأثير على الأفراد – التفكير الإبداعي والقدرة على حل المشاكل والسيطرة على الأزمات – القدرة على الاستفادة من علوم الآخرين وخبراتهم – القدرة على الاتصال الفعال بالآخرين وتكوين العلاقات الإيجابية – الرغبة والحماس ) , يقول تعالى : { إن خير من استأجرت القوي الأمين } ( القصص : 26 ) .
• أن يتفاءل القائد بالتغيير ولا يتشاءم : مادام توكل في أمره على الله علاّم الغيوب , يقول الشافعي :
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ....وتستقر بأقصى قاعه الدرر
• أن يسعى التغيير إلى تحقيق الخير وما فيه منفعة .
• أن ينبني التغيير على ضرورة وجود مبررات وجيهة وحجج مقنعة تستدعي التغيير داخل المنظمة .
• الاستفادة مما سبق من تجارب الآخرين في عملية التغيير : حتى لا يكر الأخطاء مرة أخرى والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) .
• عدم تقليد المنظمات الأخرى في طرائق التغيير التي تتبعها , فما يناسب منظمة ليس بالضرورة أن يناسب منظمة أخرى لعدم تكافؤ الظروف بين المنظمات .
• الموازنة الموضوعية بين البدائل المتاحة واختيار أقربها إلى تحقيق مصلحة العمل والمنظمة فيما لا يخالف الشريعة الإسلامية , وهذا ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما جمع أصحابه في غزوة الخندق يأخذ رأيهم , فعرضوا عليه آرائهم وكان من بين الآراء رأي سلمان الفارسي – رضي الله عنه – الذي أشار إلى حفر الخندق فأخذ برأيه النبي – صلى الله عليه وسلم – لأنه الأقرب للصواب .
• يجب أن تكون مرجعية وإطار التغيير نابعة من أصولنا المتمثلة في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – .
• يجب أن يخدم التغيير مقاصد الشريعة الإسلامية المتمثلة في الضروريات الخمس .
• يجب العمل على متابعة التغيير للتأكد من سيره في الطريق الصحيح , فالمتابعة لها دور كبير في الكشف عن مواطن الضعف وعلاجها والكشف عن مواطن القوة وتدعيمها , وفي هذا يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يسأل الناس : (أرأيتم إن استعملت عليكم خير ما أعلم ثم أمرته بالعدل فيكم , أكنت قضيت ما علي ؟ قالوا : نعم , قال : لا , حتى أنظر في عمله أعَمِل بما أمرته أم لا ) .
• الاستعانة والتوكل على الله : , لقوله – صلى الله عليه وسلم – : ( اعقلها وتوكل ) , ويقول تعالى : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } ( المجادلة : 21 ) .
وبالتالي يمكننا الاستفادة مما هو موجود بالفكر الغربي بعد تأصيله بالفكر الإداري الإسلامي الذي جاءت به شريعتنا الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة النبوية المطهرة التي لم تترك أمرا من أمور الحياة الدنيا والآخرة إلا تضمنتها , يقول تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
دور القائد المسلم في إدارة التغيير
هناء بنت عبد الرحيم يماني
المصدر
http://www.saaid.net/aldawah/388.htm