لقاء الفرسان مع الاديب والناقد /سالم وريوش الحميد

[سالم وريوش الحميد]

الأستاذة سارة الحكيم
تحية طيبة

بين القديم والجديد ترابط لايمكن الإنفصام عنه لاتوجد مفاهيم قديمة ومفاهيم جديدة في التربية بل هناك أفكار مقبولة وأخرى غير مقبوله
لذا حين ندرس الفلسفة الإغريقية أيمكن أن نتهم بأننا أصحاب أفكار قديمة ، طبعا لا .. أننا لازلنا نتعلم من مفهيم التربية الإسلامية الكثير ولازالت كتبنا ممتلئة بتراثنا العظيم وهناك الكثير من الذين تخرجوا على مبادئه الساميةأ

و أما بالنسبة لسبب تدهور رواج المجلات و الكتب بين الأطفال فاسمح لي يا أستاذنا أن الأسباب التي طرحتها أيضا باتت قديمة و السبب الرئيسي في هذا العصر هو من نوع أخر ،
إن المجلات ما زالت تلقى رواجا في كل انحاء العالم بين الأطفال و حتى بين الشباب بمختلف اعمارهم و لكن ليس في عالمنا العربي ، و أنا أقول هذا من خبرة لأنني كنت ممن له اهتمام كبير بالمجلات و الكتب و كنت اتابعها بفراغ الصبر ، و لكن بعد فترة قد توقفت عن هذا ،و ممن هو مثلي في هذا الموقف الكثير الكثير ، و السبب هو بأن المجلات و انتم الجيل الكبير لم تعودوا ترتقوا معنا بالأفكار و الرؤية و لكن تستمرون بالتكلم بالمستوى نفسه و تنسون أننا نتابعكن و غدونا بمتسوى أعلى و نشعر أحيانا مثل لو كنا في الصف التحضيري أو ما قبل الصف الأول ،


أستاذتي العزيزة لو أدركت إن لاخلاف بيني وبينك في هذا الشأن لأن التدهور عم المنطقة العربية ولم أتكلم عن العالم لأني كما ذكرت فأن في العالم مؤسسات كبيرة جدا ربحية ، تعنى بالشكل التسوقي للكتاب فتعمد إلى خبرات فنية وأدبية وخبراء علم نفس حتى تضمن النجاح لما تنشر أما لافي بلداننا فيعتمد أدب الدولة الذي عادة مايكون ضعيفا في العالم يعنى بهذا الأدب بشكل كبير ومقابل ذلك هناك رواجا لأدب الأطفال

و حتى أنكم تقصرون في سماعنا و تشجيعنا ما يخالجنا من طموح و أحلام و تفيدونا من خبراتكم و أمي خير شاهد على هذا حيث أني حاولت أن أصل إلى مكتب المجلة التي طالما أحببتها و أمي لم تمنعني من رغبتي في ذلك و قد وصلت حقا و كنت قد طلبت منهم نصيحة لما لدي من طموح و سألتهم لو يقبلونني معهم في فريق عملهم ، و لكن كالعادة يتكلمون و لا يعطوا أي إجابة للسؤال الذي طرح و عدت متحيرة لردة فعلهم الغريبة

لك الحق في هذا لأننا امام مشكلة كبيرة وكثيرا ماتكون سببا في احباط أكثر من أديب ولاتستغربي إن قلت لك أنني عانيت مثل هذا الأهمال بل أكثر يصل إلى حد إني كنت أود أن أمزق كل ما كتبته ، قال لي أحد الأصدقاء حرام مثلك يكتب لأن فن الكتابة بحر فمن لم يتعلم السباحة سيغرق فقلت له ببرود ، سأتعلم السباحة وسيأتي اليوم الذي أعلمك هذا الفن ضحك بإستهزاء ثم مضى

أنا معك ولكن لاتعممي فهناك أساتذة كبار علمونا كيف نشكل الحروف وكيف نقرأ وكيف نكتب ، وكانوا خير موجه لنا ، الأديب بطبيعته العطاء ، لذا دائما هو يكتب عصارة أفكاره ليسوقها للقارئ لايبخل ولايضن بخبرته عن الغير ، لذا فإني أعتقد أن كاتبا لايقدم النصح ليس بأديب ، أما تشجيعكم فأعتقد أإن الأدب الجيد هو الذي يفرض نفسه فهناك أدباء شباب تخطوا أعمارهم بكثير لأن الموهبة لايحدها عمرا صحيح إنها تصقل بالخبرة ، لكن من يريد الوصول عليه أن يضع أمام ناظريه شيئا مهما
أن لايشعر باليأس أو الإحباط ، بل يكون الفشل هو الطريق إلى النجاح أن لاينشر لنا موضوع معناه إننا غير مؤهلين للكتابة لاننسى أن البشر لايملكون نفس الذائقة وأن الناشر الفلاني حين يرفض عملا يكون مستندا على قناعاته الخاصة ومزاجه النفسي وهذا لايمكن أن يكون حكما على قيمة العمل ، لذا فإني أنصح كل قلم مبدع او في طريقه للإبداع أن تكون قناعاته بنفسه وبقدراته الخلاقة قبل الأخرين ، أن يضع بحسبانه أنه مبدع ، وهو أول ناقد لأعماله
أستاذتي أرى أن طموحاتك جبارة ، وكلنا في فترة ما من حياتنا جالت في خاطرنا مثل هذه الأفكار ، واعتقد أنها طموحات ناتجة من ثقتك بنفسك ، وقدراتك على الإبداع ، واشعر أن قلمك سيكون له شأن لأن صاحبته تمتلك ثقافة واسعة ، وجرأة على طرح رأيها ،
مثل هذا القلم لا يثلم ، فنحن بحاجة إليكم مثلما أنتم بحاجة إلينا ،

