منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 22

العرض المتطور

  1. #1

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    فن المراوغة والمشي على الرؤوس آخر تحديث:الجمعة ,12/11/2010
    ماهر سقا أميني

    يتظاهر محمد عابد الجابري بتقدير النص الشرعي (القرآن الكريم بصفة خاصة) ثم يعتبر ما يراه عقله الحداثي (مصالح) هو الأصل حيث يجب أن تؤول الآيات لتخدم هذه المصالح حتى ولو اضطره ذلك إلى القول بعكس ما تتجه إليه الآيات، وبالتالي فنحن أمام محاولة إنطاق النص ما لم يقله، وفي هذا تزوير خطير قد لا يقل عن الطعن المباشر في الشريعة، إذ يكفي فيه استحسان ما لم يستحسنه الشرع، أو تقبيح مالم يقبحه الشرع .

    وكمثال على هذا التزوير نذكر موقفه من قضية الإرث ونصيب المرأة الذي يعادل نصف نصيب الرجل في حالات يكون فيها على الأغلب الذكر مكلفاً بأعباء الإنفاق على إناث نلن نصف حصته من الإرث دون أن يكلفن بالإنفاق حتى على أنفسهن، إلا أن الجابري له رأي آخر مع أن النصوص هنا واضحة وقطعية ونهائية ولا تحتمل التأويل وهي متسقة مع التصور الإسلامي الشامل لدور كل من الذكر والأنثى، ولكن ما العمل إن كان هذا التصور بالكامل لا يعجب الجابري ولا يراه محققاً للمصلحة؟!

    يقول: (لنأخذ مثلاً نصيب البنت في الإرث في الإسلام، وهو الثلث كما يتبين من قوله تعالى “للذكر مثل حظ الأنثيين” كيف نقرأ هذا الحكم قراءة تجعله معاصراً لنفسه ومعاصراً لنا في الوقت نفسه؟ القرآن لا يبين الاعتبارات التي تبرر هذا التمييز، إذن لا بد من إعمال العقل بالرجوع إلى المقاصد وأسباب النزول ومعهود العرب، فالواقع أن المجتمع العربي في الجاهلية وزمن النبوة كان مجتمعاً قبلياً رعوياً، والعلاقة بين القبائل الرعوية هي علاقة نزاع حول المراعي، والزواج في هذا المجتمع إذا تم بتزويج البنت لشخص من غير قبيلتها كان يثير مشكلات تتعلق بالإرث في حال وفاة أبيها ذلك أن نصيبها سيؤول إلى قبيلة زوجها على حساب قبيلة أبيها، ما قد يتسبب في منازعات وحروب، ومن أجل تلافي مثل هذه النزاعات عمدت بعض القبائل إلى عدم توريث البنت بالمرة، بينما منحتها قبائل أخرى الثلث أو أقل، واذا أضفنا إلى ذلك محدودية المال المتداول في المجتمع القبلي سهل علينا إدراك كيف أن توريث البنت قد يؤدي إلى الاخلال في التوازن الاقتصادي بين القبائل خصوصاً مع تعدد الزوجات، وكان معمولاً به بكثرة .

    “ولا شك - والكلام لا يزال للجابري - أن الاسلام قد راعى هذه الوضعية ونظر إلى وجه المصلحة، وهو تجنب النزاع والفتنة، فقرر نوعاً من الحل الوسط يناسب المرحلة الجديدة التي دشنها قيام الدولة المحمدية في المدينة -والتعبير للجابري - أما اليوم وقد قل تعدد الزوجات وصارت علاقات المصاهرة تبتعد أكثر فأكثر وأصبحت المرأة تشتغل وتكسب مالا وتسهم في النفقة على البيت والأولاد، وبالتالي خف المانع الذي كان يبرر عدم إعمال القاعدة الكلية، أعني المساواة بين المرأة والرجل، فإن الجزئي في هذه الحالة، لا أقول يجب أن يعطل، بل أقول يجب أن ينظر إليه كاستثناء يعمل به في أحوال ويعلق في أحوال، لأن مجتمعاتنا تجتاز في الوقت الراهن مرحلة يتعايش فيها الجديد مع القديم، وضعية المدينة مع وضعية البادية والأرياف” انتهى كلام الجابري .

    ما الذي يختلف فيه هذا التحليل عن التفسير المادي الجدلي الذي يجعل الفكر و(الدين) كتجل من تجليات هذا الفكر تبعاً للتطور الاقتصادي الاجتماعي للمجتمعات؟ ثم هل القرآن الكريم وحي من السماء خاتم للرسالات وأحكامه نهائية تُصِلح بضم التاء وكسر اللام كل زمان ومكان، أم أنه انجاز عبقري بشري لمرحلة من التطور الاجتماعي الاقتصادي للمجتمعات؟ إن كلام الجابري يجعل القرآن الكريم معاصراً لوقت نزوله ولكنه لا يمكن أن يكون معاصراً للمرحلة الانتقالية التي نحن فيها - حسب تعبيره - ولا للمراحل القادمة حيث سيلغى الحكم نهائياً عندما تنعدم مبرراته كما يقرر الجابري .

    إن الحكم الشرعي المقرر في آية لا تحتمل التأويل تحول في عرف الجابري إلى (استثناء) أملته وتمليه الظروف في حين أن القاعدة المثلى هي عكس ما تقرره الآيات تماماً، وهذا يتطلب منا أن نقر المشي على الرؤوس بدلاً من الأقدام وأن نجعل قيم الحداثة الغربية هي الأساس الذي نأول على أساسه كلام الحق سبحانه وتعالى.

