مركزية القدس والأقصى: فلسفة الإحساس بالمنطق (الحلقة الرابعة)
دولة الاستخلاف الثاني في الأرض – دولة داود وسليمان عليهما السلام - بعد خلافة أبينا آدم عليه السلام، الإلهية السماوية في حقيقة نشأتها وتكوينها وحكمها وليست اليهودية ديناً ولا الإسرائيلية عرقاً، ستصبح تلك الدولة لدى اليهود أسطورة وخرافة تاريخية، ودليل زعمهم بالحق التاريخي لهم في فلسطين، كما أن تدمير الجزء الجنوبي منها (دويلة يهوذا) على يد (نبوخذ نصر) الكلداني عام 586 ق.م، وسبي حكامها وزعمائها وأشرافها إلى بابل سيكون سبب بلاء العالم أجمع بمكر وحقد اليهود على البشرية جمعاء!بداية السقوط الشيطاني للإنسان
فهناك وضع أحبار اليهود المسبيين الخيوط الأولى لمؤامرة اليهود على العالم، لا لإعادة السيادة لليهود على تلك البقعة (فلسطين) فقط ولكن على العالم أجمع، بعد أن حرفوا التعاليم والحقائق الإلهية السماوية العالمية واختزلوها في أنفسهم من دون كل بني آدم، فاختاروا لهم رباً خاصاً بهم فقط أسموه (يهوه أو ألوهيم) غير رب العالمين رب كل البشر، وذلك الرب اختار اليهود (شعبه المختار) من دون كل شعوب الأرض، واختار لهم فلسطين (الأرض المختارة) الخاصة بهم وحدهم لا يسكن معهم أو يجاورهم فيها أحد من غير اليهود، لتكون (الأرض الموعودة) لهم لإقامة (الدولة اليهودية) عليها، التي سيكون مركزها مدينة بيت المقدس، ومقر حكمها (الهيكل المزعوم) الذي سيقام مكان المسجد الأقصى، وسيكون رمزاً لسيادة اليهود العالمية على جميع الأرض وشعوبها!.
لقد بدأ مع ذلك السقوط (سقوط دويلة يهوذا) سقوط العالم أجمع في مؤامرات الشيطان وتبني خططه ومناهجه، وتجسيد أسباب رفضه السجود لأبينا آدم عقيدة دينية عرقية استعلائية (عقيدة الشعب المختار)، وفي العصر الحالي إلى فكرة أيديولوجية عنصرية متعصبة للعرق واللون (نظرية سيادة الرجل الأبيض) الغربية! وتحولت أساليب ووسائل إبليس الباطلة الشريرة للانتقام من أبينا آدم وبنيه وغوايتهم بالضلال والكفر وبث روح العداوة والبغضاء بينهم؛ إلى أساليب مشروعة لدى أتباعه من اليهود والنصارى وغيرهم لفرض هيمنتهم وسيطرتهم على غيرهم من الشعوب، واستعبادهم بزعم الرقي العرقي والتفوق النوعي، والدور المناط بهم تجاه البرابرة والمتخلفين من شعوب العالم لتمدينهم وتحضيرهم ...ولم ينجو من ذلك السقوط الشيطاني لبني آدم إلا المؤمنون وأتباع الرسل والمنهج الإلهي، المناط بهم تحقيق الاستخلاف الإلهي لبني آدم في الأرض، من خلال استعمارها وإعمارها وتشييد الحضارة الإنسانية على منهج الله لتكون البديل عن الحضارة الوضعية على مناهج البشر والشيطان، وإرساء قيم الرحمة والعدل والمساواة بين بني الإنسان بدل قيم الظلم والاستعباد والهيمنة والاستعلاء البشرية. وكما حدد الله تعالى للمؤمنين بمنهج الاستخلاف الوسائل والأدوات التي يمكن