القاضي أبو عمر القاضي الأزدي
النسب و المولد: هو : الإمام الكبير ، قاضي القضاة ، أبو عمر ، القاضي ببغداد ومعاملاتها في سائر البلاد محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ، ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي المالكي .كان مولده بالبصرة لتسع خلون من رجب سنة ثلاث وأربعين و مائتين .
صفاته وملامح شخصيته : لم يكن للقاضي أبو عمر نظير في الحكام عقلاً وحلماً وذكاء ، فلقد كان مضرب المثل بعقله وسداده وحلمه ، حتى إنه ليقال في العاقل الرشيد : كأنه أبو عمر القاضي ، وفى الحليم : لو أنى أبو عمر القاضي ما صبرت .وكان من أهم ما يميز ملامح شخصيته اتصافه بالكرم والزهد في الدنيا وحسن المعاشرة ، ومما جاء في ذلك ما رواه البغدادي عن طريق بعض شهود الحضرة القدماء حيث يقول : كنت بحضرة أبي عمر القاضي وجماعة من شهوده وخلفائه الذين يأنس بهم، فأُحضر ثوبا يمانيا قيل له في ثمنه خمسين دينارا ، فاستحسنه كل من حضر المجلس ، فقال : يا غلام ، هات القلانسي ، فجاء فقال : اقطع جميع هذا الثوب قلانس واحمل إلى كل واحد من أصحابنا قلنسوة ، ثم التفت إلينا فقال : إنكم استحسنتموه بأجمعكم ، ولو استحسنه واحد لوهبته له ، فلما اشتركتم في استحسانه لم أجد طريقا إلى أن يحصل لكم واحد شيء منه إلا بأن أجعله قلانس فيأخذ كل واحد منكم واحدة منها .[1]
أبو عمر والقضاء: نشأ أبو عمر في بيت القضاء ، حيث كان أبوه قاضيا ، وقد استخلفه على القضاء في حياته ، ففي سنة أربع وثمانين ومائتين ولي أبو عمر قضاء مدينة المنصور والأعمال المتصلة بها ، والقضاء بين أهل بزرج سابور و الراذانين و سكرود و قطربل ، وجلس في المسجد الجامع بالمدينة .ثم استخلف لأبيه يوسف على القضاء بالجانب الشرقي ، فكان يحكم بين أهل مدينة المنصور رياسة وبين أهل الجانب الشرقي خلافة إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين ؛ فإن أبا حازم توفي وكان قاضيا على الكرخ أعنى الشرقية ، فنقل أبو عمر عن مدينة المنصور إلى قضاء الشرقية فكان على ذلك إلى سنة ست وتسعين ومائتين .ثم صُرف هو ووالده يوسف عن جميع ما كان إليهما ، وتوفي والده سنة سبع وتسعين ومائتين وما زال أبو عمر ملازما لمنزله إلى سنة إحدى وثلاثمائة ؛ فان أبا الحسن علي بن عيسى تقلد الوزارة فأشار على المقتدر به ، فرضى عنه وقلده الجانب الشرقي والشرقية ، وعدة نواح من السواد والشام والحرمين واليمن وغير ذلك ، وقلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة .[2]
آثار القاضي أبو عمر وحياته العلمية : كانت حياة أبو عمر القاضي كلها حافلة بالعطاء، فقد روى الكثير عن المشايخ ، وسمع محمد بن الوليد البسري والحسن بن أبى الربيع الجرجاني وزيد بن أخرم وعثمان بن هشام بن دلهم ومحمد بن إسحاق الصاغاني وطبقتهم ، وكان ثقة فاضلا، وحدث عنه الدارقطني والقاضي أبو بكر الأبهري الفقيه وأبو بكر بن المقرئ ويوسف بن عمر القواس وأبو القاسم بن حبابة وعيسى بن الوزير وغيرهم من الحفاظ ، وكان من النجابة في ذلك أنه كان يذكر عن جده يعقوب حديثا لقنه إياه وهو بن أربع سنين ، وهو عن وهب بن جرير عن أبيه عن الحسن أنه قال : لا بأس بالكحل للصائم .فقد حمل الناس عنه علما كثيرا من الحديث وكتب الفقه التي صنفها إسماعيل يعنى بن إسحاق وقطعة من التفسير، وقد صنف مسنداً كبيراً قرأ أكثره على الناس ، ولم ير الناس ببغداد أحسن من مجلسه . وكان العلماء وأصحاب الحديث يتجملون بحضور مجلسه ، حتى إنه كان إذا جلس للحديث جلس أبو القاسم بن منيع عن يمينه - وهو قريب من أبيه في السن والسند - و جلس عن يساره أيضا ابن صاعد ، وبين يديه أبو بكر النيسابوري ، وسائر الحفاظ حول سريره من كل جانب ، قالوا : ولم ينتقد عليه حكم من أحكامه أخطأ فيه قط .[3]