  2. #2

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    الإسلام الملفق والإسلام السلفي آخر تحديث:الجمعة ,05/11/2010
    ماهر سقا أميني

    من الواضح أن محمد عابد الجابري كبد نفسه مشاق عملية تلفيقية مجهدة قد تسر بعض الراغبين في تقديم إسلام ليبرالي حداثي لا يحمل من إسلام القرآن والسنة النبوية المشرفة الا العناوين الكبيرة، وهو بهذا قد يكون قد جنب نفسه المواجهة مع الإسلام الحقيقي حتى انطلت حيلته على بعض من كان يجب أن يكون أوعى من ذلك كالشيخ سلمان العودة الذي رأى في إنتاجه (جهداً مخلصاً لا يخلو من الأخطاء) .

    ولتوضيح المقصود يسمي الجابري الإسلام المستمد من القرآن والسنة وفهم السلف الصالح والقواعد الفقهية الأصولية المعتبرة بالسلفية، وهي بتعبيره: (استقامة السلوك والتجديد في الدين والعمل من أجل المستقبل من خلال الدعوة إلى الرجوع إلى سيرة السلف الصالح) . إلا أن هذه السلفية في رأيه: (لا تناسب الأمة الإسلامية في العصر الحاضر للحفاظ على وجودها واستمراريتها، لأنها نوع من المقاومة الذاتية لأمراض داخلية ذاتية المنشأ، وقد كانت كافية وناجعة عندما كانت الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة العالم لعصرها، أعني غير مزاحمة ولا مهددة بحضارة معاصرة لها على صعيد الزمن) .

    ولذلك فهو يقرر (أن النموذج الذي يجب استلهامه من أجل إعادة بناء الذات؛ ذاتنا نحن وتحصينها وتلقيحها ضد الذوبان والاندثار والاستلاب ينبغي ألا يكون من نوع “النموذج- السلف” الذي يُقدّم نفسه كعالم يكفي ذاته بذاته، بل يجب أن يشمل جماع التجربة التاريخية لأمتنا مع الاستفادة من التجربة التاريخية للأمم التي تناضل مثلنا من أجل الوجود والحفاظ على الوجود، وأيضاً من التجربة التاريخية للأمم التي أصبحت اليوم تفرض حضارتها كحضارة للعالم أجمع . لقد كانت السلفية كافية وفعالة وإجرائية يوم كنا وحدنا في بيت هو بيتنا وبيت لنا في الوقت نفسه، أما وقد أصبحنا جزءاً في كل فإن الطريق الوحيد لإثبات وجودنا والحفاظ على خصوصيتنا داخل هذا الكل هو طريق التعامل معه بالمنطق الذي يؤثر فيه؛ منطقه هو ولكن من مواقعنا لا من مواقع غيرنا، ومنطق الكل الذي ننتمي إليه اليوم- أعني منطق الحضارة المعاصرة- يتلخص في مبدأين: العقلانية، والنظرة النقدية . العقلانية في الاقتصادي والسياسة والعلاقات الاجتماعية، والنظرة النقدية لكل شيء في الحياة؛ للطبيعة والتاريخ والمجتمع والفكر والثقافة والإيديولوجيا . هذا في حين أن منطق سيرة السلف الصالح التي تُمثل “المدينة الفاضلة” في التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية- كان شيئاً آخر، كان منطقه يقوم على المبدأ التالي: الدنيا مجرد قنطرة إلى الآخرة، وقد أدى هذا المنطق وظيفته يوم كان العصر عصر إيمان فقط وليس عصر علم وتقنية وأيديولوجيات) .

    هكذا وبكل تسطيح يضع الجابري مفهوم السلف -الذي يعرفه تعريفا ينأى به عن الجمود-مقابل النموذج الحضاري الفعال، ويضع مفهوم الايمان مقابل مفهوم العلم والتقنية والايديولوجيات، اننا لا نرى في السلف قصورا معرفيا ولا عجزا عن الحوار مع العالم بلغته التي يفهمها، والتاريخ الإسلامي شاهد على ذلك، فمنذ أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدأت الافادة من تجارب الآخرين في تنظيم الدواوين والأمور الاقتصادية، وشهد التاريخ الإسلامي ذروات من الانتاج العلمي والثقافي والعسكري على أكتاف من لم يتجاوزوا فهم السلف للإسلام والقرآن والقواعد الأصولية، ان العقلانية التي يبشر بها الجابري هي العقلانية الحداثية الأوروبية التي تلغي من النشاط العقلي كل شيء إلا (العقل العقلاني) حسب تعبير أحد الأساتذه الكبار، والتي لا تؤمن بأي مرجعية أخرى غير العقل المتحول والمتغير والمتجاوز نفسه باستمرار، أما النظرة النقدية فنحن معها مالم تعصف بالثوابت ومالم تحتل على الإنسان المعاصر في تغليب الشك على اليقين وترجيح الظنيات على القطعيات والثقة بالافتراضات دون أية مرجحات، لقد تحولت بعض الأساطير العلمية القائمة على مجرد التخمينات إلى حقائق مسلم بها لا لشيء إلا لأنها يمكن أن تحل محل الفهم(السلفي)للإسلام أو للدين بشكل عام .

