منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    عمر بن الخطاب ومايكل هارت

    عمر بن الخطاب ومايكل هارت
    بقلم زهير كمال
    لعل أكثر كاتب أنتبه لأهمية عمر بن الخطاب هو مايكل هارت في كتابه: المائة ، اعظم من اثروا في التاريخ.
    كان أول صدور للكتاب عام 1978 في الولايات المتحدة وتم تحديثه عام 1992 وقد تم بيع اكثر من ستين الف نسخة منه.
    فكرة الكتاب طريفة إذ تعتمد على تأثير الشخصية على مجرى التاريخ الإنساني وديمومة هذا التأثير وليس أهمية الفرد او صفاته المميزة.
    قسم هارت شخصياته الى فئات فهناك علماء ومخترعون - قادة سياسيون عسكريون - فلاسفة – قادة دينيون- رموز فنية وأدبية- مكتشفون- صناعيون.
    كانت مفاجأة الكتاب أن ترتيب الرسول محمد (ص) جاء في المرتبة الأولى من حيث التأثير، رغم اعتراف الكاتب بأنه معجب بالمسيح وعظمته الذي أعطاه المرتبة الثالثة بعد اسحق نيوتن واضع قوانين الجاذبية. وتلا المسيح بوذا في المرتبة الرابعة. اما أغسطس قيصر فهو في المرتبة الثامنة عشرة والاسكندر في المرتبة 33، وناببليون بونابرت جاء 34 وجاء ترتيب هتلر في المرتبة التاسعة والثلاثين،
    وجاء ترتيب عمر بن الخطاب في المرتبة الثانيه والخمسين (طبعة 1992)
    السيد هارت كما يقول في مقدمة الكتاب لا يرغب في أي تعديل على ترتيبه وهو يقترح على قرائه ان يقوموا بعمل الترتيب الذي يرونه مناسباً. ويمكن القول ان هارت قد أعد شركاً لقرائه بهذا الاقتراح، فقارىء ذو تطلعات يسارية سيضع قائمة مغايرة لقاريء ذي تطلعات يمينية. ومفكر بوذي سيقول ان بوذا وكونفوشيوس (5) يجب ان يكونا في المقدمة، اما مفكر يهودي فسيقول ان موسى(15) يجب ان يكون هو البداية.
    الحقيقة اذن نسبية. ولهذا سنقبل مضطرين قائمة هارت كما وردت ولن نصفه بالتحيز عندما يضع الرسول(ص) في المرتبة الاولى
    واذا كان هناك من تدخل فهو لتصحيح او اضافة معلومات، خاصة وان ما كتب عن عمر في اللغات الاخرى قليل ومنقول عن الرواة العرب القدامى.
    النقطة الاولى:
    صنف هارت عمر على أساس انه قائد سياسي عسكري فقط تماماً مثل قيصر وشارلمان.
    كتب السيد هارت عن عمر أقل من ثلاثة صفحات وعن قيصر(18) اربعة صفحات (ستمائة عام قبل عمر) ومن الملفت للنظر أنه كتب عن شارلمان(97) (مائة عام فقط بعد عمر) ستة صفحات.
    ملخص تأثير اوكتافيوس الملقب بأغسطس قيصر على التاريخ هو أن الأمبراطورية الرومانية قد تمتعت بمائتي عام من السلام والإزدهار بعد وفاته.
    ما جاء عن تأثير عمر في الكتاب أن الفتوحات العربية في زمنه كانت مؤثرة من حيث الحجم والأستمرارية وان ذلك لم يكن نتيجة تأثير محمد (ص) أو إيحاء منه، فبعض التوسع ممكن أن يحصل ولكن ليس بالحجم الكبير تحت القيادة اللامعة لعمر.
    هذا الحجم لم يكن اقل من إنهاء أمبراطورية فارس الى الأبد بعد أن عايشت امبراطوريات اليونان والرومان وكانت تنهض من جديد دائماً، وتقليص أمبراطورية بيزنطة بالإستيلاء على مستعمراتها في آسيا وأفريقيا تمهيداً لإنهائها في المستقبل، وأقامة أمبراطورية تعادل في مساحتها اضعاف ما اضافه اغسطس قيصر(المصنف 18 ).
    قال هارت أن تعريب أقطار مثل العراق وسوريا ومصر لم يكن ليحصل لولا السياسات التي وضعها عمر لحكم الأمبراطورية الاسلامية.
    القول أن لعمر الفضل في تعريب سوريا والعراق غير صحيح.
    ففي القرن السابع الميلادي كانت غالبية سكان سوريا والعراق هي القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة واستوطنت في البلدين وهو ما يطلق عليهم اسم المناذرة في العراق والغساسنة في سورية.
    والتحول للاسلام لا علاقة له بالتعريب كما نلاحظ في آسيا عامة وجنوب شرقها خاصة .
    مصر قصة مختلفة تماماً. فرغم السهولة التي تظهر على مصر فإنها عصية على الكسر بشكل مذهل.
    مر غزاة كثيرون على مصر عبر تاريخها بدأً من الهكسوس والفرس ومروراً بالإسكندر وإنتهاءً بالرومان الذين استعمروها لفترة طويلة .
    أثّرت مصر في كل من مر بها من الغزاة واستفادوا من حضارتها ولكنها لم تتأثر بهم .
