منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سيارة المرسيدس

  1. #1

    سيارة المرسيدس

    سيارة المرسيدس
    متاهات - فصل سيارة المرسيدس- زيناء ليلى

    أذهلني منظره .... يا له من حمارٍ مسكين ... يا إلهي كم يعاني من الألم .. نهيقه يصل لأميال ...فتبصره الأعين من بعيد ... منظره يدمي القلب أبصرناه في طريق عودتنا من الصّالة التي سيتمّ تجهيزها كمعرض للرّسم
    صورته المعذّبة أضاعت فرحتي بتوقيع عقد إيجار الصّالة وترحيب أهلي بالفكرة .

    أوقف والدي السّيارة على مفرق طريقٍ ترابيّ ، لتتجاوزنا سيارة المرسيدس المسرعة جارّةً بحبلٍ غليظ من الخلف حماراً ،أطرافه الأماميّة موثقة للأعلى ، وآثار السّياط ما زالت داميةً حديثة الأثر ، والأرض الخشنة قد أعملت في جسده المسحوب مخالبها والدّماء عبّدت طريق الجريمة .
    صوت الضّحكات الطفوليّة الهادرة من طفل أخرج رأسه من نافذة السيّارة ، ترافقها كلمات (مازال حيّا ...جُرّه بسرعة أكبر ... يعلو نهيقه أكثر ... والمضحك أكثر ، إنّ أسنانه ما زالت سليمة .
    في نفس كلّّ منّا سؤال : من يكون صاحب هذه السّيارة ؟ .
    وأسئلة أخرى : هل ثروته الماليّة تجعله بهذه القسوة ؟ .
    ما هذا المالك الذي يعذّب حماراً خدمه لأعوام ! كيف يجد هؤلاء الصّغار داخل السّيارة متعة في صوت الألم ؟ .
    تتحرك سيّارتنا وراء سيّارة المرسيدس ، في وجوم غريب وصمت عجيب ولسانٍ ألجمته القسوة وقد أدمعت عيون والدتي .
    انظر إلى وجه نوّارٍ ولا أجد إحساساً يفسّره، أو يعبّر عنه من بين مفردات ( الاستغراب ، الدّهشة ، الحقد ، الجريمة ، الظّلم ، الألم ) .
    تتوقف سّيارة المرسيدس عند مزبلة القرية ويخرج من الباب الخلفيّ للسّيارة ولدان لا يتجاوز عمر كلٍّ منهما العشر سنوات والإثنتي عشرة سنةً ، ومن الباب الأماميّ رجلٌ مهيب الجثّة ، طويل الشّعر ، لا تُبصَر عيناه من وراء نظّاراته السّوداء ، يفكّ الحبل المربوط بالسّيارة ويخاطب الولدان : كلّ شيءٍ تنتهي منفعته لنا ، ويكبر على خدمتنا، ويصبح وجوده خطراً على وجودنا نجرّه مرغماً إلى مزبلة التّاريخ .

    - علّق الصّغير على كلام والده : كلّ شيء أم فقط الحيوانات مثل هذا الحمار الذي أصبح عاجزا في إسطبلنا ؟ .
    - أجاب الوالد وهو يرفس الحمار ويضحك : كلّ من ندفع له أجرته في خدمتنا ، هو يعمل في إسطبلنا .

    - يرفس الولد الأكبر الحمار الموثق مقلِّدًا والده ويخاطب أخاه : قال والدي أيّها الأبله كلّ شيء مهما كان نوعه لا يخدم مصالحنا لا بقاء له بيننا ويضحك الجميع في قهقهةٍ عاليةٍ ويقول الولد الصّغير للحمار : تشاو

    بينما عادت سيّارة المرسيدس أدراجها ، وصلت شاحنةٌ يرافقها صهري وليد .
    نزل والدي ونوّار من السيّارة وفوجئ سائق الشّاحنة بالحمولة ( حمار متشنّج لا يستطيع الحراك ) .

    تعاون الجميع على رفع الحمار إلى الشّاحنة ، التي سبقتنا إلى بيت جدّتي الرّيفي ، في هذه الأثناء لم يكتفِ والدي بقيادة السيّارة بل حاول الاتصال مراراً وتكراراً حتى توصّل إلى رقم طبيبٍ بيطري .

    استاء الطّبيب البيطريّ لحال الحمار الصابر، عقّم جروحه وهزّ برأسه يمنةً وشمالاً .
    رفض الطّبيب أن يأخذ أجرته ، فليس هناك أملٌ من حياة الحمار فقد عانى من العذاب الشّديد والألم المبرّح ولن يقوى على الوقوف ، نظر إليه ثم هزّ رأسه مستنكراً والتفت باتجاه والدي ونوّار وقال : هو حمار كبير، قد أضناه التّعب يبدو أنه كان في الماضي جاداً في عمله ، دؤوباً فيما يناط له من وظائف ، لقد استهلك في شبابه كلّ قوًته وللدّهر تقلّباته .
    ربما تبقى القوائم الأربعة منتصبةً ومشدودةً ومتشنجة وعاجزة عن الحركة.
    قال هذه العبارة وودّعنا الطّبيب البيطري عاجزاً .