  3. #3

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    ما قالته وما لم تقله الشريعة آخر تحديث:الجمعة ,29/10/2010
    ماهر سقا أميني


    اعتمد محمد عابد الجابري في تزويره لأحكام الشريعة حتى الآن على عدة محاور، الأول أن الاجتهاد في الفروع لم يعد كافيا في زماننا لتغير المصالح وتطور المناهج المعرفية، وأنه لا بد من بناء قواعد أصولية جديدة لتفعيل النصوص، حيث إن علم أصول الفقه المتعارف عليه قد حصر نفسه في (الألفاظ) وما تعنيه حقيقة أو مجازاً، كما ربط الحكم بالعلة، كربط التحريم بالإسكار في ما يخص أي مشروب أو مادة يتعاطاها الإنسان، في حين أن ربط الحكم بالمصلحة والحكمة يعطي النص آفاقاً جديدة وفعالة في كل زمان ومكان، كما أنه لم يفد من مفهوم أسباب النزول وصولاً إلى (منطق النص) في التعامل مع الأوضاع والمتغيرات، وبما أن الله غني عن العالمين فالأصل هو تحقيق مصالح العباد وهكذا يمكن تغيير الأحكام طبقاً لما يحقق هذه المصالح في كل عصر .

    ومن الواضح أن ظاهر هذا الكلام قد يخدع، إلا أن قليلاً من الفحص والتدقيق يبين أن القواعد الفقهية الراسخة والمتعارف عليها في كل مكان لم تبد يوماً قصوراً أو عجزاً في التعامل مع أي مستحدث جديد، وأن الألفاظ وما تعنيه ضمن المتعارف عليه في فقه اللغة وأساليب التعبير والبيان السائدة فيها أمر جوهري في التعامل مع نصوص تعتمد اللغة في التعبير، أما ربط الحكم بالمصلحة والحكمة فهو أمر يعوم أحكام الشريعة ويجعلها تبعاً للأهواء والمفاهيم والتصورات البشرية غير المنضبطة والتي قد لا تتفق بين ثقافة وأخرى، أما الوصول إلى (منطق النص) في التعامل مع المتغيرات فهو أمر لا يقف من النص موقف الاحترام والتقديس اللازم، ومع ذلك فقد أسهب الفقهاء الأصوليون في الحديث عن ضوابط المصلحة في التشريع الإسلامي، ولأسباب النزول مكانة كبيرة عند الأصوليين، إلا أن تصبح سبباً لتعطيل النص بناء على ظروف مكانية معينة، والله غني عن العالمين والشريعة لرعاية مصالح العباد ولكن من دون أن يترك الأمر للتحسين والتقبيح العقليين واللذين قد يصعب الاتفاق عليهما كما قد تتدخل الأهواء في صياغتهما (كتفضيل السجن على الحدود المذكورة في النصوص بشكل قاطع وواضح ونهائي للسارق أو شارب الخمر أو مرتكب الفاحشة) .

    ويتابع الجابري فيقول: “إن الأمور الخمسة التي حصر فيها فقهاؤنا القدامى (الضروريات) كانت ولا تزال وستبقى أموراً ضرورية بالفعل، أي مقاصد أساسية لكل تشريع يستهدف فعلاً خدمة (مصالح العباد)، غير أن (مصالح العباد) اليوم لم تعد مقصورة على حفظ الدين والنفس العقل والنسل والمال، بل إنها تشمل بالإضافة إلى الأمور الخمسة المذكورة أموراً أخرى نعتقد أنه لابد من أن ندرج فيها: الحق في حرية التعبير وحرية الانتماء السياسي، والحق في انتخاب الحاكمين وتغييرهم، والحق في الشغل والخبز والمسكن والملبس، والحق في التعليم والعلاج . . إلى غير ذلك من الحقوق الأساسية للمواطن في المجتمع المعاصر . أما الحاجيات فبالإضافة إلى ما ذكره فقهاؤنا القدامى، هناك حاجيات جديدة مثل الحاجة إلى توفير الصحة والوقاية من الأمراض بإعداد ما يكفي من مستشفيات وغيرها، والحاجة إلى ما لابد منه لتنشيط الإبداع الفكري في مختلف المجالات العلمية والفنية والنظرية، والحاجة إلى ما لابد منه لاكتساب معرفة صحيحة بالواقع والأحداث، أما التحسينات التي يتطلبها عصرنا فحدّث ولا حرج” .

    ولا أعرف كيف لم بستطع الجابري قراءة أكثر مايذكر في المقاصد الخمس التي يذكرها، فهل الحق في الطعام والسكن والملبس والعلاج إلا فرع من حفظ النفس؟ وهل الحق في التعليم وتنشيط الإبداع الفكري إلا فروع من حفظ العقل؟ ثم أليس التاريخ الاسلامي بدءاً من السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وفي أكثر من موقع شاهداً على أن حريات التعبير والإيمان والمشاركة في الحكم محفوظة نصاً وواقعاً؟ إلا أن الجابري أراد من حديثه شيئا آخر يقول: “إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتكميلياته .

  4. #4

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    تزوير الشريعة بناء على أسباب النزول آخر تحديث:الجمعة ,22/10/2010
    ماهر سقا أميني


    في سعيه لإنجاز قواعد أصولية جديدة تحل محل علم أصول الفقه كما عرفه المسلمون ومارسوه منذ أكثر من ألف سنة ولم يشك واحد منهم بأنه لم يجد حلاً لمعضلة أو حكماً لمسألة ضمن هذه الأصول،ينتقل الجابري إلى تعويم آخر أشد خطراً من (بناء معقولية الأحكام على المقاصد) فيقول: (لا سبيل إلا باعتبار المقاصد والمصالح أساساً للتشريع، ذلك لأنه في هذه الحال يتجه المجتهد بتفكيره لا إلى اللفظ (الحقيقة، المجاز، الاستعارة، الخصوص، العموم)، بل إلى (أسباب النزول)، وهذا باب عظيم واسع يفتح المجال لإضفاء المعقولية على الأحكام بصورة تجعل الاجتهاد في تطبيقها وتنويع التطبيق باختلاف الأحوال وتغير الأوضاع أمراً ميسوراً) .

    إنها محاولة لسلب اللغة العربية عقلها ومنطقها في التعبير لصالح عملية عقلية غير مأمونة ولا راشدة تتكئ على مفهوم أسباب النزول لتوطد علاقة النص بحادثة معينة في زمان ومكان معينين،ثم لتتصور علاقة ما (عقلية) بين سبب النزول والنص،ثم لتعمم هذه العلاقة المخترعة بوصفها منطق النص في التعامل مع المتغيرات .

    يقول: (إن بناء معقولية الحكم الشرعي على (أسباب النزول) في إطار اعتبار المصلحة يُفسح المجال لبناء معقوليات أخرى عندما يتعلق الأمر ب(أسباب نزول) أخرى، أي بوضعيات جديدة، وبذلك تتجدد الحياة في الفقه، وتتجدد الروح في الاجتهاد، وتصبح الشريعة مسايرة للتطور قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان) .

    ولبيان خطر ما يقصد نراه يقول: (إذا تحررنا من سلطة القياس والانشداد إلى الألفاظ، وانصرفنا باهتمامنا بدلاً من ذلك إلى البحث عن (أسباب النزول)، وهي هنا الوضعية الاجتماعية التي اقتضت نوعاً ما من المصلحة وطريقة معينة في مراعاتها، فإننا سنجد أن قطع يد السارق تدبير مبرر ومعقول داخل تلك الوضعية، وهكذا فبالرجوع إلى زمن البعثة المحمدية والنظر إلى الأحكام الشرعية في إطار الوضعية التي كانت قائمة يومئذ سنهتدي إلى المعطيات التالية: أولاً إن قطع يد السارق كان معمولاً به قبل الإسلام في جزيرة العرب . ثانياً: إنه في مجتمع بدوي ينتقل أهله بخيامهم وإبلهم من مكان إلى آخر طلباً للكلأ، لم يكن من الممكن عقاب السارق بالسجن، إذ لا سجن ولا جدران ولا سلطة تحرس المسجون وتمده بالضروري من المأكل والملبسح . الخ، وإذن فالسبيل الوحيد هو العقاب البدني . وبما أن انتشار السرقة في مثل هذا المجتمع سيؤدي حتماً إلى تقويض كيانه، إذ لا حدود ولا أسوار ولا خزائن، فلقد كان من الضروري جعل العقاب البدني يلبي هدفين: تعطيل إمكانية تكرار السرقة إلى ما لا نهاية، ووضع علامة على السارق حتى يُعرف ويحتاط الناس منه، ولا شك أن قطع اليد يلبي هذين الهدفين معاً،وإذن فقطع يد السارق تدبير معقول تماماً في مجتمع بدوي صحراوي يعيش أهله على الحل والترحال، ولما جاء الإسلام وكان الوضع العمراني الاجتماعي زمن البعثة لا يختلف عما كان عليه من قبل احتُفظ بقطع اليد كحد للسرقة من جملة ما احتُفظ به من التدابير والأعراف والشعائر التي كانت جارية في المجتمع العربي قبل الإسلام، مع إدراجها في إطار أخلاق الإسلام” والنتيجة في رأي الجابري: (إسقاط الحد في جرائم السرقة والزنا وشرب الخمر والقذف، والاكتفاء فيها بالسجن، لأن الحدود ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لردع وزجر النوازع الذاتية الفردية الهدامة، أي التي تمس مصلحة الجماعة أو الأمة) .

    وهكذا تصبح دراسة أسباب النزول عند الجابري خطوة نحو اختراع علاقة ما يراها (عقلية)بين النص وسبب نزوله في البيئة التي نزل فيها،ثم يسعى لتعميم هذه العلاقة لتعصف بكل النصوص المشابهة ولتلغي كل الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأمام تأويلات كهذه لن يبقى من أحكام الشريعة إلا ما يناسب العقول والأهواء المعاصرة .

    من السهل والحال كهذا ربط كل النصوص بأسباب نزولها والبحث في أسباب النزول عن متعلقات بيئية لم تعد موجودة الآن وبالتالي تعطيل النص أو تأويله بناء على تصور عقلي يعكس اتجاه النص إن شئنا عكساً كاملاً .

  5. #5

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    ثوابت الشريعة ومتحولات المصلحة آخر تحديث:الجمعة ,15/10/2010
    ماهر سقا أميني

    مازلنا مع محمد عابد الجابري في دعوته الى تجديد الشريعة لتناسب منطق العصر، وقلنا: إن سبيله إلى ذلك كان بالإغارة على القواعد الأصولية التي رأى أنها كانت كافية لحاجات ومصالح العباد يوم وضعها، كما أنها تناسب التطور المعرفي الذي وصل إليه الفقهاء في ذلك العصر، أما اليوم ومع اختلاف المناهج المعرفية ومصالح العباد فلابد من وضع أصول جديدة لاستنباط الأحكام .

