تصفية حساب
قصة قصيرة

حملت جسدي المثخن بالجراح وركبت زورقا مثقوبا ، يسير على غير هدى . أمواج البحر تتقاذفني وإياه، نظرت للبعيد بيني وبين الفنار ألاف الأميال البحرية، حزم الضوء المنبعثة منه تمنحني بعض الأمل ،رغم أن النو ينذر بارتفاع موج البحر الهائج ، والريح بدت تتحول إلى أعاصير تكاد أن تقتلعني أنا وزورقي ، راحت يدي المتشبثة بأطراف الزورق تتجمد تنزلق ببطء ، يبتعد الزورق أخذته موجة كبيرة إلى البعيد ارتفعت به ثم انخفضت ، تحطم تحول إلى مجموعة أخشاب متناثرة تطفو هنا وهناك ، حزمة ضوء قمري راحت تنفذ عبر كوة صغيرة من غمام أسود تطابق وظلمة البحر المعتم، استسلمت للموت فهو خير شفيع لي من عذابات لا تطاق، صخب البحر أضاع صوتي فلن تسمع نداءاتي، ارتخى جسدي استسلمت لذراع البحر الطويلة بسط لي كفه فانحدرت إلى أسفل ببطء ودون مقاومة ..
(لقد تأخرت عن الدوام ..) شعرت أن ثمة يد تهزني تحاول أن توقظ جزء من مداركي الحسية ، سفري الدائم عبر الزمان خارج حدود المكان ، يتقاطع مع معتقداتي وأيماني ألا شيء خارج حدود المعقول ، زوجتي تلح علي بمطالبها ، حزمة من الاحتياجات تقدمها دفعة واحدة . لاح لي رأس المدير في قدح الشاي وأنا أحرك الملعقة يدور كدوامة ليس لها قرار ، رأيت القرش يتأهب لالتهامي ،نظرت إليه بطرف عيني ، كلانا جائع ، يكفيني ما يمد لي أسباب البقاء ، هو يظل فاغرا فيه لا يشبعه شيء ، بيني وبين القاع مسافة طويلة قد لا أصل أليه أي حركة مني تستفز غرائزه العدوانية ، فقاعات الهواء تنبأ بعمق الهوة التي انحدرت إليها ، ( لن تكون أنت النزيه الوحيد في هذا البلد) ودعتني زوجتي بنظراتها الحانية .وأنا أتقمص ثوب اللامبالاة
السيارات كالسلحفاة ، تمتد تريد أن تخترق كل فراغ ، تعدت عقارب الساعة بداية الدوام بقليل ، لازال هناك أمل ، باستعطاف موظف الاستعلامات كي لايبلغ عن تأخري ، ولكن حتى هذا الأمل مات ما أن رأيت المدير يقف عند المدخل وهو ينظر إلي نظرة كلها ريبة
(لا تنسى أيجار البيت ...!)كنت أنصت لأخر طلب في جعبتها
قدم المدير لي (سيجارة كوبية ) أصر أن يقدم لي (القهوة ) بنفسه ، ثمة ابتسامة تختفي ورائها غايات تفضحها عينيه ، كتمت أي صوت قد يند عني وأنا بين موتين الغرق وأنياب القرش ،أنا الوحيد الذي لم يوقع على وثيقة بيع شرفه ، رزم من النقود تحتويها حقيبة كبيرة ، يعني بيت ،وسيارة ، ومبلغ كبير في المصرف ، لن أضطر للتجديف بين حشود البشر بعد الآن ، لن أنذر بقطع الكهرباء أو طرد أبنتي من الروضة ، لن أضطر لسماع ثرثرة البقال ليوصل رسالته لي بتسديد الديون ..
عيناي ظلت ترنو إلى تلك النقود ، الأعماق تشل كل حركة ، يداي مشدودة لعنقي في تشابك عجيب ، القرش قرر ابتلاعي دار حولي أستعرض قوته لازالت زوجتي تطالبني بالاستسلام سمعتها ترسل نداءاتها عبر الأثير ، فيخترق أعماق البحر ( لا أمل لك بالنجاة ..!)
ودون سابق إنذار أنقض القرش عليّ بسرعة تخطف الأبصار
و كأن يد امتدت نحوي انتشلتني من تلك الأعماق السحيقة رحت أضرب صفحات الماء بقدمي ويدي ، أسرعت نحو البر الذي أصبح على بعد أمتار مني ، أصبحت أنا والفنار وتلك الجزيرة جزء من تكوينات مرئية يحيط بها البحر يرشقنا بموجه ليغسل ذنوب هذه الأرض إن كانت لها ذنوب .
راح المدير يتقافز على أثاث مكتبه الفخم كقرد يريد جذب انتباه المحيطين به ، حتى كدت أسأله عن نوع فصيلته ، اقتربت من النافذة بيني وبين الأرض ست طوابق، أرى المارة يغذون السير كل يسعى لغاية في نفسه لا يعرفون ما تخبأه لهم الأقدار ، ماذا ستمطر السماء ، أيمكن أن تكون نقودا ..؟ هي ذي راحت الأوراق تتساقط كمنشورات يلقى بها من الطائرة ، الكل ينظر إلى الأعلى متلهفين للفوز ببعض منها ، دفء تسلل إلى جسدي المستلقي على تلك الرمال التي امتصت حرارة ضوء الشمس ، أنظر إلى زرقة السماء الصافية ،تسلل إلى نفسي انتعاش وخلت رأسي من تلك الهلوسات السمعية ،فرحة غامرة اجتاحتني ،انفجرت زوجتي بالبكاء حين عرفت إني عبرت هذا البحر بسلام ..
أودعوني السجن بتهمة عدم إطاعة السيد المدير وهدر الأموال العامة وتوزيعها للشعب ،
تسنم المدير منصب وزير (العقود الوهمية).