خامساّ: ما بعد التعليم العام من منظور مختلف
عند البحث عن تطوير التعليم العالى لا يمكننا فصل إرتباط التعليم العام وتأثيره على التعليم العالى. وكلا التعليم العام والعالى مرتبط بسياسة الدولة العلمية وفكرها التعليمى. فقد تعود الطلاب ان يذهبوا إلى الجامعة بعد إنهاء تعليمهم العام ، لذلك فلابد ان يكون هناك إرتباط بين وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى ، وهذا الرابط هو وضع أهداف كلا الوزارتين وسياستهما ضمن إستراتيجية الدولة وفكرها الوطنى و القومى والقطرى والدولى. والأساس فى كل ذلك هو مواصفات المواطن الذى تعمل على تحقيقه إستراتيجية الدولة فى محيطها المحلى والعالمى. والسؤال هو أى مواطن تريده الدولة وتعمل على تكوينه من خلال كل أنظمتها التعليمية و الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والدفاعية؟ من الذى يقوم بتحقيق سياسة الدولة العلمية والبحثية والتعليمية غير المواطن ، فكيف نعده ليحقق طموحات دولتة وأماله هو أيضاّ؟ ومن ناحية أخرى فالمتخرج من النظام التعليمى يجب ان يجد لة عملاّ مناسباّ ووظيفة ، وان كان النظام التعليمى غير مسئول عن توفير فرص عمل للمتخرجين فإن المجتمع والدولة هما المسؤلان الأساسيان عن توفير فرص العمل من خلال مؤسسات الدولة ووزاراتها ومصانعها وشركاتها والأسواق وغيرها من اماكن تحتاج عمال وموظفين ومهندسين ومدرسين وأطباء وغيرهم. ودور الدولة هنا أساسى فى وضع القوانين والتشريعات التى تسهل هذا الإنسجام والتألف بين الدولة والمجتمع بكل كياناته للتعاون من أجل مواطن يثق فى دولته وفى مجتمعه ويزيد إنتمائة وولائه لهما ، ويوثق إرتباطه بأرضه مع مبالاته وعدم إنعزاله عن مواطنيه مع التوازن بين فرديته وأنانيته وواجباته تجاه الأخرين. أليس كل هذا يدخل فى مفاهيم التنمية البشرية؟ وهل يمكن للبلد أن يتقدم فى كل المجالات دون هذا الإنسجام بين مؤسسات الدولة ومواطنيها؟ وهل يمكن تحقيق أهداف الدولة وإستراتيجيتها دون وجود هذا النوع من المواطنين؟
إذن لا يمكن فصل نظام التعليم عن كل أنظمة الدولة ، وإذا أردنا ان نطور نظام التعليم ونبحث عن جودته دون أخذ هذه الإعتبارات ، فإن مفهوم التطوير يفقد كثيرا من معانيه وأهدافه ويصبح التجويد مصطلح بلا معنى وتفقد الدولة والمجتمع قوة جهازها المناعى ، وتصبح أكثر عرضة للأمراض. ومن أجل الربط بين نظام التعليم وخريجيه وبين الدولة والمجتمع المدنى ، أقدم هذا الإقتراح لمرحلة أخرى موازية للتعليم العالى. هذه المرحلة إختيارية للطالب بعكس مرحلة التعليم العام الإجبارية لكل مواطن. فى هذه المرحلة على الطالب ان يختار ما يراة مناسباّ له كمستقبل مهنى. ألإختيار هنا مرتبط بتصنيف الطالب تبعاّ لكفاءاته وقدراته ومهارته وهواياته التى سوف يتم قياسها فى مرحلة التعليم العام.
ما أقترحه هنا يحتاج تأمل طويل، ومناقشات جادة لأنه إقتراح جديد ومن منظور مختلف. من المفترض ان يقوم نظام التعليم العام المقترح على إخراج أعداد كبيرة من المواطنين بمهارات وقدرات ومواهب وإستعددات مختلفة. فى العلم والأدب والفن والأعمال اليدوية والحرفية ، وغيرها. ولابد ان تعمل طرق التقويم فى السنة الأخيرة من التعليم العام لتصنيف الطلاب على هذا الأساس. وهذا التصنيف هو الذى يساعد على توجيه الطلاب لإختيار مستقبلهم المهنى بعد مرحلة التعليم العام. فى الفترة التالية بعد التقويم يستطيع الطالب بمساعدة مشرفين ومدرسين ومربيين من مدرسته ان يحددوا ميول الطالب ورغبته فى مجال عمله المستقبلى. يمكن للطالب ان يميل الى العمل فى شركة او مؤسسة او مصنع او وزارة معينة او مدرسة او بنك أو سلك القضاء والمحاماة أو فى مستشفى أو فى عمل حر أو فى ورشة أو محل تجارى أو مطعم أو فى كتابة الشعر أو القصة أو العمل الصحفى أو العمل الدينى أو ان يكمل دراسته فى الجامعة. ويكون من مسئولية الدولة ان تضع قوائم بكل الأماكن الممكن ان يعمل فيها المتخرج مستقبلاّ . وتعمل الدولة بالتعاون مع المسؤلين عن التشغيل فى أماكن العمل الممكنة لمعرفة متطلباتها من عمالة فى السنين القادمة. وبناءّ على ذلك يتقدم الطالب المتخرج من التعليم العام إلى جهة العمل التى يرغب فيها وتكون مسئولية هذة الجهة هى إكمال تعليم وتأهيل المقبول بحيث يحقق مؤهلات العمل المطلوب ومهاراتة ، وهذا ما تحدده الجهة التى سيعمل بها ، فهى التى تحدد نوع المعارف والمهارات المطلوبة وتعمل وحدها أو بالإتفاق مع الجامعة على وضع المقررات اللازمة لذلك. أويمكن لكل جهات عمل متشابهه ان تنشىء كليات لها تعمل على تأهيل موظفوا المستقبل وتضمن لهم العمل أيضاّ. وبناء على ذلك تكون أحد مسؤليات كل أماكن العمل فى الدولة هى تحديد إحتياجها من العمال والموظفين مستقبلاّ ، وتقوم بإختيارهم مقدماّ من خريجى التعليم العام ، وتعمل على إكمال تعليمهم وتأهيلهم كعمالة لها فى السنين القادمة. وتعمل هيئات العمل على إختيار ما يلائمها من مقررات ومعارف ومهارات ، لإكمال تعليم ما إختارتهم وهى مسؤلة بالصرف عليهم. ويمكن لها ان تاخذ ما صرفته عليهم من مرتباتهم بعد تخرجهم. وهذه المرحلة مصصمة لخدمة المجتمع من خلال الوظيفة، ولخدمة سوق العمل ولتحقيق حاجات المتخرج الراغب فى العمل . هذا عن المقترح الجديد بالتعليم الموازى للتعليم الجامعى ، وماذا عن التعليم الجامعى؟
:d:d