    والحق أن الأمر مع قليل من الفحص والتدقيق نجده مخالفاً بشكل تام لهذا الافتراض، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين والسنة النبوية شارحة للقرآن مفصلة لمجمله مضيفة اليه مايلزم كوحي آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم شهد لصحابته بأنهم خير القرون ثم القرن الذي يليهم ثم القرن الذي يليهم، وبالإضافة إلى هذه الشهادة فقد وضع القواعد الأصولية رجال عرفوا بسلامة لغتهم ومعرفتهم بالسنة المطهرة وقربهم من عصر النبوة وعمل الصحابة والتابعين، وفي رأينا أننا كلما ابتعدنا عن عصر النبوة خفتت أنوارها وزاد اللحن في التعبير والفهم، بالإضافة إلى تدخل الثقافات الأخرى في تشكيل العقل العربي، ونحن عندما نتحدث عن القرآن الكريم والسنة الشريفة فإنما نتحدث عن (وحي) لا علاقة للواقع الزمكاني بصياغته، وبالتالي فإن نجوعه باق إلى يوم القيامة لا يؤثر فيه تقادم زمان ولا تغير مكان .

    رأى الجابري أن الحكم الفقهي يجب أن يدور مع المصلحة لا مع العلة،ومن الواضح أن هذا باب يفتح المجال واسعاً أمام تزوير الشريعة لأنه قد لا يسهل الاتفاق على المصلحة،يقول في ذلك: (أما دوران الأحكام مع المصالح فشيء يفرض نفسه ما دمنا نقرر أن المصلحة هي الأصل في التشريع، وأعتقد أن هذا المبدأ هو الذي صدر عنه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، وإذن فالاجتهاد يجب أن يكون لا في قبول هذا المبدأ أو عدم قبوله بل في نزع الطابع الميكانيكي عن مفهوم الدوران، والعمل من أجل الارتفاع بفكرة المصالح إلى مستوى المصلحة العامة الحقيقية كما تتحدد من منظور الخلقية الإسلامية، إنه بدون هذا النوع من التجديد سيبقى كل اجتهاد في إطار القواعد الأصولية القديمة اجتهاد تقليد وليس اجتهاد تجديد حتى ولو أُتي بفتاوى جديدة) .

    ولكن من الذي سيحدد المصلحة العامة الحقيقية من منظور الخلقية الإسلامية؟ أن الأمر ينطوي على تعويم للشريعة لتتحول إلى أحكام مرتبطة بتصورات عامة للأخلاق، في حين أن الشريعة بالإضافة إلى كونها مقاصد تتألف من أحكام تفصيلية واضحة وقاطعة ونهائية، وإلا عدنا لنقول: إن الزكاة مثلاً كانت تناسب العصور البدائية والمقابل لها في هذا الزمان هو التأميم، من الواضح تدخل الهوى في تعويم الشريعة وتحويلها إلى مبادئ عامة يمكن أن نأخذ منها في كل زمن مايناسب هوانا ومتطلباته .

    إن الجابري صريح في دعوته إلى تبني العقلانية في تجديد الشريعة، وهو يقول في ذلك:”إن عملية تأسيس معقولية الأحكام هي العملية التي بدونها لا يمكن تطبيق الشريعة على المستجدات، ولا على الظروف والأحوال المختلفة المتباينة، ولما كان مقصد الشارع الأول والأخير هو مصلحة الناس (فالله غني عن العالمين)، فإن اعتبار المصلحة هو الذي يؤسس معقولية الأحكام الشرعية، وبالتالي فهو أصل الأصول كلها، وواضح أن هذه الطريقة تتحرك في دائرة واسعة لا حدود لها؛ دائرة المصلحة وبالتالي فهي تجعل الاجتهاد ممكناً ولدى كل حالة) .

    أليست هذه دعوة إلى اقتلاع كل الثوابت في الشريعة وتحويل أحكامها إلى متحولات تحددها المصلحة كما يتصورها الناس في كل زمان، وما الذي يعصم الناس من سوء الفهم والتقدير والحكم إن لم يكن النص الإلهي المحفوظ الذي لا تتدخل الأهواء في تأويله؟ وقد رأينا في هذا الزمان من يصوت على أحكام الشريعة كتعدد الزوجات والحجاب والطلاق وغيرها، فهل هذا هو المطلوب ببناء معقولية الشريعة بناء على المصلحة العامة كما يتصورها الناس؟

  6. #6

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    تغيير القواعد الأصولية آخر تحديث:الجمعة ,08/10/2010
    ماهر سقا أميني

    من أولويات أي مشتغل بالفكر فضلاً عن المفكرين الكبار أصحاب المشاريع الضخمة كالجابري أن التفكير هو عملية عقلية تعتمد اللغة (مفردات ومصطلحات وعلاقات يعبر عنها النحو والصرف) ثم تنتقل من هذا المستوى إلى بناء النظريات والمناهج التي تستخدم هذه المكونات من أجل الكشف عن الحقائق النظرية أو وضع البرامج العملية، وبالتالي يمكن القول إن استيراد المناهج من ثقافات أخرى لصياغة علاقات بين أفكار ومفردات ومصطلحات من ثقافة ما فيه الكثير من المغالطة المنطقية والعلمية والعملية، وهذه هي مشكلة التغريب التي وقع فيها أكثر الحداثيين العرب والمسلمين، حيث يريدون لنا التعامل مع اللغة العربية والأدب العربي والدين الإسلامي من خلال مناهج أقل ما يقال عنها إنها غير مناسبة للموضوعات ذات الصلة والبحث .