نماذج من أقضيته :
يقول ابن كثير: " وكان من أكبر صواب أحكامه وأصوبها قتله الحسين بن منصور الحلاج في سنة تسع وثلاثمائة" ، يقصد قضاؤه بحل دمه (الحلاج) وذلك سنة 309هـ ، وهذه هي قصة الموقف ( انظر ترجمة الحلاج في نهاية البحث ) :يذكر ابن كثير أنه " لما كان آخر مجلس من مجالسه (مجالس الحلاج وكان محبوسا) أحضر القاضي أبو عمر محمد بن يوسف وجيء بالحلاج وقد أحضر له كتاب من دور بعض أصحابه وفيه : من أراد الحج ولم يتيسر له فليبن في داره بيتا لا يناله شيء من النجاسة ولا يمكن أحدا من دخوله ، فإذا كان في أيام الحج فليصم ثلاثة أيام وليطف به كما يطاف بالكعبة ، ثم يفعل في داره ما يفعله الحجيج بمكة ، ثم يستدعي بثلاثين يتيما فيطعمهم من طعامه ويتولى خدمتهم بنفسه، ثم يكسوهم قميصا قميصا ويعطي كل واحد منهم سبعة دراهم أو قال ثلاثة دراهم، فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج .وإن من صام ثلاثة أيام لا يفطر إلا في اليوم الرابع على ورقات هندبا أجزأه ذلك عن صيام رمضان ، ومن صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى آخره أجزأه ذلك عن الصلاة بعد ذلك ، وأن من جاور بمقابر الشهداء وبمقابر قريش عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ثم لا يفطر إلا على شيء من خبز الشعير والملح الجريش أغناه ذلك عن العبادة في بقية عمره .فقال له القاضي أبو عمر : من أين لك هذا ؟ فقال : من كتاب الإخلاص للحسن البصري فقال له : كذبت يا حلال الدم ؛ قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن بمكة ليس فيه شيء من هذا، فأقبل الوزير على القاضي فقال له : قد قلت : " يا حلال الدم " فاكتب ذلك في هذه الورقة وألح عليه وقدم له الدواة ، فكتب ذلك في تلك الورقة وكتب من حضر خطوطهم فيها وأنفذها الوزير إلى المقتدر.." فما لبث ثلاثة أيام حتى قتل .وبجانب هذه التي تعد من أهم قضاياه ، فقد حكى البغدادي أن أبا عمر القاضي قال : قدّم إليه بن النديم بن المنجم في شيء كان بينهما ، فقال له بن المنجم : إن هذا يدل بخاصة له عند القاضي ، فقال أبو عمر : ما أنكرها ، وإنها لنافعة له عندي غير ضارة لك ، إن كان الحق له كفيناه مئونة اجتذابه ، وإن كان عليه سلمناه إليك من غير استذلال له .وفي صفة مقدرته في القضاء وتمكنه منه يقول البغدادي : " حدثنا على بن أبى علي المعدل حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق قال : قال لي أبو إسحاق إبراهيم بن جابر الفقيه الذي تقلد بعد ذلك القضاء (أي بعد القاضي أبو عمر) : لما ولي أبو عمر محمد بن يوسف القضاء طمعنا في أن نتتبعه بالخطأ لما كنا نعلم من قلة فقهه ، فكنا نستفتى فنقول : امضوا إلى القاضي، ونراعى ما يحكم به ، فيدافع عن الأحكام مدافعة أحسن من فصل الحكم على واجبه وألطف ، ثم تجيئنا الفتاوى في تلك القصص فنخاف أن نخرج إن لم نفت ، فنفتى فتعود الفتاوى إليه فيحكم بما يفتى به الفقهاء ، فما عثرنا عليه بخطأة ".
آراء العلماء فيه :
بلغ القاضي أبو عمر شأوا عظيما عند العلماء ، حتى لقد قال عنه ابن كثير: " كان من أئمة الإسلام علما ومعرفة وفصاحة وبلاغة وعقلا ورياسة بحيث كان يضرب بعقله المثل ".ووصفه الخطيب البغدادي فقال : " أبو عمر محمد بن يوسف في الحكام لا نظير له عقلا وحلما وذكاء وتمكنا ، واستيفاء للمعانى الكثيرة باللفظ اليسير، مع معرفته بأقدار الناس ومواضعهم وحسن التأني في الأحكام والحفظ لما يجرى على يده ".وقد أعطاه بعض حقه طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد حيث قال : " أبو عمر محمد بن يوسف من تصفح أخبار الناس لم يخف عليه موضعه ، وإذا بالغنا في وصفه كنا إلى التقصير فيما نذكره من ذلك أقرب ، ومن سعادة جده أن المثل ضرب بعقله وحلمه وانتشر على لسان الخطير والحقير ذكر فضله ، حتى إن الإنسان كان إذا بالغ في وصف رجل قال : كأنه أبو عمر القاضي ، وإذا امتلأ الإنسان غيظا قال : لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت ، سوى ما أنضاف إلى ذلك من الجلالة والرياسة والصبر على المكاره ، واحتمال كل جريرة إن لحقته من عدوه وغلط إن جرى من صديقه ، وتعطفه بالإحسان إلى الكبير والصغير ، واصطناع المعروف عند الداني و القاصي ، ومداراته للنظير والتابع ..".وفي جماع ذلك كله يقول الخطيب البغدادي أيضا : " سمعت على بن محمد بن الحسن الحربي يقول : كان يقال : إن إسماعيل القاضي بكاتبه ، ويوسف القاضي بابنه ، وأبو الحسين بن أبى عمر بأبيه ، والوصف في جميع هذه الأمور عائد إلى أبى عمر أو كما قال ".[4]
ما أُخذ على أبو عمر القاضي : أن يسعى الإنسان للكمال ويقترب منه فهذه مندوحة أيما مندوحة ، ولكن كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه ، فالكمال لصاحب الكمال، ويأبى الله إلا أن يتفرد بالكمال ، وقد قيل: إن لكل جواد كبوة كما لكل عالم هفوة ، بهذه البداءة كان التقديم لحادث أُخذ على القاضي أبو عمر ما كان ينبغي أن يُقدم عليه .فقد ذكر ابن الأثير والطبري وغيرهما أن القاسم بن عبيد الله وزير الخليفة المكتفي كان يكره القائد بدر المعتضدي ، وكان يعمل على قتله ، فأخذ يوغر صدر الخليفة عليه، وكان بدر في واسط ( مدينة في وسط السواد بالعراق بناها الحجاج بن يوسف الثقفي ) مع قادة آخرين يقوم بمهمة عسكرية ، فدعاه الوزير إلى بغداد فامتنع ، فدعا الوزير أبا حزم قاضي المنطقة الشرقية ببغداد وطلب إليه أن يذهب إلى بدر ويطيب نفس الخليفة عليه ويدفع إليه كتاب أمان منه ، فطلب القاضي أبو حزم من الوزير أن يسمع ذلك من الخليفة بالذات ، فصرفه الوزير .ثم دعا القاضي أبا عمر وقال له مثل ما قال للقاضي أبي حازم ، فسار إلى بدر وبلغه أمان الخليفة، فخرج بدر من واسط يريد بغداد ، فأرسل الوزير غلمانا وأمرهم بقتله ، فلما وصل إل المدائن تنحى عنه القاضي عمر، و فجأة الغلمان فقتلوه وحملوا رأسه للوزير.