مقتطفة من رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية :
فورين بوليسي – التقريريرجى تذكير الإخوة في الصومال بأن يكونوا رحماء مع الناس، وتذكيرهم بالأحاديث في هذا الشأن“. هذا ما كتبه أسامة بن لادن في عام 2007 إلى قائده التنفيذي؛ فيما يخص المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، حاثًّا إياهم على أن يكونوا أكثر نعومة في الجهاد، وأن يركزوا على العدو الحقيقي، وهو الولايات المتحدة الأمريكية. ويضيف بن لادن: “يرجى التحدث إلى الإخوة الصوماليين حول الحد من الإضرار بالمسلمين في سوق البكارة -في مقديشو- عند مهاجمة مقر قيادة القوات الإفريقية“.وهذه الرسالة هي جزء من مجموعة من الوثائق التي صدرت عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية يوم الأربعاء، وهي توضح الفجوة بين المدرسة القديمة للحركة الجهادية، القاعدة، والمدرسة الجديدة من حديثي النعمة، الدولة الإسلامية. وفي هذه الوثائق؛ يظهر بن لادن كرجل دولة مخضرم للحركة الجهادية العالمية، متوسطًا في النزاعات بين المتنافسين والمنظمات المختلفة، ومحاولاً في الوقت نفسه البقاء على اتصال مع الإدارة اليومية لأعمال المؤسسة الإرهابية العالمية. وفي إحدى الرسائل، يحث بن لادن أحد ضباطه على تقديم تقارير المصاريف مرتين في الشهر.ولكن بعد أربع سنوات من وفاته على يد قوات البحرية الأميركية؛ خسف تنظيم بن لادن من قبل الدولة الإسلامية، التي تتعارض تكتيكاتها واستراتيجياتها مع الحرس القديم من تنظيم القاعدة. ومن خلال سيطرتها وتمسكها بالأرض بطريقة كانت ستجعل بن لادن يشعر بعدم الارتياح، رسخت الدولة الإسلامية لنفسها الخلافة التي حث بن لادن -مرارًا وتكرارًا في رسائله- على عدم إعلانها.ويتلخص الأمر ببساطة في أن: تنظيم القاعدة كان أقل اهتمامًا في احتلال الأراضي منه اهتمامًا في استخدام الشركات التابعة له في جميع أنحاء العالم في قتل أعداد كبيرة من الغربيين. أما أولويات الدولة الإسلامية فهي عكس ذلك تمامًا تقريبًا، وهي احتلال الأرض والتمسك بها، وعدم التركيز حتى الآن على شن هجمات متصاعدة خارج حدود خلافتها. وقد جعل هذا النهج الدولة الإسلامية الجماعة الجهادية الرائدة في العالم اليوم، وساعد هذا التكتيك المجموعة في جذب كل من الهيبة، والمجندين، وتعهدات الولاء من الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم.وفي نيجيريا؛ تعهدت “بوكو حرام” بالولاء لزعيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، وعدلت تكتيكاتها، لتحارب الجيش النيجيري وتستهدف المدنيين أيضًا. وتراكمت المجموعات التابعة للدولة الإسلامية في مصر، ليبيا، الجزائر، وغيرها: في حين اضطر التنظيم الولايات المتحدة لإعادة القوات إلى العراق أيضًا. وقال المدير السابق لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، دانيال بنجامين، للفورين بوليسي يوم الأربعاء: “الدولة الإسلامية أكثر انتهازية بكثير. أسامة بن لادن كان أكثر انسجاماً مع تاريخ التطرف الإسلامي، وأراد حقًّا استهداف الأمريكيين“.ومن خلال ما يظهر في خطاباته ووثائقه التي نشرت الأربعاء؛ كان بن لادن سوف ينظر إلى هذه التطورات الجديدة بشك عميق. وفي رسالة إلى المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة، يقول بن لادن لعطية عبد الرحمن، الذي ارتفع ليصبح قائد عمليات القاعدة قبل أن يتم اغتياله في غارة طائرة بدون طيار عام 2012: إن عليه إبلاغ أعضاء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بوقف العمليات التي تستهدف قوات الأمن المحلية، وبدلاً من ذلك، “اقتلاع شجرة البغيضة من خلال التركيز على جذعها الأمريكي“.ويحث بن لادن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الامتناع عن التعبير عن أي طموحات لإعلان الخلافة الإسلامية. ويكتب زعيم القاعدة السابق مخاطبًا عطية: “يجب أن نطلب منهم تجنب الإصرار على تشكيل دولة إسلامية في الوقت الراهن، والعمل على كسر قوة عدونا الرئيس، من خلال مهاجمة السفارات الأمريكية في الدول الإفريقية، مثل سيراليون وتوغو، ومهاجمة شركات النفط الأمريكية“.وبهذه الطريقة؛ كان بن لادن ينظر إلى الصراع العالمي بين الجماعات الجهادية المتطرفة والغرب من وجهة نظر تاريخية أكثر. وكتب بن لادن في إحدى رسائله: “يجب أن نؤكد على أهمية التوقيت في إقامة الدولة الإسلامية“. وأضاف: “علينا أن ندرك أن التخطيط لإقامة الدولة يبدأ مع استنفاد القوة المؤثرة الرئيسة التي فرضت الحصار على حكومة حماس، والتي أطاحت بالإمارة الإسلامية في أفغانستان والعراق على الرغم من حقيقة أن هذه القوة كانت قد تعرضت للاستنزاف“.وبعد أن شاهد تدمير الولايات المتحدة وحلفائها لعدة مشاريع لإقامة “دول إسلامية” في العراق وأفغانستان وغزة، نظر بن لادن إلى الحرب على أنها لعبة طويلة المدى. ويقول بريان فيشمان، وهو باحث في مؤسسة أمريكا الجديدة: “كان لدى بن لادن نظرية حول كيفية ضرب الولايات المتحدة. وهذه النظرية هو أن عليك ضرب أهداف أمريكية في الوطن والخارج للتأثير على الاقتصاد والرأي العام الأمريكي“.ويتناقض هذا مع نظرية الدولة الإسلامية، التي سيطرت من خلال استغلال الفوضى الطائفية في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011، والحرب الأهلية الدموية التي اجتاحت سوريا. لقد فتح الفراغ الأمني في هاتين الدولتين الباب أمام المجموعة للاستيلاء بسرعة على أجزاء واسعة من العراق وسوريا في أوائل عام 2014، وإعلان هذه الأراضي على أنها أرض الخلافة الجديدة. ومنذ ذلك الحين؛ أظهر أعضاء المجموعة القليل من ضبط النفس في قتل إخوانهم المسلمين، بما في ذلك حرق الطيار الأردني في حادث تسبب باندلاع غضب واسع النطاق في جميع أنحاء العالم العربي، وأيضًا، عمليات قطع الرؤوس المتكررة لمواطنين عراقيين وسوريين، ولرهائن غربيين.وقد اختلف الرد الأمريكي على هذه المجموعات وفقًا لطبيعتها وأهدافها. ولاستهداف القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر، كانت القضية بسيطة نسبيًّا، حيث تم إنشاء تحالف واسع من الحلفاء لطرد التنظيم من ملاذاته الآمنة في أفغانستان وقتل قيادته. وقد كانت الحملة للإطاحة بحركة طالبان، وتعطيل هيكل القيادة والسيطرة لتنظيم القاعدة في أفغانستان، ناجحة في البداية، إلا أن الكثير من المكاسب التي حققتها تلك الحملة فقدت في وقت لاحق عندما حول الرئيس السابق، جورج دبليو بوش، موارد الولايات المتحدة العسكرية إلى الحرب في العراق. وبينما استغرق الأمر 10 أعوام لقتل بن لادن، لم تتحقق أي من المخاوف حول شن موجة ثانية من الهجمات ضد الوطن الأمريكي.وقال بنيامين، وهو باحث في دارتموث: “كان تنظيم القاعدة في موقف دفاعي بعد فترة وجيزة من تنفيذه لهجومه الرئيس“.ولم يكن الأمر كذلك مع الدولة الإسلامية. بل كان رد فعل الإدارة الأولي هو الدفع للإطاحة برئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وهو شيعي طائفي اضطهد السنة وساعد المسلحين في كسب بعض التأييد الشعبي، ووضع القيادي الأكثر اعتدالاً، حيدر العبادي، محله. وسمح عدم وجود رد عسكري سريع للمجموعة بترسيخ سيطرتها على مساحات واسعة من العراق وسوريا.وتجري الولايات المتحدة الآن غارات جوية في محاولة لهزيمة داعش، ويتواجد المستشارون العسكريون الأمريكيون على الأرض لمساعدة الميليشيات الشيعية والجيش العراقي. ولكن حتى الآن؛ أثبتت الدولة الإسلامية أنه ليس من السهل التغلب عليها. ويمثل سقوط عاصمة محافظة الأنبار، الرمادي، الأسبوع الماضي، أحدث مثال على عدم قدرة القوات التي تدعمها الولايات المتحدة على هزيمة التنظيم في المدن العراقية الرئيسة.وقد تواجدت هذه الفجوة الأيدولوجية دائمًا داخل الحركة الجهادية العالمية. وانتقد زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في عام 2005، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، لقتله العشوائي للمدنيين. وبعد أن خرجت من رحم تنظيم القاعدة في العراق، واصلت الدولة الإسلامية اتباع هذا التقليد الهمجي.وعلى الرغم من وحشيته؛ كان بن لادن دبلوماسيًّا أكثر مهارة بكثير من البغدادي وأتباعه. وقال فيشمان: “نرى في هذه الوثائق محاولة بن لادن تفادي الصدام مع الناس الذين كان يريد أن يكسبهم في نهاية المطاف“. وفي إحدى الرسائل، ينصح بن لادن زملاءه في الصومال بزراعة أشجار الزيتون والنخيل كمصدر جيد للدخل بالنسبة للسكان المحليين. وفي الرسالة نفسها، يلاحظ بن لادن بقلق آثار تغير المناخ، ويحث المجموعات التابعة له على عدم قطع الأشجار