    ونعود إلى ما أراده الجابري من مقولة (تجديد الشريعة) والذي يقصد به إعادة بناء علم أصول الفقه اعتمادا على تغير المصالح والمناهج، أن القواعد الأصولية عنده يجب تغييرها تحت عنوان عريض هو “تحقيق المصلحة أو الحكمة من التشريع”، ومع أن الاختلاف على تعريف المصلحة أو الحكمة من التشريع أمر جد وارد، بل لعله يصعب الاتفاق على تحديدهما على مستوى الأمة بمعزل عن الأهواء، ومع أن هذا سيجعل قراءة النصوص الأصلية مجرد تابع لما يتواضع عليه الناس إذا استطاعوا الاتفاق على ما يحقق المصلحة والحكمة فإن الجابري يرى أن هذا هو الطريق الوحيد لإعادة تفعيل النصوص بما يتناسب مع الحالة الراهنة .

    ولتوضيح ما أراد نرى أنه من القواعد الأصولية التي يريد الجابري تغييرها كي تبدو الشريعة مواكبة للعصر ومسايرة للتطور ما قرره معظم الفقهاء من دوران الحكم الشرعي مع علته في عملية الاجتهاد، ومعلوم أن العلة وصف منضبط في الشيء الذي صدر فيه الحكم؛ وبهذا الوصف يُعرف وجود الحكم فإذا وجد وُجد الحكم . ويريد الجابري تغيير ذلك بأن يكون دوران الحكم الشرعي مع الحكمة والمصلحة لا مع العلة، فإذا وُجدت الحكمة والمصلحة وُجد الحكم، وإذا عُدمت ألغي الحكم، ويضرب لذلك مثالاً وهو: الحكم بإباحة الفوائد المترتبة على بعض المعاملات المالية التي هي نوع من شهادات الاستثمار وسندات البنوك وذلك لعدم وجود الاستغلال في هذا النوع من المعاملات، ويقول: “ومعلوم أن منع الاستغلال هو الحكمة من تحريم الربا” .

    وإلحاق الحكم بالعلة أمر تقره العقول وتتفق عليه، سيما مع النظر في المقاصد الخمسة للشريعة: حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض، كما أن هذا لا يقوم إلا فيما لم يرد فيه نص واضح وقاطع، أما عند وجود النص فالحكم ثابت وإن لم تتضح العلة من التحريم، أما الجابري فيريد لنا أن نلحق الحكم بالمصلحة أو الحكمة حتى فيما ورد فيه نص، فتحريم الربا نصه واضح ولا يحتاج إلى بحث عن علة أو ربط بمصلحة أو حكمة إلا من باب الاستئناس، فإن رأى الجابري في معاملات البنوك ما لا يتعارض مع الحكمة التشريعية من حيث إنها لا تنطوي على استغلال، فان النص الذي يحرم كل دين جر نفعا لا يحتاج إلى تعليق وهو قاطع وواضح ونهائي، فضلا عن أن هناك مئات الدراسات عن دور النظام الاقتصادي الربوي (الذي يراه الجابري بريئا من الاستغلال) في استرقاق الأمم أو ما سماه أحد قراصنة الربا في كتاب ترجم إلى العربية حديث “الاغتيال الاقتصادي للأمم”، أم أن الجابري لم يكن يرى كيف تدفع الشعوب من لقمتها فوائد قروض دولها؟

    والمثال الذي يورده الجابري هو مافعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كما يقول أوقف العمل بالنص في عام الرمادة فلم يقطع يد السارق تحقيقا للمصلحة، والحق أن عمر رضي الله عنه ما كان له ولا يمكن أن يوقف الأخذ بنص واضح، إنما أخذ بنص آخر وجمع بين النصين وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”، فما كان لينفذ حداً في عام جاع فيه الناس وقد يكون الجوع سبباً في سرقة أحدهم.

  7. #7

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    التعسف في تحليل العقل العربي آخر تحديث:الجمعة ,17/09/2010
    ماهر سقا أميني رأينا أن الجابري في تشخيصه وتحليله للعقل العربي بناء على الآليات الداخلية في أي علم من العلوم، قسم العلوم عند العرب إلى علوم البيان، وعلوم البرهان، وعلوم العرفان .

    فأما علوم البيان (الفقه وأصوله وعلم الكلام ثم النحو وعلوم اللغة) كما يراها الجابري فهي علوم نشأت على ضفاف (النص) مع قليل من القياس يرجع أي حكم جديد إلى النص بتماثل العلة، وبالتالي فان هذه العلوم لا تمثل (عقلا) بالمعنى الذي يرضيه، ومن الواضح أن هذا العرض يفتقر إلى كثير من الفهم الذي ما كان يجدر بواحد من أمثال الجابري أن ينقصه، فالفقه وأصوله كما أسس له الامام الشافعي، وعلم الكلام ولا سيما عند الأشاعرة ثم علم النحو (والنحو عقل اللغة) واللغويات كما هي عند سيبويه وابن جني هي أنماط من (العقل البرهاني) حسب تعبير الجابري وان كانت لا تروق له لأنها لا تمثل امتدادا للعقل اليوناني الأرسطي .

    أما علوم العرفان، وهي علوم يقدم فيها العقل استقالته-حسب الجابري- فتبدأ مع بداية الترجمة، عندما أمر خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85ه) بترجمة كتب الكيمياء، والتنجيم، وكتب الطب اليونانية والقبطية وقد شارك في ذلك الطبيب الرازي وغيره، تلك الكتب التي تقدم رؤية هرمسية غنوصية للكون والإنسان، وقد ظهر أثر ذلك واضحاً لدى بعض الفرق الاسلامية كالجهمية وبعض المتصوفة، ثم جاء بعد ذلك دور التيارات الباطنية ممثلة في إخوان الصفا وفلسفة ابن سيناء، التي تزعمت التيارات الباطنية الإشراقية، ثم غدت بعد ذلك طابعاً عاماً لكثير من التيارات المنحرفة التي كان مدار التفكير فيها والمنهج المفضل للوصول إلى المعرفة قائماً على أساس الكشف والعرفان والإشراق الذوقي الباطني .

    وهكذا يضمن الجابري داخل ما سماه بعلوم العرفان:التصوف والفلسفة والباطنية والسحر والتنجيم، ويؤسسها نظام معرفي يقوم على (الكشف والوصال) و(التجاذب والتدافع) كمنهاج ويسميه ب(اللامعقول العقلي) .

    ان هذا (الجراب العجيب) الذي جمع فيه الجابري بين كل ما سبق فيه كثير من التجني والفرز التعسفي لأشكال مختلفة جداً من النشاط العقلي، سيما عندما يعتبر واحداً مثل الامام الغزالي ممثلاً لهذا التيار، فمن المعروف أن الغزالي كان أستاذاً في علم الكلام استطاع أن يقف في وجه (هذر) الفلاسفة الذين أساءوا استخدام عقولهم فيما لا قدرة لها عليه - ومنهم ابن سيناء -كما استطاع أن يقف في وجه الباطنية العابثة بالنصوص ودلالاتها المباشرة القاطعة، فضلاً عن كونه حجة في الفقه الشافعي وله فيه تصانيف كثيرة، فهل يوضع الغزالي مع ابن سيناء مع اخوان الصفا في كفة ميزان واحدة؟ ومن أين للجابري أن يقرر بأن الغزالي اعتمد الكشف والإلهام حصراً في النهاية كمصدر وحيد للمعرفة؟!

    ثم يقرر الجابري: (إن العقل البياني العربي استقال من خلال ما يعرف بالتصوف السيئ)، والحق أن التصوف لم يقو يوما على تعطيل الشريعة إلا في حالات ضيقة جداً لا تستحق أن يقال عنها بأنها أدت إلى استقالة العقل البياني العربي (العقل المتعامل مع النص) بل لقد شهدنا رجالاً كانوا أفذاذا في العلوم الشرعية والتعامل مع القرآن الكريم والحديث الشريف مع صوفيتهم التي لم تكن أكثر من تحقيق لمرتبة الاحسان كالغزالي والقشيري والحارث المحاسبي وابن عجيبة المغربي .

    أما عن البرهان فيذكر الجابري تبعاً لما يراه المستشرق كارل بروكلمان أن المأمون إنما أمر بترجمة الفلسفة اليونانية لمواجهة العرفان المانوي الغنوصي الذي اعتمده الزنادقة لمواجهة الدولة الإسلامية، وقد كان الكندي (185-252هـ) أول فيلسوف عربي حيث أكد على أن المعرفة إنما تكون حسية أو عقلية أو إلهية أداتها الرسل المبلغة عن الله، ثم جاء بعده الفارابي (260-339هـ) الذي حاول (الجمع بين الحكيمين)، أرسطو وأفلاطون محاولاً (التوفيق) بين تيارات الفلسفة اليونانية المختلفة، متوصلاً بذلك إلى أن العرفان إنما هو ثمرة للبرهان .

    لقد بقيت مدرسة بغداد كما يرى الجابري من المأمون وحتى الخليفة القادر (381-422هـ) مركزاً علمياً مخلصاً لاستراتيجية المأمون الثقافية القائمة على الارتكاز على أرسطو ومنطقه وعلومه، ثم تسلم بعد ذلك ابن رشد الراية، وهو المفكر الذي احتفظ بصورة فلسفة أرسطو نقية كما جاءت عنه، رافضاً إضافات الفارابي وابن سينا إلى هذه الفلسفة . وهذا الخط هوالوحيد الذي استحق اعتراف الجابري واعجابه .
    تعديل / حذف المشاركة

  8. #8

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    الفكر الإسلامي بين الأرسطية والعلم آخر تحديث:الجمعة ,24/09/2010
    ماهر سقا أميني

    لا بد من العودة إلى مناقشة أفكار محمد عابد الجابري للكشف عن سقطات ما يسمى بعلمنة الإسلام، أو أنسنة الإسلام، ونحن إذ نفعل ذلك فإننا نناقش الأفكار التي تعتبر في عرف الكثيرين رائدة في مجالها، حيث تؤلف الكتب وتجرى الدراسات التي تكرس هذا الاتجاه المشوه لحقيقة الإسلام، أما الشخص نفسه فأمره إلى الله ولا نقدم بين يديه تعالى حكماً على أحد، وقد عرف الفكر العربي والإسلامي دراسات نقدية من هذا النوع شكلت إغارات حقيقية على أفكار الغير، وما “تهافت الفلاسفة” للغزالي ثم “تهافت التهافت” لابن رشد إلا مثال واحد على ذلك .

