أما الحقيقة والمجاز
ففي النوع الرابع والعشرين من المزهر
قال العلامة فخر الدين الرازي:
جِهات المجاز يحضُرنا منها اثنا عشرَ وجْهاً:
أَحدها:
التجوّز بلفْظِ السّبَب عن المُسبَّب،
ثم الأَسباب أربعة: القابِل كقولهم: سالَ الوادِي،
والصُّورِيّ كقولهم لليد: إنها قدرةٌ، والفاعل كقولهم:
نزل السحابُ أي المطر، والغَائِيّ كتسميتهم العِنب الخمْرَ.
الثاني: بلفظ المُسبّب عن السبب، كتسميتهم المرضَ الشديدَ بالموت.
الثالث: المُشابهة كالأَسد للشُّجاع.
والرابع: المضَادّة، كالسَّيئة للجزاء.
الخامس والسادس بلفظ الكلّ للجزء كالعامّ للخاصِّ،
واسم الجزء للكلّ، كالأَسود للزنجي.
والسابع: اسم الفِعل على القُوّة، كقولنا للخمرة في الدّنّ: إنها مُسكرة.
والثامن المشتقّ بعد زَوال المصدر.
والتاسع المجاورة كالرّاوِية للقِرْبة.
والعاشر: المجاز العرْفي وهو إطلاقُ الحقيقةِ على ما هُجِر عُرْفاً، كالدَّابة للحِمار.
والحادي عشر: الزيّادة والنقصان، كقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء ) و(واسأل القرية).
والثاني عشر: اسم المتعلِّق على المتعلَّق به، كالمخلوق بالخَلْق، انتهى.
(وقال) القاضي تاج الدين السُّبكي في شرح المنهاج بعد كلام طويل: والفَرْضُ أن الأَصلَ الحقيقةُ والمجازَ خلافُ الأَصلِ، فإذا دارَ اللفظُ بين احتمالِ المجازِ واحتمالِ الحقيقةِ فاحتمالُ الحقيقةِ أَرجحُ، انتهى.
وقال الإمامُ وأَتباعُه:
الفرق بين الحقيقةِ والمجاز إما أن يقَع بالتَّنصيص أو بالاستدلال،
أما التنصيصُ فأَن يقول الواضعُ: هذا حقيقةٌ، وهذا مجازٌ، وتقول ذلك أئمةُ اللغةِ.
وأما الاستدلالُ فبالعلامات، فمن علاماتِ الحقيقةِ تبادرُ الذِّهنِ إلى فهمِ المعنى والعراءُ عن القَرينة،
ومن علاماتِ المجاز إطلاقُ اللفظِ على ما يستحيلُ تَعلُّقُه به،
واستعمالُ اللفظ في المعنَى المنسِيِّ،
كاستعمالِ لفظ الدابَّة في الحِمار، فإنه موضوعٌ في اللغةِ لكلِّ ما يَدِبّ على الأَرض، انتهى.
(قال) ابن برهان: وقال الأُستاذ أبو إسحاق الإسفراييني:
لا مجاز في لغةِ العرب. وحكى التاج السُّبكيُّ عن خَطِّ الشيخ تقيّ الدين بن الصَّلاح أن أبا القاسم بن كج حكى عن أبي عليٍّ الفارسِّي إنكارَ المجازِ، فقال إمام الحرميْنِ في التلخيص والغزاليُّ في المنخول: لا يصِحُّ عن الأُستاذ هذا القولُ،
وأما عن الفارِسيِّ فإن الإمام أبا الفتح بن جِنّى تلميذ الفارسيّ،
وهو أَعلمُ الناسِ بِمذهبه، لم يحْكِ عنه ذلك، بل حكَى عنه ما يدُلُّ على إثباته.
ثم قال ابنُ بُرهانٍ بعد كلامٍ أَورده:
ومُنكِرُ المجازاتِ في اللغة جاحِدٌ للضرورة،
ومُعطِّلٌ محاسنَ لغةِ العرب، قال امرؤ القيس:
فَقُلْتُ له لمَّا تَمطَّى بِصُلْبِهِ *** وأَرْدفَ أَعْجازًا ونَاءَ بِكَلْكَلِ
وليس لليل صُلْب ولا أَرداف
..عن نجدية