"مابدي سافر" القنبلة الموقوتة د. ريمه الخاني
هذه ليست عبارة وطنية بحال، بل هي من حيثيات محاولات البحث عن عروس لابن ما....
هي تقليعة قديمة، لم تعد رائجة حاليا، نحن نتجه حاليا:
إلى مواقع الزواج لعرض ملامحنا الشخصية.. والبحث عن ملامح تناسبنا..
أو أن علاقاتنا الشخصية الميدانية، قد توصلنا إلى مرادنا بعيدا عن مراسم الزواج التقليدي.
ولكن أيا منها لم تعد تفي بالغرض للأسف، ف 90% من رواد مواقع الزواج غير جديون في طلبهم، أو أنهم يُعتبرون حالة خاصة جدا، لم تجد حلا في الواقع فلجات لهذا الحل غير الحاسم.
حتى الواقع وتعسير شروط الزواج، تدفع لشباب دفعا لدخول أبواب مجهولة النتائج...
ولكن مازال هناك من الشباب من يفضل الطريقة التقليدية، والتي تحترم ذوق الأم، وتؤمن بأنها لن تختار سوى الأفضل، بحيث تبحث عن شبيه لها مثلا ، أو أقرب شيء إلى حياتهم، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على رضى الشاب عن حياته التي قضاها مع أهله.
وإن عرجنا على ظروفه الحياتية كشاب ، نجد:
أنه مجالا في وطنه( خاصة بلادنا) تساعده على إنشاء عمل جيد، يكفيه هم اللقمة مثلا، الخ من رغبات يعجز الوطن عن تحقيقها، وكأنه يطرده خارجا عمدا، والغريب أنه يتزامن مع رفض معظم الفتيات لفكرة السفر!!.
وهل بقي شباب في هذا الوطن المنهك؟، فإما شهيد وإما معاق، ومن يعمل مع والده بالأجرة
واللقمة تقسم بين المنازل ، أو مسافر للعمل...يتخبط في فرص من هنا وهناك.
"مابدي سافر" قنبلة موقوتة تنفجر في وجه شبابنا، تحيله أشلاء، تزيد همهم هما، هل لأن الفتيات متعلقة بمكانها التي تعيش فيه غربا كان أم شرقا؟.
أم لاتريد التغيير؟ أو لاترى في السفر غاية محمودة ولا مستقبل؟.
الأمر أكبر من هذا بكثير، هناك شرخ نفسي كبير يجري في النفوس من الفرْنجة الإعلامية، فهي في مكانها الأول تمارس كل ماتتمنى، وتشك في أن تجد عند هذا الشخص الجديد ماتريد، هذا أولا وهل كل الحياة دلال ورفاهية فقط؟ أليس بناء الإنسان من أهم نتائج الزواج؟ ماذا نبني إن لم نصبر على كل الظروف؟، خاصة إن كان الشاب ذو همة وطموح وخصال إيجابية؟.، أين الإيمان بالآية:
قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا؟.
رَمتْ إحدى رواد الواتس الكريم نكتة حسبتها واقعا، لكنها لاتختلف عن الواقع في شيء:
واحد تعب من كثرة البحث عن عروس، تبنى يتيمة، رباها وتزوجها! لكنه طلقها بعد يومين!!!...
غننا نعاني ازدواجية نفسية قاتلةن فلانحن نجد دفئا في الوطن، ولا احتوتنا أراضي الغرب بقوة....
إن لم يكن هذا نصا حقيقيا، فهو شيء من نص مؤلم جدا...
ليست المشكلة في السفر بعينه، إنما المشكلة فينا نحن، لم نعد كما كنا أبدا، نحمل صبرنا فخرا، ولا رغبة في تطوير حياتنا، والاطلاع على تجارب أخرى تصقلنا من جديد، إن نحن توخينا دقة اختيار خصال الشخص الذي سنشاركه حياتنا..
تلك المرونة التي تحمل الحلم والأناة والمحبة الحقيقية، إنها الأنا الإعلامية الخبيثة، والتي تجعلك عبر تلك الشاشات تتمحور حول ذاتك، تريد إرضاءها فقط، وتنسى أن للعطاء فنونا أخرى فاقت الوصف، هي سر الحياة وسر استمرار الخير بيننا، نكمل بعضنا نبني معا نساعد بعضنا بعضا...الروح الجماعية تحتضر.
" مابدي سافر" عبارة حق أريد بها باطل، ليس السفر هو الإعاقة ، إنما هو ضعف متأصل في النفس، تحجبها عن المغامرة وشحذ الذات واختبار النفس والخصال في محك الحياة وتعاريجها الكثيرة، حوَل الطموح ، وانحراف الرؤية.
هي تكلس في الداخل ، وخوف من المستقبل، وعدم التسليم الإيماني الحقيقي، عندما نسأل ونتعرف جيدا عمن نصادق أو نتزوج أو...سوف نتوكل على الله جيدا، ومن توكل على الله كفاه، إن قام بكل الأمور التي تكفيه عناء الخوف،والحياة كلها توفيق وتسديد ومقاربة.
" مابدي سافر" ليست دعوة للسفر أبدا، فنحن عائدون في كل يوم، كل دقيقة وكل ثانية بل علينا ألا نترك الوطن يبرد وسط أجوائه الحاولمشحونة بالحقد الشيطاني، تحاول كسر مجدافه، وتزرع في جدرانه مجاديف غير قابلة للتجديف...
إنها فن صناعة مجاديف جديدة، سواء في الخارج أم في الداخل، ذلك لأن هدفنا الأصيل المخلص مازال حيا...
باختصار شديد نحن نعاني من:
1- ضيق الذوق العام في الاختيار وكثيرة الصفات التي يبحث عنها الشباب في شخص واحد، والسبب وسائل الإعلام والظروف وغيرها من أسباب.
2- ارتفاع نسبة العنوسة في الطرفين، وذلك لعدم وجود تركيبة نفسية بسيطة في الواقع وحضور حالة الوحدة الاجتماعية الميدانية، والاستعاضة عنها بالعالم الافتراضي الوهمي.
3- العسر المادي، والذي يزيد من الإحساس به شروط الزواج التعجيزية، رغم المحن والظروف الجديدة في الحرب.
4- غياب فكرة التأقلم، واللين في المعاملة والمرونة الاجتماعية، لتراجع الإيمان كذلك والذي كان يمكنه أن يعطي الفرد راحة وانبساطا ، بأن الله هو من ييسر للمرء مايناسبه عموما.
5-ارتفاع وتيرة الأنا في كل العلاقات الاجتماعية، مدفوعة بالظروف الصعبة التي يعانيها الشباب، وقلة الدعم الاجتماعي والمؤسساتي له، لذا فترى جلهم يعتمدون على طبقات فاسدة في المجتمع لتيسير أمورهم.
6- انحسار الدفء العائلي والاجتماعي، من جراء عجلة الحياة القاسية، مما يسبب حالات انحرافية مخزية، أو على النقيض منها، ترف ودلال بلا داع، وخالٍ من محاولات دفع الشاب لخوض طرف من الحياة، ليعيش معنى الحياة الحقة، فيدرك كم تحتاج لصبر وقوة تحمل.
7- الحوَل الواقعي، الذي يجعل الشباب يحارون أين يذهبون، فوطن بلا فرص عمل مجزية، وحياة في الخارج لايدرون أين يتجهون، وواقع غير مأمون العواقب، في ظل قوانين متلونة بألوان السياسة السوداء..
وعليه، فالأمر يحتاج دراسة متأنية ، عاقلة وحكيمة، لرسم مستقبل يستأهل منا العمل لأجله جاهز لكل الاحتمالات..فهل شبابنا جاهزون فعلا ومأهلون لكل مطب؟
13-3-2018
النشر الخميس 31/5/2018