بها تحقيق ذلك الاستخلاف وتستقيم بها الحياة الإنسانية على الأرض؛ ويعيد الإنسان التوازن والاستقرار للحياة على الأرض من خلال إعادة اندماجه في رحم الكون، على أساس منهج الله والاستخلاف، فإنه حدد لهم أعدائهم وأعداء منهج الاستخلاف أيضاً، وعرفهم بدرجات عدائهم لهم وحذرهم منهم، وقد كانت البداية مع أبينا آدم وتحذير الله تعالى له ولذريته من عدوهم الأول واللدود من غير بني آدم وهو إبليس، ولم يتوقف يوماً تحذيره تعالى لبني آدم من ذلك العدو الذي تسبب في هبوط أبيهم من الجنة، وتذكيرهم بعداوته لهم على لسان جميع الأنبياء والرسل وأنه سيبقى عدوهم إلى يوم القيامة، وكانت النهاية بعد بعثة رسولنا الكريم محمد صلَ الله عليه وعلى آله وسلم رحمة للعالمين، حيث حذر المؤمنين من اليهود وأنهم سيكون {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} (المائدة:82)، ولمنهج الله ومنهج الاستخلاف وللبشرية جميعاً، ولا تقل عداوتهم للمؤمنين عن عداوة الشيطان لمنهج الاستخلاف لبني آدم في الأرض، لأن أتباع المنهج الإلهي هم وحدهم القادرون على إجهاض كل مخططات اليهود العنصرية، ومخططات شياطينهم وأباليسهم ضد بني آدم.السبي البابلي وعلاقته بالسقوط الشيطاني
وكي يحقق اليهود أهدافهم تلك عمدوا إلى تحريف الدين السماوي وتحويله إلى دين بشري علماني، يتساوى فيه اليهودي المتدين الملتزم بحرفية النصوص مع تباعد العصور باليهودي العلماني الملحد الذي لا يؤمن بكثير من تعاليم اليهودية وغير ملتزم بحرفية النص، فحرفوا الإيمان بيوم القيامة واليوم الآخر وما فيه من بعث ونشور وحشر وحساب وجنة ونار، وحولوها إلى مفاهيم دنيوية أرضية تحدث في الدنيا فقط، ولها علاقة بأهدافهم وغاياتهم الشيطانية ضد بني آدم جميعاً، فهم لا يؤمنون بإله سماوي ولا بيوم القيامة ولا بالآخرة كما يؤمن بها أتباع الرسالات السماوية وحتى الديانات الوثنية الراقية منها، ولكن يجمعهم جميعاً على اختلاف مذاهبهم ثوابت المؤامرة التي لا يشترط لها الالتزام بحرفية النص، ولكن الإيمان بإلههم الخاص من دون كل البشر، وبأنهم (شعبه المختار) للسيادة العالمية من دون البشر وعلى البشر جميعاً، وبفلسطين (الأرض المختارة والموعودة) لإقامة (الدولة اليهودية) فيها، والقدس عاصمتها الأبدية والموحدة منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، وأنهم لم يغادروها إلا فترة ثمانية عشرة سنة فقط، هي فترة الاحتلال الأردني لها من (عام 1948- 1967)، ولا بد من إعادة بناء (الهيكل الثالث) وتتويج ملكهم أو مسيحهم المنتظر واعتلائه العرش وتصبح القدس مركزاً للسيادة اليهودية على العالم أجمع! ذلك هو ما يجمع أشتات اليهود المغتصبين لفلسطيننا، المختلفين عرقاً ولغة وثقافة، ولا يختلفون على ذلك إلا في التكتيك السياسي وبالقدر الذي يحقق لهم حلمهم الخرافي ذاك!
