القصة الشاعرة تؤكّد عدم توقف مسيرة الإبداع العربي
إننا دوماً بحاجة إلى كلّ جديد سريع يتفق مع حداثة فنون التشكيل ،ولا يُنكر تراثية المضمون، ولوكان ذلك انطلاقاً من السمة الرئيسية في الحياة ، و هي التغيير مع الحفاظ على خصوصية عالمية الهوية ، والريادة و تواصل الأجيال الإبداعية و مواكبة المستجدّات .. ، بل يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك في العملية الإبداعية عندما يأتي الإلهام بما هو غير مسبوق ، و لا يستطيع تنفيذه إلاّ التواقون للمغامرات و المتمردون بثقة إبداعية على التقولب و المتقولبين ، و من هنا تنطلقُ الأجناس الأدبية و الفنية الجديدة ، و تدبُّ الحياة في نصوص الاكتشافات و الاختراعات بين مؤيدٍ و مُعارضٍ حتى تكون تلك النصوص مُستفزّة للتنظير و التقعيد و التسمية و مقارنة العلاقات بين الجديد و محيطه و جذوره ، و من ثَمَّ مناقشات/دراسات جادة وحوارات مسئولة لاستقصاء تقنيات التطور والوقوف عند الإضافات الجوهرية،
و في هذا الإصدار "فن القصة الشاعرة" يشرفني أن أُقدّم نوعيةً من النصوص تختلف في شكلها الكتابي و مضامينها و معايير كتابتها و كيفية قراءتها عماّ سبق ، و قد ترتدي هذه النصوص لا سقوفية ما بعد بعد الحداثة إلاَّ أنها تلتزم بحشمة الموروث و رؤية المستقبل ، و قد يكون العنوان مثيراً للجدل لأول وَهْلة ، و لكن بعد القراءة المتأنية بعين التفكر يتبين أنّ "فنُّ القصة الشاعرة" جنس أدبي جديد ، و متجدّد و قابل للتطوير و التحديث ، و كذلك لا يُهمل دور الماضي (الموروث) في رسم المستقبل ، و تعمل القصص الشاعرة على تنشيط التصوّرات الذهنية -بالتماس مع مختلف العلوم و الفنون و التوجهات- و تفجير القدرات الإبداعية لدى المتلقي الواعي و الناقد المبدع ، إذْ أن نصّ القصة الشاعرة يُمثّل عالماً منفتحاً على عدة نوافذ ، و في كلّ قراءة تجد الضوء أكثر في نافذة تختلف عن سابقتها التي حظيت في القراءة السابقة بالضوء الأكثر ، و هكذا يطول المكوثُ أمام النص متعةً و فائدةً و بحثاً عن المفتاح الأَوْلى للباب الرئيسي .. ، و بينما نحن كذلك نجد في مصطلح "القصة الشاعرة" لهذا الفن الكتابي (الجنس الأدبي) الجديد يأتي المفتاح مُهرولاً لكلّ هذه النوافذ غير المغلقة ، و لكنها بحاجة إلى جهدٍ مشارك بين إخوة الإبداع الراقي حتى نصل معاً - وبحب – إلى حَلْقِ الباب ، والذي يبدأ بإمكانية كتابة نصوص تضمّ معايير قصيدة التفعيلة و معايير القصة القصيرة مع التزام التدوير الشعري و الموضوعي/القصصي و توظيف الفضاءات البصرية و اللونية ، وتوجيه التشكيل الإعرابي و علامات الترقيم إلى مهام ضمن العملية الإبداعية كما أن القص يكون ركناً متبطناً في النص ككل ، وليس مجرد دراما اللقطة أو اللقطات كما هو في الشعر ، والنص يُكتب مع الالتزام بتفعيلةٍ تدويريةٍ ما (عدم التسكين) ، و كذلك القص المكثف ، والرمز الذي يفتح أبواباً لعدة رؤى ، وكلها موجودة في النص عن طريق ألفاظ/ شفرات ، و مع التأمل يُمكن أن تُحدّد ماذا يُريد أن يقول النص ، و يجعلك تتصور ذهنيا الدور الذي يُمكن أن تقوم به وكيفية ذلك في المستقبل ، و يتضح أنّ وجود التدوير الشعري فقط مع الاستفادة بالدراما لايعني أن النص قصة شاعرة ، و إنما قد يكون قصيدة تفعيلة معتمدة على السطر الشعري و نهاياته التي لها أهميتها المقصودة مِنْ قِبَل الشاعر ، بينما في القصة الشاعرة ليس مجرد الاستفادة بالدراما ، و لا تعني بالسطر الشعري إذْ يُمكن كتابة الجمل متجاورة (شكل القصة القصيرة) لايفصل بينها سوى عدد من النقط له مغزاه في النص ، كما يُمكن كتابة الجمل أسفل بعضها (شكل قصيدة التفعيلة) و في الشكلين لن يتأثر النص ،
و بالتالي فإن مثل هذه النصوص لا يُمكن اعتبارها قصة فقط ، وإلاَّ فما دور التفعيلة ، و التدوير الشعري؟
و كذلك لا يُمكن اعتبارها قصيدة ، و إلاّ فما دور التدوير القصصي الذي تبطن النص؟
و لا يُمكن اعتبارها مزيجاً بين القص و الشعر ، و إلاّ فمادور باقي المعايير الأخرى الموجودة بالنص؟
و بالتالي لا يُمكن إدراج مثل هذه النصوص تحت أحد اللونين .. القصصي أو الشعري
لذلك ، كان لابد من تصنيف فن كتابي/ جنس أدبي جديد ليتم إدراج مثل هذه النصوص ضمنه ، و قد كان ابتكار هذا الفن الجديد ، و بمعايير مثل تلك النصوص ، و قد اصطلح على اسمه "قصص شاعرة" ..
و كان التطبيق العملي هو الوسيلة الأفضل للتواصل الإبداعي
و من هذا المنطلق .. ،
فإن القصص الشاعرة تعدُّ مفتاحاً رمزياًّ لمعالجة الأحداث بصورةٍ مُمَوْسقة ، و عين خبيرة تؤكّد عدم توقف مسيرة الإبداع ، والقدرة على مواكبة التطورات بعمقٍ و بصيرة .
نصوص متنوعة
1- محمد الشحات محمد- مصر (يوم العيد)
بينما العيد يناديه ابتهال ..، ظل يدعو رغم أجساد التلاشي ..، صاحت الصافات من عطر الجواري واحتباس الفرد شوقا للمثنى ..، فجأة عادت أراجيح الهوى تجري حوارا فوضويا ، سمع المأمون يدعوه يصلي ..، كان في أول صف شاهدا ..، ما قدروه الحق ، فاقتات الخلايا ..، دون برواز تلوى ..، عرف الصبار إليهم ..، فتح المعجم حتى شاهد الصافات ..، حيا راح يسعى.
2- د.خالد البوهي (إرهاب) :-
نضب الأكل بطبق الفول " المتهالك " ..، هل تمتد الأيدي قبلي ..، أم أنتظر الآتي من عولمة كانت دوما ترصدني ..، وتعد حبيبات القمح المتبخر ..، تعلن حرب الزيت ، وتعلن في المستقبل حرب الماء ؛ وحرب النفس ..، تمثل في جثث الأطفال – ونحن نغني في أعياد طفولتنا – لكني مازلت وحيدا أبكي بجوار مخازن تموين الزيت الموتور ، وأقرأ باللغة الأخرى أن هذي منطقة نفوذ للإرهاب الثاني.
3- د. بيومي الشيمي (الدائرة) :
دقت عقارب ساعتي ، سقطت جميعا غير هذا المنتهي في حضن أوردتي ، تسمر صارخا : " قل لي بربك ما كتبت الآن في قلب الهوى ؟ " ، ثارت مدارك شقوتي ؛ لكنني قررت شيئا غامضا ، فسألتني ، لا .. لم أسل ، وهنا تألق فجأة صوت الثرى : " تحيا الشواهد في مداخل فجرنا ... يا سكرنا " ، فتفجر الصوت الرخيم معارضا ، خرجت قرون العقربين ..، تناطحا ، صارا عزيزا دونه امرأة تراود عقربا حيث انتهت.
4- أحمد السرساوي (فتح) :
أغلق النافذة الصغرى ..، تولى أمرة الجيش فأهدى كل جندي سرايا من بقايا الحق حتى شهد الناس بعدل يشتهي فجرا ليحيا النور ..، ظل المارد القائد يشدو .. خلفه حجرته تسمع نبضات ، ترد الفرقة الآن بصوت تراءى فجأة يعلن أن القمر الغائب يشكو الليل من دسترة الحق بألوان توالت نغما ، يرفض تصوير الشبابيك بعين القهر إيمانا بتوحيد التراتيل ، فعاد الصمت حيا ، ينبش الأوراق حول الجسد القابع تحويه الصحاري ..، دقت ساعة بدر ..، حلق المارد شوقا .. سمع الحلم يغني خلف أبواب يواريها مع الحلق براءات اختراع تفتدي أسلحة للغيب .. تتلو سورة الرحمن في عسكرة الشوق .. تمادى ربع قرن ، بينما الجدران ثارت .. قرر السجدة في القدس ونادى ليلة فيها ارتوت كل السرايا من (سواقي اللبن) الغائر قسرا ..، بايعت أفدنة الأوراق غصنا مستجدا .. راح يهديه عناقيد سلام ، فانحنى ضوء المرايا ، أسدل الآن ستار البحر فوق المسرح العائم ..، صلى من جديد ..، أشرقت شمس ..، تدلى سقف قيس يرتجي عفو ليلى ..، فتح النافذة الأولى .. تجلى.
5- إلياس بن سالم /صراط علي – الجزائر (أحجية ومسنجر):
حين تأكد رجل المطر الساخن أن الوجه القادم لا يعرفه .. لم يسبق أن ساده صمت فاقترب رويدا .. نظر محمد من أبهى منطقة ينطق وجها يرسم فيه قلبا أحمر في فمه ..، يصرف نظرا وحياء المشتاق لصوت ..، حين ابتسم احترقت ميسرة الصدر ، وهمت جبهته لدفاع الخطإ الجوي المتعمد ، وانتفضت ثانية تبكي مقتل جزء منه ، وتسحب أشلاء ضحاياه ، ولثالثة إنزال أخر في بحر تعقله انطلقت لتواجه من بعد البسمة قوة ضحكته .. تدمير هائل في شطآن البوح ..، تأكد ذلك من نشرة أخبار الجسم ..، فاهتز بسلمه " رختر " ..، قالت حائزة القلم المبدع .. جائزة النوبل للسلم : سلام الله عليك " محمد " كيفك ؟ إني اشتقت إليكم جدا ..، بهت الألم المبرح بنهاية أحجية ومسنجر.
6- ريمة الخاني – سوريا (لنبدأ من جديد ) :
واختفى ضبع الليالي خلف درب كاد يهوي من عوينات الضنى ، فاتخذت روحي سراديب حدادي ومزايا السحر غابت ، بينما لاح الحضور الآن صبحا يحتوينا من جديد ..، قلت رمزا : " إن نويت العوْدَ مهلا ، واجعل العود يغني كلما تسابق الدنيا لدينا ..، ألف سابقني وكن بعدك عني مستكينا وأجبني..، ما شعور اللا شعور اللا يبالي ؟" كان رعب قد تولى وتولى السهم بعد الذبح عشق القلب إيمانا به لولا هوى حملي ، وتاهت سدرتي الأولى ارتحالا لكأني أمسح الذنب التلاقي .. لم يكن لي في خيار الخير إلا رفقة منه تراءت كانبثاق النور ليلا ، فاتني البوح ، فلملمت عناقيدي ..، مضيت الآن كي أبدأ حلمي من جديد ، أذن الفجر اغترابا ، غربت شمس وصاحت نجمة الشوق ..، تدلى سقف ها (القائد يحيا) ..، عدت قسرا حيث عدنا.
7- ربيحة عبدالوهاب الرفاعي – الأردن/فلسطينية الأصل (على ثراها ) :
على أملٍ بأن غدا سيحمل نكهة أحلى، توضأ ثم نحو البيت سار بخطوة عجلى، يصارع فكرة التضييع كيف "أتى الذي ولّى"، وكيف القوم باعوا القدس في ترنيمة القتلى، وكيف أتى بنو صهيون كيف استأسدوا في الناس تنكيلا وكيف بغزة الثكلى أقام العزل والتجويع، والإقدام ما كلََّ، وعند الباب غازل غص زيتون على كتف الجدار أقام واستعلى، تأمله بإعجابٍ وفي ظل استدارة أمه الخضراء أغرق في تسابيح قبيل العصر ثم بظلها صلى...
8- صالح طه – أريتريا ومقيم بالسعودية (غدير)
" غدير " قد رأت - ليلا – صغيرا قد بكى ..، أشفقت قالت من ترى أبكاك قل لي .. كفكفت من دمعه ، تاقت له ، سقته من ماء عطوف ، أغرقته ، وحينها كم يشتهي الظمآن مما قد رأى ، ويقول يا ليت الصغير أكونه .. يا ليتني .. يا ليتني.
***
</b></i>