    ارتسم الحزن على وجه والدي وقال بصوتٍ مسموعٍ وكأنّه يفكّر بصوت عالٍ : يا له من شقيٍّ وبدون أدنى رأفة ...رجلٌ منحوتٌ من حجرٍ أصمّ لا يحسّ، كيف يمكن لإنسانٍ لديه ضميرٌ ، أن يكافئ عاملاً لديه بهذا الشّكل حتى ولو كان من فصيلة الحمير؟ .
    نادى أبي على نوار : تعال يا نوار وأحضر بعض البرسيم والماء واهتمّ به فالّرحمة من رُتب الإيمان يا ولدي .

    وجدتُ من هذه الحادثة ، مادةً جميلٌ التّعبير عنها ، فكنت أترقّب ضيفنا الحمار بين الفينة والأخرى .
    كان لا يتحرّك ، ونوار يراقبه وكأنّه يحادثه ، قاطعت الحوار بين نوار وضيفنا المتألم وقلت : ماذا يقول لك الحمار ؟ وأنا أضحك .
    - إنه يشكو لي ظلم الإنسان حتى مع المخلص له.
    - هل تسمعه يخاطبك ؟ بأي اللّهجات يتكلّم !
    - إنّ ما تفصح عنه عيناه الشاخصتان نحو اللا شيء ، تتحدّث عمّا ينوء به صدره وتفصح عن ألم الظّلم الذي لحق به وبعائلته وفصيلته .
    - تذكّرت طرفةً عن فصيلة الحمير ، هل أخبرك بها ؟ .
    سألت نوار و أنا أجلس القرفصاء قربه وأحدّق بهذا الظلم الذي لحق بالحمار المسكين .
    - ردّ ضاحكاً : هات طرفتك .
    - في أحدى المرّات كان هناك حمارٌ يشكو باكياً صديقه الكلب ، على عتبة إحدى البيوت الريفيّة المهجورة .
    سأله الكلب : لماذا تبكي أيّها الحمار ؟ .
    فرد عليه الحمار قائلاً : من ظلم البشر .
    فقال له الكلب : تكلم وأخبرني ، ربما حديثك معي يزيح الهمّ القابع على صدرك .
    غيّر نوار جلسة القرفصاء واسترخى على الأرض الطينية وتابع حديثي باهتمام ونظره يخطفه بين لحظة وأخرى إلى جسد الحمار وكأنه ينتظر معجزةً قريبةً تحدث له .
    تحدّث الحمار إلى صديقه الكلب متألماً بنهيقٍ منفعلٍ وقال له : اسمع يا أخي ، البشر يتهموننا بأسوأ الصّفات ، فإذا أهمل بشريّ عمله نعتوه بالحمار ، ويعلم الله ، كم أنا مخلصٌ في عملي وجاد، وإن كان غبياً كسولاً لا يجيد فعل شيءٍ نعتوه بالحمار وأنا أبعد ما يكون عن الكسل وقلة العمل فأنا أعمل في بيت سيّدي في الليل والنّهار ولا آكلّ ولا أتعب ويسخّرني لكل الأعمال التي أقتنع بها والتي لا أقتنع بها ، فلماذا ينكر البشر صفات الحمير الحميدة المتفردة .
    وما هو وجه الشّبه بين الرزيل من البشر والحمير ؟ ألا يحقّ لنا أن نطالب بحقوقنا كفصائل لها صفاتها المتفرّدة ؟
    ألا يحق لنا المطالبة بهويّة تحفظ لنا صفاتنا ، من أن تُبذل لأيٍّ كان ، حقاً أيّها الكلب ، إنّ البشر كائناتٌ غريبة الأطوار ، فنبح الكلب موافقا - - فسأله الحمار ناهقاً : ما الشّبه بين فصيلة الحمير والبشر الموسومين بأسماء فصيلتنا ؟