.فهناك شبه اتفاق عند معظم المهتمين بتاريخ اليهود بأن التحريف الحقيقي الذي حدث في عقيدة اليهود حدث في المنفى البابلي. لأن السبي البابلي كان هو الأول من نوعه في تاريخ اليهود، حيث تم فيه تدمير (مملكة يهوذا) التي هي مناط الوعد في التوراة، وتهديم (الهيكل) المزعوم، وتشريد اليهود خاصة زعمائهم الروحيين وسلالة الأنبياء والملوك، لذلك لم يكن هذا الحدث مجرد حدث عادي في تاريخ اليهود، بل أصبح هو محور تاريخهم السياسي. ولأنه كان أغلب الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل من رجال الدين والسياسة والدولة وغيرهم من السادة وكبار المرابين، ولأن أولئك كانوا أشد اليهود حرصاً على الكيان الصهيوني وأكثرهم تعلقاً به، فقد "بدأت تتشكل ملامح فكر ديني يهودي جديد، يجعل من القدس نقطة ارتكازه ومحوره، وتأخذ شكلاً يجمع بين الصوفياً*عند اليهود، وتحولت إلى رمز للوطن الضائع، كما تحرك فيه التعصب الطبقي لزعماء اليهود المنفيين إلى بابل الذي كان يشعرهم أنهم كانوا متميزون وحاكمون في فلسطين، لقد تحول هذا التعصب الطبقي إلى تعصب ديني وعنصري"[i].
كما شمل ذلك التحول أسس عقيدة اليهود وتصورها الميتافيزيقي عن نهاية العالم والأخرويان، بحيث أصبحت الآخرة ويوم القيامة في عقيدتهم تعني العودة إلى فلسطين، وإقامة (دولة اليهود)، وإعادة بناء (الهيكل) المزعوم، وإقامة كرسي العرش الذي سيجلس عليه ملك من نسل داود ويحكم العالم، وتحاسب (إسرائيل) كل أمم الأرض على ما اقترفته في حقهم من جرائم وتبذير لثرواتها. فقد كان بنو إسرائيل في بداية عهدهم يعتقدون بالمعنى الحقيقي للآخرة ويوم القيامة، من بعث ونشور وحشر وحساب – بالثواب والعقاب ـ وبالجنة والنار. ولكن هذا الاعتقاد تغير عند المتأخرين منهم وأصبحوا ينكرون هذه المعاني. ومع توالي المحن والابتلاءات والنفي والسبي الذي لحق بهم نتيجة معاصيهم، وخاصة السبي البابلي "نشأ الوعي الأخروي عندهم من جديد، فهم لم يكونوا قبل المنفى يؤمنون بالآخرة وكانوا يرون أن الموت هو خاتمة كل شيء، ولكن في المنفى تبلور وعي اليهود الأخروي في خطين عريضين: خط يرى الآخرة كعودة إلى أورشليم الجغرافية وإقامة المملكة الداودية السياسية فيها على يد مخلص يلم شتات اليهود العنصري (وهذه هي الصهيونية)، وخط يرى الآخرة كبعث شخصي ومحاكمة شخصية عن الأعمال في الدنيا ثم الإحالة إلى ملكوت الله. فالخطان إذن خط مادي عنصري جغرافي شعبي، وخط روحاني شخصي ديني"[ii].
ويرى (شفيق مقار): أن اليهود حذفوا الإيمان بالآخرة ليخفوا منابع الديانة اليهودية التي أخذوها عن ديانات مصر، فالديانة المصرية كانت تؤمن باليوم الآخر والحساب، ولهذا حذف اليهود بُعدهم الأخروي*. ويضيف: "ولنصغي إلى ما يسلم به الدعاة اليهود أنفسهم، لا شك أن فكرة اليهود عن العالم الآخر لم تتبلور إلا في عصور متأخرة، أما تلك الأجزاء من العهد القديم الذي يُفترض أنها ألفت قبل غيرها فإننا لا نجد فيها إلا إشارات متفرقة غامضة وشديدة الإبهام في أفضل حالاتها إلى ما قد يمكن القول أنه اعتقاد ببقاء الفرد بعد موته، ولا يمكن الخروج منها إلا بأن كل ما يمكن أن يبقى من الكائن البشري بعد موته لا يزيد عن عظامه ودمه واسمه، وأن تلك البقايا يمكن أن تتواجد بعد الموت في مكان يدعى شيؤل وما من سبيل مهما تمادينا في التخيل أن ندعي ان شيؤول هذه تعني البقاء"[iii].
