يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء:107]. وامتدت هذه الرحمة الرسولية التي أفاض الله بها على العالم كله الى يوم تقوم الساعة تبقى نعيش في كفن رسول الرحمة ، ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليجعل العالم كله يعيش في سلام مبني على عدل يشمل كل الناس، لأن الله تعالى جعل منطلق الرسالات كلها وغاياتها القيام بالعدل.ونحن في هذاالزمان لقد فقدنا هويتنا الحقيقية هي ان نتعايش بسلام ومعرفة معنى الانسانية والحب وهي القاسم المشترك ما بين الامم ، علينا ان نتالم بتالم الاخرين لا نتامر على تالمهم ، لو رجعنا انفسنا ودقننا في تاريخنا وحاضرنا وما تعيش هذا الامة من ماسي وفقر وحرمان وتسلط المستكبرين على رقاب الناس لوجدنا ان السبب الحقيقي هوا بتعادنا عن خط رسول الرحمة ، وتنازلنا عن هويتنا والمبادى التي اراد منا ان نحافظ عليها رسول الله وهي ان نكون احرار في دنيانا ولايستعبدنا قوى الظلم والمستكبيرن من داخل هذه الامة وخارجها ، ايها الاحبة ونحن نستذكر وفاة رسول الله علينا ان ندرس ونتامل بسيرته العطرة التي تحمل الكثير من المعاني التي لا نراها في الوقت الحاضر في تعاملنا مع بعضنا لو بنسب معينة ، لقد كان رسول الرحمة ، رسول الله الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ، بل صاحب خلق عظيم، وهذا ما عبر عنه سبحانه وتعالى بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} في رحابة صدرك، ورأفة قلبك، ورحمة إحساسك، ولين كلامك، ورقة شعورك، وحرصك على من حولك، وحزنك عليهم لما يتعرضون له من الآلام وانفتاحك على كل الناس،لان كان يعيش هموم الامة و من أصدقاء وأعداء، بالكلمة التي هي أحسن، والأسلوب الذي هو أفضل، والنصيحة التي هي أقوم، والبسمة التي هي أحلى، والعطيّة التي هي أغلى، والروح التي هي أصفى، والقلب الذي هو أنقى، والقوّة في غير قسوة، والرفق في غير ضعف، والصبر في غير خوف، والتواضع في غير ذل، والعزة في غير كبر.. وهكذا كان الرسولَ الذي تتحرك أخلاقه في عمق رسالته، وتنطلق إنسانيته في ساحة مسؤوليته، وتلتقي شخصيته بكل الآفاق الرحبة في أبعاد حركته،
ايها الاحبة ان رسول الله عندما بلغ من العمر اربعين عام وجاء جبرائيل واخبره عليه ان يهدي الناس الى توحيد الله ،كان قبل ذلك يهيى الارضية الى هذا الامر المهم الذي سوف يغير التاريخ البشري من الظلمات الى النور ولابد من مقدمات الى هذا الامر المهم بحيث يستطيع ان ينطلق بابعادها وقيمها الكبيرة التي تزرع السلام والتعايش المشترك بدون ان يعتدي شخص على حقوق الاخرو بدون استثناء لقد كان رسول الله رسول الى كفار قريش واليهود والمسيح والفرس من خلال حديثه وسلوكه ، كان الصادق الامين وان الصفتان لا يمكن على اي انسان ان يحصل عليها في زمان الجاهلية الا رسول الله صلى الله عليه واله ،وانطلق رسول الرحمة في إبلاغ الرسالة بأسلوب حكيم يتحرّك في دائرة الرفق بالكلمة وإشاعة الأجواء الهادئة، ومضمون منفتح على الواقع الإنساني، متمثلاً بحركة الانفتاح على عقول والقلوب الآخرين في الجوانب الفكرية، وعلى العمق الشعوري للإنسان في الجوانب العاطفية، مستخدماً في أدوات الصراع المرتكزة على عنوان القول بالتي هي أحسن والجدال بالتي هي أحسن والدفع بالتي هي أحسن، لأنَّ القضية المطروحة تتمثّل في إقناع النّاس بالإيمان باللّه بالطريقة العقلية والشعورية في محاولة منه لتثبيت الإيمان في امتداد الحياة، لأنَّ العقيدة المنطلقة من الاقتناع الفكري والتوازن العاطفي لا تسقط أمام كلّ الاهتزازات النفسية والاجتماعية والسياسية، أمّا الذين يعبدون اللّه على حرف فإنَّهم لا يملكون الثبات أمام التجارب الصعبة، كما قال اللّه سبحانه: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} (الحج:11).


نهاد الزركان
العراق _بغداد
nmmn_2010@yahoo.com