و لكن كالعادة يتكلمون و لا يعطوا أي إجابة للسؤال الذي طرح و عدت متحيرة لردة فعلهم الغريبة ، ما زلتم تلومون الأطفال عن عدم رغبتهم في اقتناء الكتب و الكبار مما فيهم المعلمين و مديري المدارس و المعاهد و حتى الأقارب، في هذا الحال من البرود و الخمول و البخل في جوابهم و عطاءهم و تشجيعهم لنا؟
لا نلوم الطفل ولا نلوم أنفسنا بل نلوم المعنيين بشؤون الطفلوم مؤسساتنا التربوية لأنهم لم يقدموا شيئا له نلوم وزارة الثقافة والإعلام لأن ثقافة الطفل بمنأى عن برامجهم ، نلوم مؤسسات المجتمع المدني لأنها غير معنية بهموم الطفل ، أما نحن فمحكومين أيضا مثلكم بقوانين ويبقى دورنا محدود لأننا لسنا بمراكز القرار علينا أن نكتب ونكتب حتى يسمع كلامنا ،
نعم ما زلتم تلومون الغرب و انتم تتخيلون أنكم قد قدمتم دوركلامنات على أحسن وجه ، و لكنكم تغنون على ليلاكم و لستم معنا في أي شيء.


أستاذتي الغالية
ألا تعتقدي بأن الغرب يسير وفق مصالحه ولاتهمه مصالح الشعوب
وأن النظم الرأسمالية والاستعمارية قد وظفت كل شيء لخدمة هذه المصالح وما تمور به المنطقة الآن ما هو إلا نتاج لهذه السياسات ، والتي أضرت ببنانا التحتية ، ومزقت شعوبنا ودمرت الثقافة والفنون
أن العولمة والسياسات الأقتصادية التي فرضتها على اقتصاديات البلدان ماهو إلا دليل واضح على ذلك ، العراق على سبيل المثال ، ألقت عليه
دول التحالف ألوف الأطنان من القنابل المنضبة باليورانيوم والقناغبل العنقودية والفراغية وبسبب هذه الحرب يوجد في العراق أكثر من مليون 600 الف مصاب بالسرطان ، حسب آخر إحصائية لوزارة الصحة ، ولو سألنا سؤال واحد هل إن أمريكا شنت هذه الحرب لدوافع إنسانية أم مصلحية أكيد إنها دوافع مصلحية , أذن فلاغرابة أن تجند كل طاقاتها في سبيل هذه المصالح ، حين يسوقون لعبة لابد أنهم يتوخون الكثير من ورائها ، فألعاب عاصفة الصحراء هي تمجيد للشخصية الأمريكية ، وأفلام رامبو هي إظهار لقوة الأمريكي ، أنا لم أتكلم عن كل ما يسوق للطفل ، فالتكنولوجيا أي كانت هي كالذرة يمكنها أن تكون للبناء ويمكنها أن تكون للدمار ، المشكلة إن الكثير لا يعرف كيف يستخدم هذه التقنيات مثلها مثل النت يمكن أن نستخدمه للثقافة وبناء الإنسان ، كذلك يمكن أن يكون عنصر هدم للقيم
حين تقولين نحن قادرين على أن نشق طريقنا
جميل هذا الكلام أستاذة سارة جميل أن توجهوا أنفسكم التوجيه الصحيح ولكن أين نحن من شباب اليوم ، وكأننا نعيش في عالم آخر عالم ليس لنا فيه شيئا أتعتقدين أن الجيل الجديد بأكمله يمتلك توجها واحدا ورؤيا واحدة
الكثير من الشباب لاه في عالم غير عالم التغيير المنشود ، الكثير منهم يرى في الثقافة غير ما ترينه أنت وليس ما أراه أنا ، نحن سعداء أن نرى مثل هذا الإندفاع ، ولكن المجتمع وحركته محكومة بقوانين
أستاذتي إن المحرك للأحداث هو شكل الصراع فكلما كانت أشكال الصراع قوية كلما حركت الشباب وحركت الإبداع و حركت عجلة التأريخ وعادة الشباب هم الأكثر تحمسا لهذا التغيير والأكثر قدرة على صنع الثورات ، أما الكبار فدورهم دور الكتاب المفتوح إن شأت نهلت منه ماتريدين وأن شأت تغلقيه وتكتفين بقراءة العنوان أما أن نتنحى لكم فإني أعتقد أن الكرة في ملعبكم الآن ولن نقف عائقا في طريق تطوركم وأن الشباب هم القوة المؤثرة هم الداينمو المحرك
وأي قوة تكون ضعيفة اتجاها