ويلخص الأستاذ (عفيف طبارة عبد الفتاح) الأسباب التي أدت إلى إنكار اليهود للآخرة، وما أدى إليه ذلك الإنكار في حياتهم وممارستهم اليومية، بالقول: "... كما أنهم بعدوا عن الروحية فأنكر فريق منهم القيامة والحشر. ومن ثم أنكروا الحساب والعقاب وبالتالي أدى ذلك إلى انغماسهم في الشهوات والإفراط في الملذات غير متوقعين حساباً"[iv].
وتقول "الموسوعة العبرية" أمام كلمة "الإيمان بالأخرويات": "إن تحطيم جيوش يأجوج ومأجوج لا يعني كما قال (ويبر) خطأ إبادة عالم الجوييم عند انتهاء عهد المسيح المنتظر، بل إفناء كل سلطة وبلد تُعارض ملك (يهوه) وتحقيق عهد المسيح المنتظر والشعوب التي ستخضع عندئذ للشريعة ستبقى على قيد الحياة.. أما الأرض المقدسة نفسها فلن يسكن فيها أحد من الغرباء}[v]. ومن هنا يقرر فكر اليهود أن الجنة على الأرض، وأن الجنة الأرضية خاصة بهم دون شعوب الأرض، "كما وأنه لليهود مسيح ينتظرونه وهو غير عيسى المسيح u. وإنما هو ملك وليس نبياً. ملكاً فاتحاً من نسل داود يسمونه ابن الله. والمنقذ الذي يعيد مجد إسرائيل ويجمع شتات اليهود في فلسطين"[vi].
لذلك عمد كتبة التوراة إلى تحريف بشارات الأنبياء السابقين عن مبعث عيسى ومحمد صلَ الله عليهما وسلم، "وحصروها في مخلص ومنقذ ينتشلهم من هذه الوهدة ويضعهم في المكانة التي أرادوها، وأطلقوا على هذا المخلص (المسيح المنتظر)، ووصفوه بأنه رسول السماء، والقائد الذي سينال الشعب المختار بهديه وإرشاده ما يستحقه من سيادة وسؤدد، وهو ليس إنساناً عادياً بل هو إنسان سماوي، وأنه يبقى في السماء حتى تحين ساعة إرساله وعندما يُرسله الله يمنحه قوته، وهو يحمل لقب (ابن الإنسان) أي إنه سيظهر في صورة إنسان"[vii]. ومسيح اليهود الذي سيأتي آخر الزمان ويكون ملكاً للعالم ويمتد سلطانه ليغطي كل الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها، ليس شخصاً بعينه ولكنه رمز للسيادة والسلطان لليهود الذي يكون مركزه القدس، حيث جاء في (المزمور 68/29): "يقدم الملوك لك الهدايا في أورشليم لأن هيكلك فيها".
لذلك معظم اليهود ينكرون الآخرة والبعث ولا يؤمنون "بالثواب والعقاب والجزاء" بعد الموت ويعتقدون أن كل هذا يحدث في الدنيا. والبعث في كتبهم هو العودة إلى دولتهم. يقول الدكتور (محمد الزعبي): إن كانت الآخرة والقيامة والبعث في الإيمان اليهودي "لا تعني إلا قيام دولتهم، والبعث لا يعني إلا بعثها من رقادها، وليست الجنة إلا مدخلاً لرؤيته، وأما ثمار الجنة فهي استئثار بديار العالم كله وأمواله وكنوزه"[viii]. فإن الحساب في العقيدة اليهودية هو أن "تحاسب إسرائيل بصفتها دولة، جميع الذين سلبوا مالها وأرضها. إذ جميع المال لله وقد وهبه لـ(شعبه المختار)، وكل الأرض لله وقد وهبها لهذا الشعب، أما بقية البشر فحيوانات ناطقة خلقها الله لخدمة المختارين، والمخلوقين للخدمة ليسوا جديرين بالتملك"[ix].
