-
باحث في علم الاجتماع
سورية: أمريكا هي إسرائيل!
سورية: أمريكا هي إسرائيل!
الاطراد الثوري والنزعة الدينية
مصطفى إنشاصي
كتبت في 13 كانون الأول/يناير 2007 بعد الانقسام الفلسطيني بشهور، وبعد عشرين يوماً من استقالتي وتوقيف التعاون الإعلامي مع حماس لأنها لم تعد مقاومة، موجهاً مقالتي هذه إلى إليها لأنها بدأت تعيد ما حذرتهم منه على مدار ثلاثة سنوات قبل تقديم استقالتي حواراً وكتابة، إنتاج تجربة م. ت. ف وفصائلها، وبعدها بثمانية عشرة يوماً في الذكرى الثالثة والأربعون لانطلاقة فتح بدأت كتابة تجربة فتح ومنظمة التحرير في تسعة حلقات، عساهم يتعلموا منها لكنهم يعرفون ما يريدون!
كتبت: معلوم أن الثورة هي حركة اجتماعية عنيفة ينتج عنها بناء ثقافة مجتمعية، يتكون في إطار تلك الثقافة حضارة توفر الشروط والضمانات الضرورية لأفراد ذلك المجتمع. وعندما تحدث المفكر المسلم الجزائري مالك بن نبي عن الاطراد ودوره في بناء ثقافة أي مجتمع والحفاظ على استمرار تطوره وعطاءه الحضاري، لم ينسى الحديث عن الاطراد الثوري وقد خص به الثورتين الجزائرية والفلسطينية في أحد كتبه عام 1968؛ ونصح المتفائلين بالثورة الفلسطينية آنذاك في أنها ستُحدث تغيير إيجابي على صعيد الواقع الاجتماعي العربي والفلسطيني بالتحديد ألا يتفاءلوا كثيراً، بل إنه توقع أن تنتهي الثورة الفلسطينية إلى يد مجموعة من الانتهازيين والوصوليين والمدسوسين الحريصين على ما حققته الثورة لهم من مكاسب ومصالح خاصة على حساب مكاسب ومصالح بقية أفراد المجتمع. وقد حدد أن نقاط الضعف التي يمكن أن تُصيب أي ثورة هي عند انتقالها من مرحلة لأُخرى، فكتب يقول:
وإذا قدرنا أن الثورة بوصفها اطراداً، فإن لها روابط تربط بين أطرافها أي مفاصلها، وتكون نقاط الضعف غالباً، عندما تنتقل من مرحلة في الاطراد إلى التي تليها. ذلك لأن نجاح الثورة أو فشلها؛ هو بقدر ما تحتفظ بمحتواها أو تضيعه في الطريق وهذا كله يخضع لقانون. فالثورة لا تَرتجل، إنها اطراد طويل، يحتوي ما قبل الثورة، والثورة نفسها، وما بعدها، والمراحل الثلاث هذه لا تجتمع فيه بمجرد إضافة زمنية، بل تمثل فيه نمواً عضوياً وتطوراً تاريخياً مستمراً، وإذا حدث أي خلل في هذا النمو وفي هذا التطور، فقد تكون النتيجة زهيدة تخيب الآمال. فالثورة ليست كإحدى الحروب تدور رحاها مع العدو والعتاد، بل إنها تعتمد على الروح والعقيدة. وإذا فقدت الروح والعقيدة فإنها قد تتغير إلى "لا ثورة" بل قد تصبح "ضد الثورة" بطريقة واضحة خفية، والأمر الذي لا يجوز أن يغيب عن أذهاننا في هذا الصدد هو أن مجتمعاً ما بمقتضى طبيعته البشرية ينطوي على خمائر من روح "ما ضد الثورة" طبقاً لمبدأ التناقض تناقضاً مستمراً. حتى في فترة ثورية نستطيع تتبع آثارها في تاريخ الثورات، تتبعاً لا يغني معه أن ندفع عجلة الثورة في وطن ما، بل يجب أن نتتبع حركتها ورقابتها بعد ذلك. كما حذر من نزعة الانفرادية؛ لأن كل نزعة تمليها الانفرادية، هي بالتالي على حساب السيادة الوطنية.
... ولكن سأُذكر بأن السبب الرئيس فيما حدث في ثورتنا الفلسطينية هو غياب النزعة الدينية في النفوس التي مازالوا يحاربونها، فقد اختار بن نبي للتعبير عن أهمية تلك النزعة في نفس الثائر عبارة للثائر العالمي تشي جيفارا قالها في مقابلة أجراها معه (جان دانييل)، وهي: "إذا لم يُعنَ بتغيير الإنسان فالثورة لا تعني إذن شيئاً بالنسبة لي".
وقد علق جان دانييل على تلك الكلمة بأنه كان يشعر أثناء حديثه مع جيفارا وهو يقول تلك الكلمات "بنفس تتخللها حدة دينية". وبالفعل فالثورة التي لا تحركها هزة تكاد تكون شطحة صوفية ليست بثورة. والتغييرات الثورية تصبح حلماً من الأحلام إذا لم تقم على هذا الشرط. لذلك تتبخر أحلامنا الوطنية يوماً عن يوم، ويتمنى كثير منا لو يعود بنا التاريخ إلى الوراء!
تلك الحدة الدينية أو الشطحة الصوفية ليست:
لحية ولا آية تتلا هنا وحديث يقال هناك، لكنها صدق إيمان في تقوى ترجمتها فعل، عمل، موقف، ثقافة، ثبات على المنهج ...
الأمم العظيمة تصنعها الآلام والمعاناة العظيمة ... التنازل والتودد للعدو لا خير فيه إن كان ربك الله...!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى