إِنسَانُ الشِّعْرِ
***
شعر
صبري الصبري
***


للشِّعر إنسانٌ جميلٌ نَيِّرُ = عذبٌ بديعٌ بالقصائد مزهرُ
نضرٌ رقيقٌ باهرٌ متألقٌ= حلوٌ شفيقٌ بالشذا متعطرُ
تصفو مزاهِرُهُ بضوء ضرامه = فيلوح نورٌ للضيوفِ منورُ
بمعية الوجدان قَرَّ قراره= كالودق بالخير الموقر يقطرُ
ويهل نصٌّ من نصوص حديثه= نصٌّ شهيٌّ بالحروف مُسَكُّرُ
تستشرف الأرواح آفاقا له= وتحل فيه مع الفؤاد وتظهرُ
وترافق الإنسان إنسان النقا= وتقول للجمع الغفير : تَفَكَّروا
فالمرهف الراقي المنير بحسه= ينمو الشعاعُ العبقريُّ الأزهرُ
فيه الأزاهيرُ التي بنضارها= حسنٌ بهيٌّ بالبها متطهرُ
وزُهَيْرُها المشتاق في إقباله= بين الزهور بدأبه يتبخترُ
فبروضه الإزهارُ أظهر خبئه= وبدوحه يزهو المنارُ المثمرُ
للعين إنسان يضم ضياءها= وبها المشاهدُ بالشواهد تُبْصرُ
والقلب أيضا لا تزال عيونه= تسمو بآفاق الحياة وتنظرُ
والروح والوجدان .. والنفس التي= أغوارَ أشياء المعايش تسبرُ
ولسان منطقها الفصيح قرينه= شعرٌ بإبداع البيان معبرُ
تصفو بلاغته الدقيقة أينما= حلَّت يحل الإنبهارُ ويخطرُ
وبميسم الإشراق سيماء الندى= لاحت وفيها بالمروج تَجَذُّرُ
يا أيها الإنسان أنت بروحنا= روْحٌ منيرٌ للقصيد مُفَجِّرُ !
تشدو لنا الأشعار ساعة نضجها= فبها يُوَلِّي هَمُّ نفسٍ مُضْجِرُ
وبها يغَنَّي بالنفوس سرورُها= والطيرُ والغرس الرطيبُ الأخضرُ
وتواكب الأجيال سير حنينها= عبر الزمان وبه الحوادث تُذْكَرُ
وتهيم بالحب المؤرخ كيفما= دانت لها الأحباب فيهم أبحروا
فهم الذين بحسهم وشعورهم= آفاق أصداء البدائع صَوَّروا
وهمت مواهبهم رقيق رحيقها= بمزاجه نزفُ العقول وسُكَّرُ
ما (قيسُ) ما (ليلى) بدون قصيدة= فيها تجلَّت (عبلةٌ) أو (عنترُ) ؟!
وبها تلالت بالقوافي مهجةٌ= رقَّت وفيها الإنهمال الممطرُ
تزهو بآلاء الجمال وتحتمي= بالبوح يزجيه النسيمُ الأذفرُ
وبه تطيب الأمنيات وترتقي= فينا ويزكو بالعقول تَفَكُّرُ
وتعود فينا ذكريات جمةٌ= برجوعها يأتي التراثُ ويحضرُ
أعوام عمرك يا رفيق حياتنا= منذ الأوائل من سناكَ تنوروا
وبعمق صدقك بالحياة تمرَّسوا= وبهمس شدوك يا رقيقُ تأثروا
إنسان شعر من قديم لم يزل= يحثو فيربو المستباحُ الأوفرُ
شعر الرقائق والغرام وما جرى= بين الأنام وما به قد أخبروا
وتضم مكتبة العصور نتاجهم= تجرى به بين العقول الأبحرُ
منهم شقيٌّ بالغرام ومُسْعَدٌ= وبهم حبيبٌ بالوصال مشَمِّرُ
وترى البلابل بالغصون تدفقت= منها الأغاني بالهيام تحدَّرُ
فيها اللحونُ ترنمت أوتارها= ببديع أصوات .. وشدوٌ مبهرُ
يا صفوة الإبداع طاب مقامكم= بين الأرائك في حماها الأسطرُ
ضمت نفائس بوحكم وغنائكم= يحدوه دُرٌّ بالسماع وجوهرُ
في ملتقى الإبداع إنسان الورى= قامت قوائمه بهن العنبرُ
وبطيب متجه القلوب أريجها= بالروض فيه نعيمها والكوثرُ
بالحب ترتاح الأنام بطهرها= عزٌ ومجدٌ بالحلالِ مُقَدَّرُ
بالبغض تختار البرية حتفها= وبه استعارٌ بالمداد مُحَرَّرُ
فبخبث هاوية النفوس جحيمها= ويلٌ فظيع بالهلاك مُسَعَّرُ
ما أجمل الإنسان إنسان النهى= إن كان فيه مع الصلاح تَدَبُّرُ
يحيا بروضات الجمال على المدى= يحلو شذاه المستطاب النيِّرُ
يا شعرَ إنسان القريض بمهجتي= حبٌّ لأجلك بالوداد مٌسَطَّرُ
واصل وصالك فالوصال سجية= فينا تُحَبُّ على الدوام وتُفْطرُ
إني عشقتك مذ حللت بمهجتي= يا أيها الإنسان أنت الأشعرُ !