    عبر تاريخها الطويل الممتد سبعة الاف سنة لم تتأثر من خارجها إلاّ مرتين، المرة الأولى عندما دخلت المسيحية اليها وكونت كنيسة خاصة بها هي الكنيسة القبطية والمرة الثانية كانت عند دخول العرب إليها حاملين رسالة الإسلام .
    مصر لا تكسر أو تطوّع إلاّ بالكلمة . وباقتناع كامل منها وغير ذلك مستحيل .
    يرجع ذلك الى خصوصية المجتمع المصري فهو مجتمع موحد مترابط يعيش معظمه على ضفتي نهر النيل ويرتبط إرتباطاً عميقاً به، ولا يوجد في الكرة الأرضية مثل وضع الشعب المصري الذي فرضت عليه الجغرافيا أن يكون مجتمعاً ممتداً طولياً.
    خاصية التمدد الطولي هذه تشكل أفضل موصل للمعلومات لكل المصريين في العصر القديم بسرعة ممتازة ، فما يجري في الاسكندرية او الصعيد او الفسطاط او خبر من المدينة المنورة يصل الفسطاط ، ينتشر خلال فترة قصيرة في كافة المدن والقرى والنجوع الممتدة على ضفتي النهر. وتعتمد سرعة الانتشار على أهمية الخبر بالطبع. مثلاً خبر ضرب الشاب المصري لابن والي مصر في المدينة وما يمثله من تساوي المواطنين امام القانون قد وصل خلال اسبوع (مثلاً) الى اسماع المصريين كلهم. ومقارنةً يحتاج الى أشهر عديدة للوصول لأسماع كل اهل الجزيرة. وهناك أخبار اخرى بمثل أهمية هذا الخبر تنتشر بنفس السرعة مثل ضرب والي البلاد عمرو بن العاص لابن ( قيصر العرب كلها) عمر بن الخطاب والمسمى عبد الرحمن الاصغر لانه شرب خمراً، او رسالة عمر التي حملها المصري الذي اتهمه عمروا بن العاص بالنفاق وتخوله ضرب الوالي اربعين جلدة اذا احضر شاهدين وقبول الوالي العقاب صاغراً وعفو المصري عنه.
    هذه الخاصية ايضاً تجعل شخصية ومزاج وعادات المصريين متقاربة الى حد كبير على مر التاريخ وحتى عصرنا هذا.
    لماذا تعّرب شعب مصر؟
    موضوع كبير ويحتاج الى دراسة وبحث معمقين، لا تتسع لها هذه العجالة .
    إنما يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
    1. رغم أن القيصر البيزنطي هرقل كان مسيحياً مثل الشعب في تلك الفترة لكنه كان من كنيسة ثانية ويحاول فرض رؤيته وتصوره للدين والمسيح .
    2. لا يهم الحاكم البيزنطي إلاّ الثروة التي تمدها به مصر أي أن المصريين يشعرون انه مستعمر مثل غيره جاء للنهب وأهمل أي إصلاحات في المرافق العامة حتى الضرورية منها.
    3. عندما وصل العرب (الغزاة الجدد العابرون كغيرهم) لم يكن للشعب دور يذكر في الدفاع عن أرضه، واعتبر المصريون الأذكياء أن هذه معارك الأخرين على أرضهم، مع ميلهم للخلاص من واقعهم السيء.
    بل ساعد الشعب والكنيسة الغزاة مساعدات جليلة ويتبين ذلك من العدد البسيط من الجنود الذي احتاجهم عمرو بن العاص وغيره من القادة المسلمين في احتلال البلد كلها وطرد الروم منها.
    كقاعدة عامة فانه من السهل جداً أن يتحول وثني الى دين سماوي، وصعب جداً التحول من دين سماوي الى آخر. وهنا يأتي دور تطبيق الدين وأسسه ومبادئه التي كانت ثورة على المفاهيم القديمة السائدة .
    وكل الفضل يرجع لعمر، ما سمعه الناس عنه وما لمسوه بأنفسهم من قصص العدل والمساواة وتداولوها بينهم على طول النهر، اضافة الى اصلاح البنية التحتية وإعادة شق قناة النيل- البحر الأحمر او ما يطلق عليه في ذلك العصر بحر القلزم. وشملت الإصلاحات المنافع العامة بما فيها الكنائس ، مع الاستغراب الشديد من قبل المصريين على تصرفات الغزاة الجدد والذين يدينون بدين آخر من هذا التصرف، وهكذا شعر أهل البلاد أن الجزية والخراج الذي يجبى منهم، والذي يقل كثيراً عن ضرائب الروم، إنما يتوجه لمصلحتهم وللخدمة العامة.
    بدأ الفضول لمعرفة الدين الجديد وبدأ التحول المصري الذي يعني بالضرورة تعلم العربية وما يتبع ذلك. وربما كان تحول مصر الى العروبة أخطر مما يتصوره هارت، فموقعها الأستراتيجي في قلب العالم القديم وحجم السكان جعلها تصوغ تاريخ المنطقة سابقاً فقد وقفت في وجه الغزاة الصليبيين والتتار، أما في العصر الحديث فقد استنهضت همم شعوب المنطقة وقادت حركة التحرر والخلاص من الإستعمار القديم. وكما تشير الدلائل (حقائق التاريخ والجغرافيا) انه سيكون لمصر دور عظيم مستقبلاً كعادتها دائماً.
