وقفة جديدة عند كتاب " حكمة الشرق وعلومه د. ريمه الخاني

من جميل العمل البحثي، أمران : مشجع يقدم لك الروافد والمساعدة اللازمة،وأمران آخران ،أمر حداثة ما تقدم، أو أن تجد من سبقوك إليه، يقفون في مناح كنت ستقف عندها لولا اطلاعك عليها فتعرج لزوايا جديدة رأتها عيني عقلك بطريقتك، فتنطلق من حروفهم إلى حروفك شاكرا لهم جهدهم، ومضيفا حسب قانون الإصافة البسيطة، بحيث تقدم مهما.
بداية أشكر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، على هذا المشروع الثقافي المهم والإنجاز المتقن ترجمة وعرضا، فهو يعتبر مصدرا هاما لنهل مهم الكتب لى تنوع تخصصاتها.
يطالعك في هذا الكتاب الغلاف ذو الزخارف الإسلامية الزرقاء التي تتوسط صفحته، وكأنها توحي لك بالمضمون، ثم العنوان الذي تقف عنده بشكر عميم للمؤلف: حكمة الشرق وعلومه...
وكأنها ضيغة عرفان وشكر.
حيث كانت مقدمة العمل تقديم من المؤلف ذاته معترفا بفضل من ساعدوه على إتمام العمل، وهي طريقه غربية كثيرا مانجدها، وأحيانا نلقاها في كتبنا، وأحينا أخرى كإهداء بسيط مختصر.
ولعلها تشي بطريقة التفكير التفصيلية التي يعملون عليها هؤلاء الباحثين.
******************
يروي المؤرخ والأكاديمي البريطاني جيرالد جيمس تومر (1934) في هذا المؤلف ذو الجزئين دورة الاهتمام باللغة العربية وآدابها ومخطوطاتها والذي شهدته بريطانيا خلال القرن السابع عشر ويرصد أسباب صعود وهبوط الإقبال على تعلّم وتعليم اللغة العربية، وتاريخ دخولها إلى الأكاديميا البريطانية.
ترجمة أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة بني سويف أحمد الشيمي.
وفي دراسة المؤرخ التي أشبعها بحثاً ووثقها وصدرت في كتاب بعنوان "حكمة الشرق وعلومه، دراسة العربية في إنكلترا في القرن السابع عشر" يعطي تومر صورة دقيقة للعلاقة بين الشرق غرب في تلك اللحظة وإقبال كثير من الباحثين على تعلم العربية وإتقانها، رغم فارق الخلفية التي تأتي منها.[1]
************
كان تبويب الكتاب شبكيا، بمعنى أنه راعى الظروف والأشخاص، حيث أعيد ذكرهم في عدة فصول ، ولكثرة الأسماء الفرعية الواردة حقيقة، ورغم تكرار الأسماء العريضة، نجد أنه من الصعب الإحاطة بكل المعلومات وترسيخها ، إلا بقراءة ثانية، وهذه هي علة التفصيل الزائد.
لقد جاءت فصول العمل في الجزء الأول، على النحو التالي: بيئة العصور الوسطى، دراسة العربيّة في أوروبا في أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر، البدايات الأولى لدراسة العربيّة في إنكلترا و"لود" والعربيّة في إنكلترا، البدايات الأولى لجهود "بوكوك" وغريفز وبوكوك في الشرق.
غير أن "تومر" يتوصّل إلى نتيجتين بعد الاطلاع على أغلب هذه الأعمال؛ الأولى: أن "ثمّة ثروة كبيرة من المقالات المغرقة بالتفاصيل"، والثانية: "ندرة في التناول الشامل" لهذا الموضوع، فيما سيؤشر إلى ما يقول إنِّه "البلد الوحيد الذي توجد به دراسات تحقق الحد الأدنى من الرضا" ويقصد هنا هولندا.
بخلاف ما يوحي به العنوان الفرعيّ للعمل؛ "دراسة العربيّة في إنكلترا في القرن السابع عشر"، فإنَّ تومر لم يقتصر على دراسة العربيّة في إنكلترا وحسب، إنما وضع الفصل الثاني من العمل ليكون "مسحاً شاملاً للدراسات العربيّة في أقطار أوروبيّة أخرى في أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر".[2]
لكن القراءة ممتعة جدا، ربما لأنها تخصنا وتهمنا كقضية.
نقرأ خلف الغلاف :
أتي أهمية هذا الكتاب من أنه يحقق أكثر من فائدة: فمن جهة يذكرنا برحلة اللغة العربية في إنجلترا خاصة، والعالم الغربي بصفة عامة، وهي رحلة ماتعة مثيرة تبدأ في أواخر القرن السادس عشر، حين كان وجود اللغة العربية في إنجلترا ضعيفا، إلى أواخر القرن السابع عشر حين استقر وجودها في الجامعات والمعاهد الإنجليزية والأوروبية. ومن جهة ثانية يضعنا الباحث أمام بحر زاخر من الموضوعات التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي، وكلها متصلة باللغة العربية وآدابها.