    - نبح الكلب وقال : لا أعرف فأنا أعاني مثلك تماماً ، ولكن ربما أجد شبهاً واحداً في الصفات بينك وبين البشر الموسومين بالحمير .
    - نهق الحمار وقال : ما هو ؟ أرجوك أثلج قلبي .
    - نبح الكلب وقال : هو الاستسلام ، فذاك يستسلم لفشله وعجزه وأنت تستسلم لعملك وما تؤمر به ولا تُمنح أدنى حقوقك ، فحياتك أيها الحمار هي عملٌ مرهقٌ وطاعةٌ عمياء واستسلام لضرورات الحياة من الطّعام والشّراب ، والبشر لا يحبّون هذا النموذج وتلك الصفات ، لكنّهم يسخّرونها لخدمتهم .
    لا أعرف أيها الحمار لم أجد شيئا مشتركاً بينكما إلا حالة الاستسلام ، اعتذر منك ، فوقت راحتي قد انتهى ويجب أن أعود إلى حراسة الإسطبل، أراك لنكمل حديثنا في وقتٍ لاحقٍ .
    - نهق حمارنا الضعيف وكأنّ القصّة أعجبته أو ربما اتفق مع الكلب على الصّفة التي ذكرها .
    يأتي الصّوت من الدّاخل ... إنّها جدّتي وقد سمعتْ نهيق الحمار فنادت لي لتطمأنّ على حال الضّيف المريض .
    توجّهتُ إلى المطبخ ، حيث رائحة اللّبن المطبوخ الذي أحبّ وأقول : شكرا أمي فأنا أعشق هذا النوع من المحا شي (إنه الكوسا باللبن ) .
    قاطعتني جدّتي وهي تقلّب مسبحتها وسألتني : ما أخبار حمارنا المسكين ؟
    - المسكين حالته كما هي ووضعه للأسوأ وبطنه منتفخةٌ وينهق بألم ....
    - فقالت أمّي بعفويّتها المعهودة وحاسّتها السّادسة وهي ما زالت تحرّك اللبن
    ربّما يعاني من إمساك حاد ، أتذكرين يا أمّي حقنة النّشاء التي كنت تستخدمينها في حالات الإمساك الشّديد ؟ .
    - ضحكت جدّتي وقالت : كانت جزءاً من الطبّ التّقليديّ ، لقد كانت نافعةً لحالات التّسمّم والديدان الطفيليّة والتشنّج ، فالإمساك يسبب الكثير من المشاكل الصحّية ففي القولون تجتمع كل الفضلات .
    - كيف تُصنع الحقنة ؟ سألتُ جدّتي .
    طلبت منّي أمّي أن أواصل تحريك اللّبن وهي تقول لي : سأزيد كميّة النّشاء في الماء البارد ورفعت على الموقد الآخر وعاء الماء لتسخينه ...
    ثم أذابت خمس ملاعق من النشاء في الماء البارد ، ثم أضافت القليل منه فوق اللّبن وأضافت القسم الآخر منه فوق الماء الفاتر.
    - وقالت لجدّتي : هذه هي محتويات حقنة النّشاء نشاء مذاب في ماء بارد.
    - فقالت جدّتي : أحسنت ، ذاكرتك قويّة .
    - فأجابت والدتي : ألم تعلّمينا أنّ لنا في كلّ ذات كبد رطبة أجر، ونحن بالأجر راغبون وقلوبنا تنفطر على هذا المسكين فالقلوب التي لا رحمة فيها هي قلوبٌ كافرةٌ .
    - ردت جدّتي مخاطبة والدتي : أحضري لي إبريق الحمام وخرطوم ، ثم استدعي نوار ليساعدنا في هذا العمل .
    أطفأت الموقد فاللّبن المطبوخ أصبح جاهزاً ولحقت بالجميع ، لأشهد هذه العمليّة البديلة .
    قام والدي ونوار بتثبيت الحمار ، ثم وضع طرف الخرطوم برأس المصب والطرف الآخر في فتحة المستقيم والحمار يشتدّ نهيقه ، ربما كان هذا الألم هو سبيل السّلام قلت في نفسي المـتألمة .
    بعد سويعات من الغداء اللذيذ والتحلية ، كان نهيق الحمار لا يتوقف وتحرّكت مفاصله وقوائمه المتشنّجة وقام بردّ فعلٍ عكسيّ فأخرج محتويات أمعائه دفعة واحدة ورغم سعادتنا بتحسّن حاله ، لكنّ رائحة العفونة جعلتنا نغادر المزرعة عائدين إلى المنزل بصحبة جدّتي .

  2. #2
    مررت لالقي عليك السلام استاذة
    وفقك الله

  3. #3
    وعليك السلام والكرام ...وفقنا الله واياكم .... وشكرا لمرورك .
    المتميزون حقا ...
    - هم أفراد بدؤوا بمشاريعهم من الصفر .
    - انطلقوا بأفكار جديدة .
    - نجحوا في ظروف صعبة .
    - نجحوا في وقت قياسي .
    - صاغوا اسلوبا مبتكرا وخطوا طريقا مستحدثا في النهوض باي مشروع .
    - تركوا أثرا واضحا على حياة الكثير من الناس .
    هم مبدعون مبتكرون بهم تنهض الهمم وتبنى الامم ....كن أنت وتميز ... ضع بصمتك في رسالتك.

المواضيع المتشابهه

  1. زيارة بعوضه
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الأدب الساخر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-02-2014, 08:22 AM
  2. اول سيارة اسعاف !!
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان التمريض والصيدلة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-17-2012, 07:29 PM
  3. أول سيارة في التاريخ
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الديكور والاكسسوارات.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-03-2010, 04:00 PM
  4. زيارة
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 05-15-2010, 05:26 PM
  5. زيارة الى جسرين!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان السياحة.
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-25-2006, 12:57 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •