ليس من شأني
قصة قصيرة. عزالدين الحراري
عن قصيدة للشاعر النيجيري نياي أوصاندار
في إحدى ليالي الصيف الافريقي الغاضب، كنت جالساً على مقعدي الهزاز في شرفة كوخي الخشبي الذي نال منه الزمن مأربه. كان في يدي صحيفة محلية أقلبها دون هدى فلا يوجد فيها ما يستقر عليه بصري ليشد إليه عقلي، وكان صحن "اليام"1 بجانبي مليئاً، كوخي الصغير في طرف القرية وبجانبه حقل "اليام" الذي أستمتع بنكهته في فمي، أشعلت بقية لفافة تبغ كانت في جيبي وإذ بسحابة من الغبار الكثيف تتجه نحو القرية في سرعة مجنونة، إنها تقترب شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت، وإذ بها سيارة "الجيب"2 تتوقف أمام منزل "أكاني"، ضربوه برقة وكأنه طفل ودفعوا به لأسفل جوف الجيب المنتظرة.
لقد هالني ما رأيت ولكن قلت في نفسي ما شأني بذلك طالما أنهم لا يأخذون "اليام" ونكهة الاستمتاع به من فمي. تلك الليلة زاد فيها غضب الصيف الذي صادقته قهراً، وعلى نحوٍ مباغت تُمزقُ سِتار الصمت صرخة من وسط القرية، هرَعتُ لنافذتي الخشبية المتهالكة لأراهم، كانوا منتعلي الأحذية السوداء الطويلة، أيقظوا كل البيت وجروا "دانلادي" خارجاً. على الأرجح سيغيب لوقت طويل، ولكن ما شأني بذلك طالما أنهم لا يأخذون "اليام" ونكهة الاستمتاع به من فمي.
لم يغيبوا كثيراً فعاودوا الكرة ذات نهار حينما ذهبت "شينوي" للعمل لتجد أنها فقدته بلا سؤال، ولا تحذير، ولا تحقيق، ولكنها بدلاً من ذلك فقد حُشرت في كيس محكم وأخذوها للمجهول. ما شأني بذلك طالما أنهم لا يأخذون "اليام" ونكهة الاستمتاع به من فمي.
ذات ليلة وغضب الصيف قد بلغ الذروة ووصل حداً كاد فيه ذاك الكوخ أن يلتهب، حتى رحت استنشق رائحة أخشاب الصنوبر المحروق والتي تملأ فضاء الليل من شدة الحر، كنت كعادتي امتطي مقعدي الخشبي الهزاز صحبة صحن "اليام"، وبمجرد أن ممدت يدي لألتقط شيئاً منه. لاح لي ضوء خافت في العتمة، وتراءت لي أشباح الليل مسربلة بالسواد، تجمدت يدي الجائعة، و"الجيب" مازالت تنتظر على أرضي الحائرة تنتظر، وتنتظر في صمتها المعهود.
1 "اليام" نوع من البطاطا حلوة المذاق
2 "الجيب" احد أنواع السيارات