ريما الحكيم - مفكرون(خاص)
قد يقول البعض أن كلامي خاص بسوريا في هذه الفترة، كوننا شهدنا تغييراً في المناهج الدراسية السورية لهذا العام الدراسي الجديد 2010/2011م، في جميع المواد والطرق التدريسية.
لكن الفكرة التي أود طرحها عامة، حتى لو كنت سأطرحها من خلال تجربةٍ "سوريَّةٍ"خاصَّة حيث عملت وزارة التربية والتعليم في (سوريا) على تغيير المناهج الدراسية لهذا العام في كافة المراحل الدراسية، الابتدائية والإعدادية والثانوية، بتغيير الصفوف الأولى من كل منها، حيث سيتم تغيير الصفوف الباقية تباعاً في العامين القادمين، لتكتمل بذلك عملية تغيير المناهج، وتصبح المناهج الدراسية جديدة بشكلٍ كلِّي.
اعتمدت المناهج الجديدة على أسلوب جديد في التعلم، بحيث أصبحت تهتم بعملية التعلم التفاعلية بطرائقها المتعددة، وأصبح المتعلم (الطالب) هو محور العملية التعلُّمية وأساسها، وأصبحت مشاركته في العملية التعليمية أمراً في غاية الأهمية بحيث لا تكتمل دونه ولا تتحقق على أكمل وجه، ومن أهم ما حققته المناهج الجديدة فكرة تقديم معلوماتٍ جديدة للطلاب من الأعمار الأولى، بحيث أصبحت المعلومات التي تعطى للطلاب في الصفوف الأولى هي نفسها التي كانت لا تعطى للطلاب إلا في صفوفٍ متأخرة، ويعتبر هذا الأمر من أهم امتيازات المناهج الجديدة، لأن المعلومات بهذه الطريقة ستكون مألوفة للطالب منذ بداية دراسته، مما يتيح للعملية التعليمية أن تكون أسهل وأقرب للفهم في المراحل المتقدمة منها.
ولكن في الوقت نفسه؛ انتقاداتٌ كثيرةٌ طالت عملية تغيير المناهج، وآراءٌ متعددةٌ لأولياء أمور الطلاب كانت ضدَّ تغيير المناهج بحيث لم يستطيعوا التآلف معها، فما القصة؟ ولماذا كانت هذه الانتقادات؟ وما هي أوجه القصة المتعددة؟
إن تغيير المناهج الدراسية، واكبه تغيير في عملية تدريس تلك المناهج كما ذكرنا، حيث باتت طرائق التدريس تعتمد على العملية التفاعلية للطالب مع المنهج المُدرَّس، وأصبحت الاستراتيجيات المتبعة هي: "التعلم التشاركي والتعلم النشط"، فتحولت العملية التدريسية من عملية تعليم محورها المدرس الناقل لمعرفة للطالب، إلى تعلم محوره نشاط الطالب فردياً وجماعياً، ولم يعد بإمكان الطالب أن ينتظر المعلومة من المدرِّس فقط.
تعتبر هذه الاستراتيجيات من أهم الاستراتيجيات المتبعة للتعليم عالمياً، وقد أثبتت نجاحها في التعليم على مستوى العالم، ولكنها في بلادنا لا زالت جديدة، مما جعل المعلم والطالب يشعران بصعوبتهاوبصعوبة التعامل معها، فكان الرفض لها.
وتغيير المعلومات المقدَّمة من خلال المناهج الجديدة يجعل من الضروري أن يمارس أهل الطالب دورهم في العملية التعليمية من خلال المتابعة الدائمة لابنهم، وملاحقته دراسياً للتأكد من وصول المعلومات له، واعتنائهم به بشكل جيد كي يساهموا في تثبيت المعلومات في أذهان الطلاب، ويساهموا في تشكيل الفكرة الأولية للمعلومات الجديدة، خصوصاً وأن المناهج الجديدة باتت أعلى في مستواها من المناهج القديمة،
لكن هذا الأمر جعل أهالي الطلاب يتذمرون ويشكون من صعوبة المناهج، وأن مستواها أعلى من مستوى عقل الطالب، وباتوا يرفضونها كونها تحتاج إلى عمل أكثر وجهد أكبر منهم بالإضافة إلى المدرسة.

إن عملية التعليم تقع من الأهمية بمكان لا يطاله أي أمر آخر، فالجيل الجديد الذي نسعى له ليكون قاطفاً للبذور التي نزرعها، لن ينشأ من عدم، ولا بد أن يمر في عملية تنشئته عبر المناهج التي يدرسها، فهي تؤثر في تفكيره وتربيته وتنميته ووصوله إلى أن يصبح حامل نهضة، لذلك لا بد لنا من التفكير في عملية التعليم، فما المشكلة؟ ولماذا يرفض الطالب والمدرس صعوبات المناهج الجديدة؟ ولماذا يشكو الأهل منها ويرفضون وجودها بحجة أنها رهان على مستحيل؟ لماذا نرى الشكوى والرفض والتذمر في عيون أغلب الناس من المناهج الجديدة؟
حديثي اليوم ليس عن مدى جودتها وأهميتها وحسن تطبيقها، مع التأكيد على أهمية كل هذه الأمور لتنجح؛ لكن حديثي عن رفض الجديد من الأمور والاتكال على الدعة والراحة..
لماذا نرى أن الجوَّ العام يريد أن يرتاح من كل شيء، فالطالب يريد أن تأتيه المعلومة جاهزة على طبق من ذهب، والمدرِّس يريد أن يقدم المعلومة جاهزة للطالب دون أي جهد إضافي في تحضيرها وكيفية تقديمها واستخدام الوسائل الجديدة لطرحها، والأهل يريدون أن يأتي ابنهم إلى البيت ليكتب وظائفه إن كان لديه وظائف بيتية فقط، دون أي متابعة منهم ومساهمة في تحقيق النجاح للطالب..
هذه هي المشكلة، أننا بتنا نرتاح إلى الكسل والتواكل على الغير، ونرفض أي جديد قد يحتاج إلى بذلنا جهوداً لم نكن نبذلها و يحتاج إلى تعبٍ كنا نخبؤه، فلماذا هذا الرفض الدائم لكل جديد يحتاج إلى جهد إضافي؟ كلامي ليس عن تحقيق المناهج،ولا عن مدى نجاحها، ليس عن إمكانية تحقيقها – بغض النظر عن إمكانياتها في مجتمعنا – ولا عن مدى تحقيقها الفعلي، ليس عن المعلومات المقدَّمة فيها، ولا عن المستويات التي ستكون من بعدها،ليس عن كل هذا..
إنما هو عن رفضنا للجديد؛ رفضنا الفطري لكل ما هو جديد يحتاج إلى جهد؛ وقبولنا للجديد إن كان لا يحتاج أي جهد، بمعنى أقربنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيعالبارد المستريح)وهذه الظاهرة ليس سورية فقط، بل هي ظاهرة عربية، إن لم نقل إسلامية.
ظاهرة تزيد من تخلفنا عن ركب التطور والنجاح، كلامي عن فكرة محددة، لا تنطبق على المناهج الجديدة فقط، لكنني استخدمتها كمثال حي وواقعي في هذه الأيام، إنها فكرة التواكل والركون إلى الكسل والدعة، كيف نحلم بالنجاح ونحن بهذه النفسية؟وكيف لنا أن نحلم بإنشاء أجيال جديدة صالحة ونحن بهذه الأفكار؟كيف يمكننا أن نساهم في عملية التقبل لكل الجديد مهما كان مجهداً لنا؟ وما دورنا في نشر هذه الثقافة في المجتمع؟
هذا هو سؤالي الذي أود طرحه من خلال هذا المقال.
نشر هنا
http://www.truth-wits.com/site/artic...every-new.html