كانت المواقف الإسلامية بما يخصّ مدينة القدس تحديداً، وفلسطين والمنطقة عموماً، مواقف مشرّفة من جميع الديانات، بما فيها الموسوية، فقد حملت لنا كتب التاريخ كمّاً هائلاً من صور المكرُمات العربية الإسلامية منذ الفتوحات الأولى وحتى عهد صلاح الدين، ولكن تأبى الصهيونية المتستّرة وراء قناع اليهودية إلا أن تشوّه التاريخ، وتضع على الأرض بفعل القوّة، مفاهيم جديدة باطلة ومزيّفة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة الثابتة بما تأتّى من خلال النبش الأثري والوثائق المكتشفة والمعلنة.
وهذه بعض أمثلة قد تعبّر عن نظرة اليهود «الصهاينة» العدوانية للديانات الأخرى، بل وللبشر جميعاً. إذ يقول الحاخام مناحيم شنيؤرسن في مقال نشرته صحيفة هآرتس في 16/5/1974 (إن أصل أرواح الشعوب هو من طبقات النجاسة الثلاث، بينما أصل أرواح بني (إسرائيل) هو من الروح المقدسة ذاتها).
وما كان على مبتدعي الفكرة الصهيونية إلا التركيز على تلك الإرهاصات وترويجها، بقصد شحن اليهودي بنظرة ثأرية حاقدة ضد الأمم، وهذا ما استدعى بالضرورة دعوة اليهود إلى نفض انتماءاتهم الإقليمية ومواطنيتهم في البلاد التي ينتمون إليها أصلاً وتحريضهم على الهجرة إلى فلسطين للانضواء في تركيبة مجتمع عنصري خالص.
كما جاء في التوراة سفر العدد «54» (وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم، يكن الذين تستبقون منهم أشواكاً في عيونكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها)، وفي قصيدة كتبها اليهودي أفرايم سيدوم ونشرت في ملحق صحيفة دافار 15/6/1982 يقول: (يا أطفال صيدا وصور، إني أتّهمكم، ألعنكم لأنكم مخربون، ستنامون محطمي العظام في الحقول والطرقات، لا تسألوا لماذا فإنه العقاب، والآن حان عقابُكُم، كل النساء في صيدا وصور، كل الأمهات، كل الحوامل، كل المسنين وكل الأرامل، ها نحن قادمون لنعاقبكم، لنقتصّ منكم).
إن ما يجري اليوم على أرض فلسطين وعلى القدس رمزها الأبدي، هو امتداد طبيعي لما أسّسته الصهيونية من قبل، وكذلك فإن الحملة الإعلامية الصهيونية التي رافقت تسلسل وقوع الأحداث لم تكن تسعى لقلب حقائق ما يجري على الأرض بين آلة عسكرية تطحن شعباً أعزل فقط، بل كانت تؤسس لفصول أكثر دمويّة, لاحظنا تصاعد وتيرتها يوماً بعد يوم، لتصيّر من تبقى من الشعب الفلسطيني بالمحصّلة شرطة حدود للسهر على أمن الصهاينة، لا بد أن تنتهي بنفض كل الاتفاقيات الهشّة التي وقّعت بعد مفاوضات ومحادثات ماراثونية على مدى سنوات.
إن شعار «السلام» هو السلاح الأكثر خطورة لكونه يخفي تحت ستارته الحريرية بشاعة ما يجري حقيقة على أرض فلسطين، والذي تعمل (إسرائيل) من خلاله لتقسيم الشعب العربي برمّته إلى مؤيد لعملية السلام بالمفهوم الصهيوني، أي ترسيخ الاحتلال، وبين مناهض لها بالمفهوم الشعبي العربي، أي المقاومة والتحرير.
ولنأخذ صورة أخرى من روح شاعر فلسطيني التصق بأرضه، وحين قضى فتحت له ذراعيها واحتضنته، يقول توفيق زيّاد وهو شاعر فلسطيني من الناصرة في قصيدة طويلة أقتطف منها:
(سأحفر رقم كل قسيمة من أرضنا سُلبت، لكي أذكر، سأبقى قائماً أحفر، جميع فصول مأساتي، وكل مراحل النكبة، على زيتونة في ساحة الدار.!)
إن الصهاينة برسمهم تلك الأحلام الخيالية المفرطة بالكذب والشعوذة لتحقيق مكاسب إقليمية بدعم ومساعدة من أنظمة عالمية مشبوهة وحاقدة يشوّهون التاريخ، ويحاولون تحقيق التوسع الاستيطاني على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين، ويقودون العالم إلى متاهات صراعات حادّة جديدة، وكأن دروس التاريخ التي قادتهم إلى الهلاك أكثر من مرّة لم تعطهم العبر المرجوّة.