    ولكن مايكل هارت لا يبني تصوراته على علوم المستقبليات.
    النقطة الثانية : هل كان ما فعله عمر يدخل في باب السياسات الحكيمة لادارة الامبراطورية كغيره من زعماء الدول العظام؟
    لو كان الامر كذلك فسيبقى في خانة قائد سياسي عسكري فقط.
    ولكن لنتامل ما وضعه عمر من مفاهيم تحولت الى قوانين طبقها على الارض:
    1. المفهوم الجديد للدولة وعلاقتها مع مواطنها وتساوي مواطنوا الدولة مع بعضهم بغض النظر عن العرق او الدين ومفهوم وتعويض الدولة لمواطنها إن أخطأت في حقه.
    2. مفهوم الحكم ودور الحاكم وعلاقاته مع إلادارات المختلفة وتحديد راتب له.
    3. مبدأ فصل السلطات ووضع السلطة القضائية فوق التنفيذية.
    4. مبدأ الديمقراطية او كما يقال لها بالعربية الشورى، واختيار رئيس الدولة لا توريثه.
    5. قوانين الضمان الاجتماعي والأمثلة التي وردت في المقالات السابقة واضحة، فلم يحدث أبداً قبل عمر أن خصصت دولة راتباً شهرياً للأطفال أو لكبار السن، بغض النظر عن دينهم او عرقهم.
    ما أنجزه عمر ناتج عن تفكيره الخاص وعبقريته وفهمه للدين وتحويل ما ورد فيه الى قوانين وضعية يتم تطبيقها على الارض. ويعتبر قفزةً لا تقل عن الف وثلاثمائة عام في المستقبل. ولمعرفة تأثير عمر، علينا ان نتخيل خليفة آخر جاء مكانه، لنفرض ان عثمان بن عفان كان ثاني الخلفاء فهل سنشهد النقاط السابقة؟
    مع كل الاحترام بالطبع لعثمان.
    أبدع عمر قوانين في علم السياسة والإجتماع تجعل عمر يقفز الى مرتبة الفلاسفة ولكن فيلسوف من نوع خاص فهو لم يكن يقبع في برج عاجي بل يطبق فلسفته ويرى تأثيرها المباشر.
    كان عمر منحازاً للفقراء والغلابة والمسكين وهم الغالبية في الشعوب وكانت قوانينه تصب في مصلحتهم والتقطت الاغلبية الرسالة فلم تخيب ظن زعيمها فالجيش الذي دخل القدس لم تهزه جواهر وذهب اهلها المرمي على ابواب بيوتهم جاهزة لالتقاطها. لماذا يفعلون ذلك وهم يرون خليفتهم يلبس جبة فيها اربعة عشر رقعة.
    اما الجوعى والمساكين في عام الرمادة فلم يتدافعوا لأخذ لحم الابل المطبوخ قبل غيرهم ولم يأخذوا اكثر من حاجتهم. لماذا يفعلون ذلك وهم يرون خليفتهم قد حرم على نفسه اكل اللحم واكتفى بالخبز والزيت تضامناً معهم. وهكذا الشعوب دائماً تعطي بسخاء وتقدم افضل ما عندها ولكن عنما تجد القدوة والمثل.
    كانت الاندلس في عصرها الذهبي عاصمة العلم والثقافة في العالم وكان الطلبة يتوافدون عليها من كل انحاء العالم.
    كثير من مفكري وفلاسفة وعلماء اجتماع الأندلس تناولوا عمر بالتفصيل، خطبه وكتاباته وما فعله خلال خلافته، فتجربة عمر مختلفة عن غيرها.
    من ضمن الطلبة الذين حضروا الى الاندلس كان القديس توماس الاكويني (12225- 1274م).
    (وهو موضوع في القائمة الفخرية عند هارت) ويُعرف عنه أنه تأثر كثيراً بالفلاسـفة العرب والمسـلمين ومن بينهم ابو حامد الغزالي (1058-1111) م وقد ترجم مع غيره الكثير من الكتب العربية الى اللاتينية. هذه الكتب المترجمة كانت تدرس في جامعات اوروبا في بداية نهضتها، وإذا علمنا أن كافة الفلاسفة الأوروبيين قد درسوا في الجامعات وتخرجوا منها فإن الربط بين أفكار عمر وما وضعه فلاسفة القرن الثامن عشر من ألأفكار التي كانت تعتبر ثوريه في حينها باد للعيان.
    من ضمن هؤلاء الفلاسفة جون لوك (1632-1704) م الذي ذكر انه تاثر بالقديس توماس، وكان أول فيلسوف يجمل كتابةً اسس الديمقراطية الدستورية وأفكار الحكم الرشيد.
    لوك المرتب رقم 44 في قائمة هارت أثر على الأباء المؤسسين في الولايات المتحدة وخاصة توماس جيفرسون وبنجامين فرنكلين كما أثر على فلاسفة التنوير الفرنسيين فولتير وروسو وسان سيمون
    وهذا التسلسل من عمر الى لوك لا يعني تهميش تطور المجتمعات وتطور العقل البشري خلال ألف عام.
    ولكن عمر الذي وصفه الرسول بالعبقرية كان علامة فارقة في تطور البشرية.