ولأن الإيمان باليوم الأخر وما يحدث فيه من بعث ونشور وحساب وثواب وعقاب هو الذي يميز الديانات بأنها أخلاقية أو لا أخلاقية، لأنه إذا ما تُرك الإنسان يفعل ما يشاء في الدنيا دون أي رادع من حساب أو عقاب بعد الموت، فإنه في مثل هذه الحال سوف يطغى ويتجبر ويعيث في الأرض الفساد، وسيدمر النسل والحرث، ويقضي على الحياة الإنسانية، لأن عقوبات القوانين البشرية في الدنيا لا تكفي لردعه وكبح جماح نزعاته اللا أخلاقية. وذلك هو حال الديانة اليهودية الحالية؟! ذلك ما يجعلنا لا نعتقد بأنه يوجد يهودي مؤمن وآخر ملحد، أو يهودي متدين وآخر علماني ...إلخ من تلك التقسيمات التي يحلو لكثير من الكتاب استخدمها في تقسيم وتصنيف والتفريق بين يهودي ويهودي، وأن الجميع لا يؤمن بالآخرة ولا بالبعث والنشور، ولا بالحساب والثواب والعقاب بعد الموت، ولكنه يؤمن بان ذلك كله يحدث له في الحياة الدنيا فقط، وأن نعيمه وجحيمه أو سعادته وشقائه في الأرض فقط، فضلاً على اعتقاده أن اليهود جميعاً يدخلون الجنة فهم (شعب الله المختار)، وهم سادة الكون والبشرية، وكل المخلوقات الأخرى وجدت لخدمتهم، وذلك يعني أنهم غير محاسبين على ما يفعلونه بها من خير أو شر، بحسب ما تقتضيه مصلحة (شعب الله المختار).
ذلك ما يجب أن يعيه المسلم وغير المسلم، أن اليهودية ليست دين لا سماوي ولا بشري بالمعنى المتعارف عليه عند ذكر كلمة (دين)، لأنها لا تؤمن بيوم القيامة واليوم الآخر كما يؤمن به جميع البشر على اختلاف عقائدهم ودياناتهم، وأن ذلك ساعدهم على الاستفادة من جميع الفلسفات الأخرى بما لا يؤثر على جوهر معتقداتهم، وفي الوقت نفسه اختراقها والتأثير فيها وتغذيتها بأفكارهم الشيطانية المدمرة. فاليهودية كما أنها لا يمكن اعتبارها (دين) بالمعنى الحقيقي لكلمة دين فإنها أيضاً لا يمكن اعتبارها أيديولوجيا بالمعنى الشائع لمعنى أيديولوجيا، تكون ذات منهج سياسي واجتماعي واقتصادي وتنبثق عنها أخلاقيات تناسب تلك المناهج. ولكن اليهودية مجموعة أخلاقيات وصفات تميز أصحابها عن غيرهم، ولكن هذه الصفات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بخرافات أسطورية، كما قدمنا، تمثل أساساً اعتقادياً لدى معتنقيها، تقول الكاتبة الـيهودية (روبرتا ستراوس) في كتابها "مصير اليهود": "إن اليهودية ليست عقيدة أو نظاماً من العقائد يتوقف معه قبول الفداء والخلاص في المستقبل ولكنها نظام لـ(لسلوك البشري) ومن هنا لا تتكلم اليهودية عن الآخرة والبعث والحساب وتشير إلى حياة أخرى بعد الموت، ولم يرد في دينهم شيء عن الخلود وهم يرون (الجزاء حسب الأعمال لا حسب الاعتقاد)". ويقول الدكتور اليهودي (هربرت لوي): "اليهودية ليست بحاجة إلى عقيدة إيمان بغض النظر عن العالم الآتي. ومجال اليهودية ليس في ما وراء هذا العالم أي عالم الروح، إنما في الحياة الدنيا دون نظر إلى ما وراء ذلك". ويقرر (كوهلر) في "دائرة المعارف العبرية": "إن اليهودية ليست عقيدة أو نظاماً من العقائد يتوقف مع قبولها الفداء أو الخلاص في المستقبل ولكنها نظام للسلوك البشري"[x].
