هل القرآن كتاب تاريخي؟ آخر تحديث:الجمعة ,24/12/2010
ماهر سقا أميني

بكل وضوح صادم يقول الجابري: “القرآن كتاب تاريخي، وللتعامل معه لا بد من فكر تاريخي متتبع لتطور الثقافة العربية وخصوصاً الجانب الكلامي والفقهي” . (جريدة الأيام الاسبوعية المغربية - سلسلة مواقف عدد 59 ص 11) . ما الذي يبقى من نقاط الالتقاء بين أي مسلم وهذا الطرح الذي لا يختلف فيه الجابري عن غيره من الحداثيين كنصر حامد ابوزيد ومحمد أركون؟ وما الذي يجعل رجلاً كالجابري يبذل كل هذه الجهود التلفيقية بعد إيمانه بأن القرآن الكريم كتاب تاريخي سبقه ما أثر فيه، وإننا لكي نتعامل مع القرآن الكريم تعاملاً علمياً يجب أن نضعه في سياقه من تطور الثقافة العربية والعقل العربي؟

إن القضية ليست قضية نقد للجابري أو غيره، وإنما هي وقوف في وجه تيار عابث بثوابت المسلمين، وهو يقوم بالتزوير باسم البحث العلمي والتطور والحداثة، ونحن وإن اشتغلنا على متن من أفكار الجابري، فإننا نقوم بالرد على شبهات الحداثيين في ألطف صيغة لها طرحت في الزمن المعاصر، هذه الشبهات التي اغتذت من الاستشراق مما فضحه أمثال إدوارد سعيد وغيره فضلاً عن الإسلاميين .

إن تاريخية القرآن هي مفتاح فهمه عند الجابري، الذي يصف إيمان المثقفين من المسلمين وحتى حفاظ القرآن بأنه إيمان العجائز، وهو كما يقول إيمان الجهل بالقرآن وبما فيه وبظروفه، وهو إيمان مقبول من الناحية الدينية، ولكنه غير مقبول من الناحية الفكرية . (المرجع نفسه 19) .

إن هذا يعني أن كل ماكتب عبر العصور وفي الزمن الحاضر في علوم القرآن وتفسيره ووجوه الاعجاز فيه والتصور الاسلامي المتكامل للسنن في النفس والآفاق فيه هو مجرد إيمان عجائز، والجابري بفهمه التاريخي المعطل للقرآن والمؤول له هو الوحيد الذي يستحق أن يقال أنه فهم القرآن الكريم واستوعب مافيه .

ان المسلمين - حسب الجابري - يقرؤون القرآن مقلوباً، لأنهم يبدؤون بالبقرة وفيها آيات من آخر ما أنزل، وهو يعلل ذلك بأن الدولة الإسلامية كانت بحاجة الى قرآن التشريع أكثر من قرآن التوحيد الذي نزل في مكة، وكأن الترتيب قد حصل عند تشكل الدولة، أي في عصر الخليفة الراشدي عمر رضي الله عنه في أحسن الأحوال، وكنا قد ذكرنا بالأدلة أن القرآن الكريم رتب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبتوقيف من جبريل عليه السلام، وهذا لا يمكن أن يتفق مع ادعاء الجابري بأننا نقرأ القرآن مقلوباً .

إننا حسب الجابري - بحاجة الى أن نقرأ القرآن كما نزل منجماً خلال ثلاث وعشرين سنة، من أجل فهم التساوق بين القرآن والسيرة النبوية مما غفل عنه كل المفسرين، ونحن نسأل هل قرأ الجابري كتب التفسير مع عنايتها بأسباب النزول وذكر المأثور فيما يخص معاني القرآن الكريم؟ لأننا نجد عكس ذلك تماماً في كتب التفسير التي اعتمدت أول ما اعتمدت أحداث السيرة ومفردات السنة في فهم معاني القرآن الكريم، ولكن الجابري يريد لأحداث السيرة ومفردات السنة النبوية أن تكون مما يربط معاني القرآن بظروف مرت وتم تجاوزها، وهي مشكلة كل الحداثيين الذين على ما يبدو لا يؤمنون بالمشترك في حياة الإنسان ولا يريدون أن يسلموا بقدرة من أنزل القرآن على مخاطبة الجوهري المشترك في حياة الناس على مدى الأزمان، فذلك تفسير- تفسير المفسرين - يجعل القرآن الكريم معاصرًا لوقت نزوله، في حين أن الجابري يريد تفسيراً معاصراً لنا، وهو التفسير الذي سوف يسقط فيه الجابري مصطلحات الحداثة الأوروبية وقيمها على القرآن الكريم كمن يريد أن يحصر المحيط في مستنقعات ظهر أسنها للناس، فإذا كان القرآن الكريم وحياً من عند الله فما الذي يجعلنا نبحث عن لغة غير لغته وقيم غير قيمه وترجيحات غير ترجيحاته، أليس في تأويل القرآن باستخدام قاموس مفردات غريبة عنه تشويهاً له وانطاقاً بما لم ينطقه،كمن يبحث عن الاشتراكية أو حقوق الإنسان أو العولمة أوالصراع الطبقي أو صدام الحضارات في القرآن ومعانيه؟ وأليس هذا ما جعل الجابري يرفض حد الردة وغيره من الحدود، وحجاب المرأة الواجب في الإسلام ليعصرن القرآن .