  2. #2

    رد: عمر بن الخطاب ومايكل هارت

    حقيقة كل مانقراه الان هو تحطيم للرموز التي نفخر بها حتى لانجد قدوة صالحة...والخوف الان على الجيل الجديد
    شكرا لك استاذ اسامة
    رغد

  3. #3

    رد: عمر بن الخطاب ومايكل هارت

    الأخ الأستاذ أوسامة
    نعم ما قلته عن الفاروق عمر . ليتك أفردت وكرست نصوصا ومقالات عن عمر بن الخطاب رض . إنني أظن أنه لا يكتمل أيمان المرء دون ان يكون هذا على بينة على فضل الفاروق على الإسلام . وعبقرية عمر تمثلت في تطبيق الإسلام وفق فهمه . ولقد كان لعثمان ذي النورين فهما آخر . الفارق بين الفهمين كبير .الفاروق نجح في فهمه لكن عثمان ذي النورين لم ينجح ليس لنقص في عبقرية عثمان ذي النورين وإنما لتكالب وتآلب الناس عليه لأسباب خاصة .
    أنا الجاهلي الجهول إذا جهل
    فوق كل ذي علم علم
    قرأت في سفر الخلق
    في صفحة مع محمد تحت ظل كرم

المواضيع المتشابهه

  1. هذان الكاتبان مكانهما "سراية المجاذيب" (رد على باتريشيا كرونه ومايكل كوك)
    بواسطة إبراهيم عوض في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-29-2016, 04:04 AM
  2. عن عمر بن الخطاب
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-30-2015, 07:11 AM
  3. الخطاب الذكوري يخترق الخطاب الانثوي
    بواسطة عماد موسى في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-16-2014, 06:39 AM
  4. في عهد عمر بن الخطاب
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى - فرسان أدب الأطفال
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-23-2013, 09:18 AM
  5. الخطاب
    بواسطة شريف العجوز في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-17-2010, 06:50 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •