الفكر الضنين د. ريمه الخاني

طلب مني رحمه الله [1]دفترا وقلما، فتح هذا الدفتر وحاول الكتابة أسوة بما يراه فينا من كتابة وتدوين إدماني، كل حسب حاجته وغرضه وتوجهاته، لم يستطع في الحقيقة كتابة أيَّ شيء...نظر للسماء ورماه أرضا...
فعلا لم يكن كاتبا ولاأديبا، إنما كان مثقفا واعيا، و قارئا نهما، ومحدثا بارعا، لكن قريحته لم ترتق لمصاف أهل القلم هذا كل شيء.
هذا لايقاس على من يقرأ كثيرا، وتضن ذاكرته وفكره بما قرأ كتوظيف، بمعنى:
تمر به الكتب ويقوم بالسباحة في تيارها الجميل سعيدا، وكلما أغلقها لم تسعفه ذاكرته في تذكر أغلب ماقرأ، إلا بالقليل الشحيح، قالوها قديما:
قيد الفكر الكتابة، قيّد ماتراه يفيد ويعطي، حدث به، وقيد من أين أتتك تلك المعلومة في دفتر مخصص، أو ملف ألكتروني ستعود إليه يوما ما.
وعليك اليقين أن ليس كل ما يجود به الانترنيت هو كل شيء، فهناك كتب لم تصل إليها الأيادي بعد.
إن الفكر الضنين ، صنو الجيب الضنين، قد لايكون بخلا، لكن سوء توظيف، إنه يقدم وينفق وهو غاصّ بما أنفق فكرم النفس ككرم القلم، توقف عندها قليلا، فتشعر أن الحس بالمسؤولية تجاه فائدة من حولك ممن يهمك أمره، يفرض عليك هذا،لافرق البتة.
من جهة أخرى، ليس كل ماتجود به الذاكرة جيد، بل مايخرج عسلا ممزوجا بالنفس مهم أكثر، بحيث تضيف على الفكرة حلة من عندك، وتلك مرحلة متقدمة، أضف عليها تجربتك الخاصة رأيك الخاص، رؤيتك وتشوفك للمستقبل الخ.
لاتكن ضنينا في تقييد الفكرة بالكتابة، أفقْ ذاكرتك بتخفيزها بعالم اجتماعي إيجابي، أنشر جميل ومفيد الأفكار، لتكون مستفيدا ومفيدا، و لاترغمها على ولوج عالم ترفضه، بل ترتقي به، فنحن نتقبل مرغمين مانرفضه ضمنا، نحاول أن نجعله محفزا لنا فنراه محبطا ومخيبا، كلمة :
لاأريد، توفر عليك طاقة ووقتا ومتاعبَ جمة أنت بغنى عنها.
فهل هذا من مسببات تناثر الفكرة تبخرها خارجا ، ومن ثم تلاشيها.
الفكر الضنين أسير أمرين:
ذاكرة غير متمرسة على التحدث بما قرأت، والاستفادة منه، والتذكر بإصرار لإخراج ماملئ بها وعالم محبط مخيب للآمال، يجعلك أحيانا تعتقد أن لاأحد يستحق مثلا..وهذا ليس بقاعدة، بل أنت دليل حي وسمة عن شخصك تقدمها للجميع، وبصمة وتاثير.
أما موهبة الكتابة حصرا، فهي رهينة توظيف ماتقرأ، وكم من قراء، لم يعلق بذاكرتهم إلا القليل حدّث من حولك ببعضها تحفظها، وبما لاتريد نشره إلا في كتاباتك مثلا، لتتمكن منه الذاكرة، كن ضنينا بكل جديد تسبق به غيرك، أوقدمه بطريقة تجلب لك الفوائد.
فليس كل مايسمع يقال، وليس كل مايقرأ يقال كذلك...
أن تكن ضنينا بما لديك، ليس عنصرا سلبيا دائما، فهناك مايجب أن تعتبر نفسك نسيته عند مواجهة سؤال لامحل له من الأهمية...لكن تُعتبر ضنينا عندما تملك فكرة مهمة وملهمة و مفيدة، ولاتقدمها لمن يحتاج إليها، بما لايضرك.
السؤال اجتماعي المستفز يعتبر من مفاتيح التفكير في بدء الحوار، و في بدء الحديث منفر إلا لو كان ضمن السياق المناسب:
-ماعمرك؟
هل نحن في دائرة حكومية؟.
-ماذا تتقن؟
نحن هنا في مواجهة أنفسنا تماما..إن كان المقام في المجالس إيجابيا لنا، بحيث نود الطرف الآخر أو لنا معه عمل ما.
هي طريقة تفكير تخرج مافي نفسك من مهم، تتنفسه راحة وعطاء، بعد ذلك كلمة مفتاحية كبيرة...
الفكر الضنين قسمان:
قسم معرفي غير موظف توظيفا جيدا لصالحك، وقسم عليك استعماله بحكمة لئلا تقدم نفسك اجتماعيا بشكل غير ملائم، ضع نفسك في المكان المناسب، حتى لاتضيع الفكرة لمسار لافائدة منه ولامستمع.
إذن هما مفهومان ، مفهوم ذاتي لمنفعتك الخاصة الكتابية البحثية الخ، بحيث لاتضيع فكرة التقطتها يوما، وقسم صالح للنشر.
الصفات السيئة لم تكتسب سوءها دائما إلا من خلال مكانها الذي وجدت فيه، فالحرب خدعة ، نعم لأنها الحرب، لكنها في الحياة الاجتماعية سيئة على غالبيتها، فرشد وانتبه لما تقولها وتفعله، فليس كل مايعرف يقال.
كن مخططا ممتازا في أطراف كلماتك، موقنا بما أنت عازم عليه، واعيا بما يفيد ومالايفيد، تعرف تماما ماذا تعني عبارة: فكر ضنين...تعرف أين أنت الآن.
24-3-2018


[1] والد زوجي مفتش الدولة سابقا: محمد واصف الحكيم