* لم تكن تلك الصوفية صوفية تعبدية تأملية كما هي العقائد الصوفية المعروفة ولكنها صوفية تجمع بين الشوق والتعلق والارتباط الروحي بفلسطين وبين العمل السياسي والتآمر والتخطيط للعودة إليها وإقامة الدولة اليهودية فيها وتحقيق كل الأساطير والخرافات التوراتية عن نهاية العالم (الباحث)!
[i] رجاء جارودي: فلسطين أرض الرسالات الإلهية، ترجمة وتعليق وتقديم الدكتور عبد الصبور شاهين، مكتبة دار التراث، (بلا رقم الطبعة)، (بلا تاريخ طبع)، ص53.
[ii] إسماعيل راجي الفاروقي "دكتور"، الملل المعاصرة في الدين اليهودي، مطبعة وهبة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1998م، ص16-17.
* هذا الرأي لشفيق مقار مثله مثل كثير من الآراء المشابهة له التي تحاول أن ترجع بعض أصول الديانة اليهودية السماوية إلى ديانات بشرية وضعية لبعض الشعوب القديمة، فالمعروف أن بني إٍسرائيل هم من ذرية إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء، وأن بعث الله تعالى للأنبياء فيهم لم ينقطع، وأن عقدة الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحشر وحساب ونشور وجنة ونار هي من أًصول عقيدتهم السماوية، وأن الصواب هو: أن اليهود لأجل تحقيق غاياتهم الدنيوية المادية حرفوا العقيدة السماوية والمعنى الصحيح للإيمان باليوم ونقلوا عقيدة الأقوام والشعوب التي عاشوا وسطها التي تخالف عقيدتهم السماوية إلى أن أخذ ذلك الإيمان الشكل الذي هو عليه اليوم! وإن كان المفترض في مثل هذه الموضوعات أن يقال أن الكنعانيين أو المصريين أو غيرهم أخذوا هذه العقيدة أو تلك قبل تشويهها عن أحد الأنبياء أو عن بني إسرائيل، لأنه إن صحت الروايات أن إدريس عليه السلام كان أول الأنبياء وعاش في مصر فذلك يعني أن المصريين أخذوا تلك العقيدة قبل تشويهها عن نبي الله إدريس، والأٌقرب للصواب أنهم أخذوها عن نبي الله يوسف عليه السلام لأن الثابت أنه عاش في مصر ووصل إلى أعلى المناصب وكان موضوع ثقة ملك مصر وكما ورد في سورة غافر أنه دعا المصريين إلى عقيدة الله تعالى! (الباحث).
[iii] عبد المجيد ههمّو: هل اليهودية ديانة سماوية، سلسلة مصادر التوراة (7)، دار غار حراء، دمشق، ص949.
[iv] عفيف طبارة عبد الفتاح، مع الأنبياء في القرآن الكريم، دار العلم للملايين-بيروت، الطبعة الثالثة عشر. آيار (مايو) 1984م، ص322.
[v] بنيامين فريدمان، التوراة تاريخها وغاياتها، ترجمة وتعليق: سهيل ديب، دار النفائس-بيروت، الطبعة الخامسة، 1404هـ-1985م، ص42، 43.
[vi] أنور الجندي، الإسلام والفلسفات القديمة، دار الاعتصام-القاهرة، (بلا رقم طبعة ولا سنة نشر)، ص27.
[vii] راشد عبد الله الفرحان، الأديان المعاصرة، جمعية الدعوة الإسلامية، ليبيا، الطبعة الثانية، 1406هـ-1985م، ص29.
[viii] محمد علي الزعبي "دكتور"، الماسونية في العراء، إحسان عباسي، الطبعة الثالثة، 1405ه ـ 1985م ، ص 252.
[ix] المرجع السابق، ص213.
[x] أنور الجندي، الإسلام والفلسفات القديمة، مرجع سابق، ص44ـ 45.