"العيب في اعتقادي ليس في دور النشر أو المؤسسات الثقافية وإن كانت تتحمل بعض من القصور العيب في العائلة والمدرسة ، لأن تنمية المشاعر والإحساس بالمادة الأدبية يكاد يكون معدوما"
وهي أشارة ضمنية لتقصيرنا كآباء لاكأدباء
بالنسبة للأفلام
نعم هناك مضار لأفلام عنيتها أنا تلعب دورا في تخريب البناء النفسي السوي للجيل الجديد ولم أعن بكل الأفلام ، ولم أعني الأرباح المجنية من أفلام بل قلت إن دور النشر تهيء لكتابها ظروفا لأني ذكرت عن الفارق الكبير بين ما يجنيه الغربي من أرباح خيالية ،في نشر روايته وأدبه ، في حين أن الأديب العربي يعتمد كثيرا على نفسه في طبع و نشر وتسويق أعماله وعادة ما تكون هذه الأعمال خاسرة
مالذي يدفع الأديب إلى نشر رواية قد تكلفه كثيرا من المال ربما يقترضه ،
أنا لم أحصل على دينار واحد من أعمالي ، أكتبها وأطبعها على قرص
وأرسلها بنفسي إلى الجريدة ، ونادرا ما يلتقيني رئيس التحرير الذي يعيش في برجه العاجي ، من الباب أسلم نتاجي فترن في أذني نفس العبارة سننشرها إذا كانت صالحة للنشر ... وتقولين أن كل همنا المال ،
لا يا أستاذتي أنا عنيت أن الدعم المادي والمعنوي محفزان للإ دب
أستاذتي العزيزة
سارة

أنني معك في كثير ماذهبت إليه ، ولكن لسنا نحن من يتحمل المسؤولية في هذا كله نحن علينا أن نبدي النصيحة وأن ماذكرتيه بشأن أفكارنا القديمة الحقيقة أننا قدمنا ماعلينا في ظروف صعبة كانت فيه الأقلام مكبلة والأفواه مكممة ولا نستطيع أن نخطو خطوة واحدة دون رقيب ، تحصي علينا أنفاسنا الأدب لم يكن إلا أداة لمدح السلطان ،نحن ظلمنا أكثر ، ظلمنا لأننا لم نجد من يأخذ بيدنا ، طبول الحرب كانت تقرع والأعلام كله موجه لخدمة وإدامة هذه الحرب و الأديب أما كان منافقا أو يسلك طريق الصمت والتقية ،
وأكثرنا مال للصمت لأن الكلام معناه الموت
فدمت مبدعة وأكبر فيك هذه الروح النقدية والتواقة للمعرفة ،

أستاذة سارة شكرا لحضورك البهي الذي أضاف للقاء رونقا

[سارة الحكيم]

بسم الله الرحمن
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته :
أشكرك يا أستاذ على حسن إنصاتك لي و أعطائي من وقتك للإجابة علي ، أنا مقتنعة بكل حرف قلته ، و سأعقب عليه بعض التعليقات :
نعم أعترف بأن ليس كل الشباب توجهه على الصراط المستقيم الذي ننشده لهذه الأمة ، نسأل الله الهداية لكل الشباب ، و أرى بأنه لك موقف سلبي واضح من الإعلام مما تبثه من أفلام و قصص أجنبية ، و أنا معك في هذا ، نعم الغرب لهم مخططاتهم و لا يهمهم إذا كان مفيدا لغيرهم أو له واقع مدمر على الشباب ، و الحمد لله بأنني لم أحب أي فلم أو أتابع أو أي شيء من هذا القبيل ، لأنني بكل بساطة لم أتقبله ، و أسأل الله أن يرد الشباب ردا جميل و يفيقوا و يتنبهوا لما يشاهدون ،
و أما بالنسبة لما قلت لي بألا أظلم جميع الأساتذة ، فإن كان هذا في مجال الأدب فلك كل الحق أن تقول لي هذا ، و لكنني لست أديبة و قلمي لا يكتب الشعر و لكنه يرسم ، و بكل صراحة لا يوجد أحد دعمني أو نصحني من الكبار حتى المجلة التي ذهبت إليها ، و أعتقد أنك تدرك الشعور الكامن في صدر المرء الذي لا يستطيع كبت ما يجول في خاطره و سيعود قلمه يكتب او يرسم و لو لم يلاق دعما ، و أعتذر لو حملت عبئ المسؤولية كلها عليكم او كنت حادة في كلامي ، و أشكرك مرة أخرى على حسن إنصاتك و جزاك الله خيرا .