وقد تكلم الناس فيه وقالوا : هو كان السبب في قتل بدر، وقالوا فيه شعرا فيه طعن وهجاء لما فعل من تمكين وزير حقود قتل قائد كبير في يوم جمعة وفي شهر الصوم ، وقيل إن أبا عمر القاضي رجع إلى داره بعد هذا الحدث كئيبا حزينا لما كان منه في ذلك، ومما قيل فيه :قل لقاضي مدينة المنصور... بم أحللت أخذ رأس الأميربعد إعطائه المواثيق والعهد ... وعقد الأمان في منشور أين أيمانك التي شهد الله ... على أنها يمين فجورأن كفيك لا تفارق كفيه ... إلى أن ترى مليك السريريا قليل الحياء يا أكذب الأمة... يا شاهداً شهادة زورليس هذا فعل القضاة ولا يحسن ... أمثاله ولاة الجسورأي أمر ركبت في الجمعة الغراء... من ذي شهر خير الشهورقد مضى من قتلت في رمضان ... صائما بعد سجدة التعفيريا بني يوسف بن يعقوب أضحى... أهل بغداد منكم في غروربدد الله شملكم وأراني... ذلكم في حياة هذا الوزيرفأعد الجواب للحكم العدل ... من بعد منكر ونكير[5]
وفاته : يقول البغدادي: " قال البرقاني أو كما قال لي الحمدوني : حدثنا على بن المحسن من حفظه حدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي قال : قال لي أبي دخلت يوما على القاضي أبو عمر محمد بن يوسف وبين يديه بن ابنه أبو نصر وقد ترعرع ، فقال لي : يا أبا بكر:إذا الرجال ولدت أولاده ... واضطربت من كبر أعضداهاوجعلت إعلالها تعداده ... فهي زروع قد دنى حصادهافقلت : يبقى الله القاضي، فقال ثم أيش ؟؟!!ففي يوم الأربعاء لخمس بقين وقيل لسبع بقين من شهر رمضان سنة عشرين وثلاثمائة فاضت روح القاضي أبي بكر إلى بارئها ، وقد تم له ثمان وسبعون سنة ، ودفن في داره ، رحمه الله رحمة واسعة .وفي مسك الختام يقول البغدادي : " حدثنا أبو بكر البرقاني قال : حكى لي الحمدوني أن إسماعيل القاضي ببغداد كان يحب الاجتماع مع إبراهيم الحربي ، فقيل لإبراهيم : لو لقيته؟ فقال : ما أقصد من له حاجب ، فقيل ذلك لإسماعيل فنحى الحاجب عن بابه أياما ، فذكر ذلك لإبراهيم فقصده ، فلما دخل تلقاه أبو عمر محمد بن يوسف القاضي ، وكان بين يدي إسماعيل قائما ، فلما نزع إبراهيم نعله أمر أبو عمر غلاما أن يرفع نعل إبراهيم في منديل معه ، فلما طال المجلس بين إبراهيم وإسماعيل وجرى بينهما من العلم من تعجب منه الحاضرون وأراد إبراهيم القيام نفذ أبو عمر إلى الغلام أن يضع نعله بين يديه من حيث رآها إبراهيم ملفوفة في المنديل ، فقال إبراهيم لأبي عمر : " رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة " ، فقيل : إن أبا عمر لما توفي رآه بعضهم في المنام فقال : ما فعل الله بك ؟ فقال : أدركتنى دعوة الرجل الصالح إبراهيم فغفر لي ". [6](6)
من هوامش البحث : تعريف الحلاج قتيل قضاء أبو عمر الأزدي:هو الحسين بن منصور بن محمى ، الملقب بالحلاج أبو مغيث ، فيلسوف متصوف ، بعض المؤرخين يعده من السهاد المتعبدين ، وبعضهم يعده من الزنادقة الملحدين ، ولكل منهم فيه أقوال ، كان جده محمى مجوسيا وأسلم، أصله من مدينة (البيضاء) بفارس ، ونشأ بواسط وانتقل إلى البصرة وحج وأقام بمكة مدة ثم عاد إلى بغداد ومنها انتقل إلى مدينة (تستر) بالأهواز .ظهر أمره سنة 299هـ فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان ، ثم كان ينتقل من بلد إلى بلد وينشر طريقته سرا، وكانت تروى عنه أمور تعد من الخوارق ، يقول الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) : إن الحلاج صحب سهل التستري والجنيد وأبو الحسين النوري ، وهم من أئمة الصوفية ، ثم فتن فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل له حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني ، ثم بدا منه كفر أباح دمه وكسر صنمه .وقال عنه أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في كتابه (المنتظم) : أفعال الحلاج وأقواله وأشعاره كثيرة ، كان يتكلم بكلام الصوفية فتبدو كلمات حسان ، ويدعي أنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه وأنهم يحضرون إليه ما يشتهي ، ولما رفع أمره إلى الخليفة المقتدر أمر أبا الحسن علي بن أحمد الراسبي ضامن خراج الأهواز أن يأتيه به ، فقبض عليه مع غلام له وحمله إلى بغداد سنة 301ه ، فصلب على جذع شجرة ، ثم سجن وظل مسجونا ثماني سنين ، ثم عقد له مجلس من القضاة والفقهاء (كان على رأسهم - كما وضحنا - القاضي أبو عمر) ، فشهد عليه أناس بما يدينه بالزندقة والإلحاد فصدر الحكم بقتله وإحلال دمه ، فسلم إلى (نازوك) صاحب الشرطة فضرب ألف سوط ثم قطعت أربعة أطرافه ثم حز رأسه وأحرقت جثته .وهناك من الصوفية من يدعي أن الحلاج كوشف حتى عرف السر وعرف سر السر، وأنه حين قدم إلى القتل قال قبل قتله : حسب الواحد إفراد الواحد ، فما سمع أحد من الصوفية بهذه الكلمة إلا رق له ، كانت عقيدته الصوفية تقوم على (وحدة الوجود) أي أن الإنسان ، وهو خلق الله تعالى مندمج في ذات الله، فهو والله شيء واحد. ولا يمكن للإنسان أن يرى صورة الله في نفسه إلا بمحبته محبة العاشق للمعشوق ، وهو حب روحي ووجداني، لا يرقى إليه الإنسان ولا ينعم به إلا إذا تخلى عن لذاته وشهواته المادية، فإذا بلغ هذه المرتبة انكشفت له الحجب ورأى ما لا يراه المبصرون . كان شاعرا مجيدا وقد عبر عن صوفيته وفلسفته بأشعار نظمها منها قوله :أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنافإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتناومنها قوله :مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلالفإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حالوقوله :الله يعلم ما في النفس جارحة إلا وذكرك فيها نيل ما فيهاو لا تنفست إلا كنت في نفسي تجري بك الروح مني في مجاريهاإن كانت العين مذ فارقتها نظرت إلى سواك فخانتها مآقيهاأو كانت النفس بعد البعد آلفة خلقا عداك فلا نالت أمانيها .ويذكرون أن الحلاج سمي بهذا الاسم لأنه اطلع على ما في القلوب ، وكان يخرج لب الكلام كما يخرج الحلاج لب القطن . وقيل إن أباه كان يحلج القطن ، وقيل غير ذلك . كتب عدة مصنفات ذكرها صاحب الفهرست ومنها كتاب (طاسين) أو (الطواسين) وكتاب (الظل الممدود والماء المسكوب) وكتاب (خلق الإنسان والبيان) وكتاب (التوحيد) وكتاب (النجم إذا هوى) وكتاب (مدح النبي) وكتاب (الصلاة والصلوات) وكتاب (اليقين) وغير ذلك من الكتب .