ومن جهة ثالثة يذكرنا بأولئك المستشرقين الذين عشقوا اللغة العربية وآدابها، واسترخصوا في سبيل خدمتها الغالي والنفيس: بِدوِل وسِلدِن ولود وإدوارد بوكوك وغريفز ورافيوس وجون بل وصامويل كلارك وتوماس هايد وكاستل وكثيرين غيرهم.
يمكننا أن نقول بشيء من الفخر إن هذا البحث صفحة مشرقة من صفحات اللغة العربية، وهو في الوقت نفسه صفحة من صفحات تاريخنا الثقافي والمعرفي، يصور فيها الكاتب عهودا كان العالم يسعى فيها إلى المعرفة بالعربية وآدابها، حين كانت العربية وسيلة كل ساعٍ إلى المعرفة، ومقصد كل محتاجٍ إلى العلوم التي لا تُلتمس إلى من خلال لغتنا الجميلة.[3]
بصرف النظر عن هذه المقتبسة المفرحة، إلا أنه علينا معرفة النظرة الدقيقة التي ينظر الغرب فيها إلينا، وبصرف النظر عن هذا الكتاب الذي يحمل قدرا كبيرا من الدقة والحيادية .
أنهم كانوا ينظرون وهم على أعتاب عصر النهضة ، نظرة من يبحث عن مجده الضائع هذا أولا ويمكننا ارتشاف بعض سطور لدخول مكنون فكرهم :
الصفحة 106 والتي تورد سالة دافيز إلى أشر:
لن أتوانى في لإرسال هذه الكتب النادرة إلى سيادتكم، فهي كتب نادرة لاتقدر بمال، وتقاس عندهم لبالذهب والجواهر، رغم عدم معرفتهم بقيمتها الحقيقية، وهم لايستفيدون منها، ولايتخلون عنها إلا بشق الأنفس، خصوصا للغرباء الذي يفقدون معهم الأمل في استعادتها، إلا إذا كانوا من أصحاب المبادئ :
الحق أن الكتب القديمة تحظى بقداسة غريبة في هذه البلاد.
لنكرر ماورد بدقة: كتبنا غالية وثمينة ، نعم لكننا لاتسنتفيد منها، وهم أقدر -يعني الغربيين- على ذلك ، والسؤال الآن:
هل استفادوا فعلا من عب العلوم وترجمتها ونقلها؟.
**************
من جهة أخرى لم يكن كل من انكب على ترجمة القرآن هدفه الترجمة حصرا، بل كان كان في بعض الأحيان ذريعة للهجوم ، كما ورد في الصفحة 115:
كانت أكثر محاولات ويلُك جدية في مجال العربية ترجمة للقرآن، ترجمة مصحوبة بهجوم على كتاب المسلمين، وقد ذكر ذلك في رسائل منشورة كتبها إلى أشر ورافيوس، ونجد لها وصفا أكثر إسهابا في مقتطفات غير منشورة من ر سائل كتبها إلى صامويل هارتلب محفوظة الآن من القرآن إلى اللاتينية واليونانية، مصحوبة بتفسير يتضمن هجوما حادا على الإسلام ورسوله .
وينشر المؤلف مقتطف من منهجه بعدها،وطبعا يورد المؤلف رفض توماس الأستاذ في كلية المسيح هذه الترجمة، فهل كان لظهور البروتستانتية اليهودية دورا في ذلك؟.
ومقابل ذلك نجد أن لود وأمثاله -الصفحة 134- بذلوا الغالي والرخيص للحصول على المخطوطات وترجمتها ، خدمة للتبشير ورغبة في تحويل أتباع محمد عن دينهم، حيث كانت المخطوطات ترسل لمكتبة بودليان في انكلترا، وكذا الأوربيون سواء لمكتبة الأسكوريال، أو لايدن بهولندا ، الخ...
الطريف في الأمر أن هؤلاء كانوا حقيقة لاينامون إلا على أهداب أهدافهم......
يمثل هذا النموذج الدرويش المسكين أحمد كما كتبها المؤلف في الصفحة 151
والطريف أكثر أن كل هذا موثق ومحفوظ، فماذا عن حاضرنا، الذي تفوق وسائله الوصف؟.
يشرح أحمد بشيء من الابتهاج في رسالة متأخرة كيف نافس شقيق يوليوس الفلمنغي، في شراء كتاب كان كل من يوليوس وبوكوك يرغبان في شرائه.
وكيف أنه حزن لفرلق بوكوك عن عودته، وافتقد له جدا!!!.
لكن نكولاس بتري نساج القسطنطينية الارثوذوكسي، والذي كان يعرف العربية والتركية، ضاق ذرعا بعروض رافيوس المالية، كي يعود معه كناسخ ينسخ له الكتب العربية.الصفحة 172.
وتبين رسالة غروشيوس إلى أخيه وليام، رغبته في لم شمل المسيحيين ولو كانت على حساب غيرهم...
يتبع الجزء الثاني.
28-2-2018









[1] المصدر بتصرف:
https://www.alaraby.co.uk/books/2017...A8%D9%8A%D8%A9
|

[2] مجتزأ من الدراسة على الرابط:
https://www.alaraby.co.uk/diffah/boo...AA%D8%B1%D8%A7


[3] المصدر ( نقلنا جزء منه)
https://www.abjjad.com/book/26808156...110534/reviews