    فمن الغريب مثلاً على قامة كالجابري وهو من ألف سفرين كبيرين في فلسفة العلوم أن يبقى مصراً على حماسته للتفكير الأرسطي ولكل من اتكأ عليه من الفلاسفة العرب مع أن مناهج التفكير العلمي الحديث لم تتطور إلا بعد تحررها من سطوة أرسطو ومنطقه .

    إن إعجاب الجابري بأرسطو وتلامذته العرب جعله لا يهتم كثيراً بما عرفه بأنه من علوم البيان عند المسلمين كالفقه واللغة والنحو والبيان بل جعله يتجاهل شخصاً كابن تيمية رحمه الله لمجرد إيمانه بأن العقل والنقل لا يتضادان، وأن كل المقولات الفلسفية قابلة للفحص النقدي وقد ألف في (نقض منطق أرسطو) في حين أن ابن رشد الذي اعتبر أن كلا من النقل والعقل نسق بمفرده يحكم على صحته من خلال تناسقه الداخلي يعتبر الأمثل والأرشد عند الجابري، مع أن هذا يعني أن القول بقدم العالم يمكن أن يتجاور في دماغ واحد مع خلق الله للعالم وحدوثه، ويعني التسليم بالترتيب الفلكي الأرسطي الذي أصبح اليوم ضرباً من الفكر الأسطوري التراثي .

    إن ما يراه الجابري في التراث البياني (الفقهي) الإسلامي هو مجرد قياس الغائب على الشاهد، والقياس على العلة نفسها، مع أن علم أصول الفقه اشتمل على نشاط عقلي وفكري مهم يتصل بالاستحسان والاستقراء والاستنباط والمصالح المرسلة وفقه الأولويات . . كل هذا لم يعجب الجابري، فبقي مصراً على أن من يستحق وصف العقلانية في الإسلام والتراث الإسلامي هم النقلة عن أرسطو فقط .

    أما بالنسبة لريادة المسلمين في المنهج التجريبي والتي لم يقف وراءها إلا القرآن الكريم، وقد تجاوزوا به كل الثقافة الهيلينية القديمة، فإنها لا تلقى الاهتمام الكافي عند الجابري مع أن علماء غربيين كثراً شهدوا لريادة المسلمين في هذا النوع من المنهج الذي أسس لظهور العلم الحديث .

    ومع كل هذا فإن ما يجب الوقوف عنده هنا أن العالم عندما يكتشف قانوناً أو سنة من سنن الكون أو المادة فإنه لا يخلقه من العدم، وإنما يكتشفه من خلال الملاحظة والتجريب، إنه الكون المخلوق الذي يشهد بعظمة الخالق وتتكشف أسرار الإبداع فيه للملاحظين ممن يقرؤون في الكون آيات الله في الأنفس والآفاق، واليوم نحن أمام علم تجاوز مجرد القدرة على الملاحظة والتجريب معتمداً على الفروض وتطبيقاتها الناجعة ما يعيد للخلق تلك الهالة من السحر والغموض مصداقاً لقوله تعالى: “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” . ويظهر النزوع المتطرف إلى العقلنة غير المنضبطة عند الجابري في مفهومه لتجديد الشريعة، يقول في هذا المعنى: “والتجديد بالنسبة للرؤية الإسلامية جزء من الحياة نفسها بدليل الحديث النبوي المشهور “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها”، وبما أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا، فإن تجديد أمور الدين يعني في الوقت ذاته تجديد أمور الدنيا . وبما أن أمور الدنيا تتغير من زمان إلى آخر، فإن مفهوم التجديد ومتطلباته لابد أن يتغير حسب الظروف والعصور . وهكذا فإذا كان بعض الفقهاء القدامى قد فسروا “التجديد” على أنه كسر للبدعة والعودة بالمسلمين إلى سيرة السلف الصالح، فينبغي ألا نقف عند حدود هذا المعنى تقليداً لهم وتقيداً بالتعريف الذي أعطوه للبدعة، والذي استمدوه من ظروف عصرهم ومعطيات واقعهم” .

    إن هذا سيعني عند الجابري تعويم الشريعة وتحويلها إلى مقاصد عامة ضارباً بعرض الحائط كل ما هو ثابت وقطعي في أصول قراءة النصوص الأصلية والاستنباط منها، وهو ما أطلق عليه عنده وعند أركون الانتقال من الاجتهاد إلى التجديد .

  9. #9

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟

    ضرورات تجديد الشريعة عند الجابري آخر تحديث:الجمعة ,01/10/2010
    ماهر سقا أميني

    يرى محمد عابد الجابري أن المطلوب اليوم هو الانتقال من الاجتهاد إلى التجديد، والاجتهاد هو إعمال العقل في النص (القرآن والسنة) من أجل استنباط الأحكام والقيم ضمن المقاصد العامة للشريعة، وأهم ما يميز الاجتهاد هو اعتباره للنصوص فوق تاريخية لا تتغير ولا يمكن تجاوزها أو الخروج من دلالاتها الواضحة إلى التأويل إلا ضمن أصول حددها الفقهاء، في حين أن التجديد المطلوب لا يتعامل مع النصوص بهذه الأولوية، بل إنه يحتال في جعلها تابعة لما يسميه مستجدات العصر والتطور المعرفي والتغير الفكري الزمكاني، وبالتالي تفقد النصوص الأصلية قدسيتها ويعمل بها كل أساليب تحليل النصوص البشرية، ويتحول التأويل إلى بوابة لفوضى في الفهم والتفسير وتحديد القيم والأحكام لا يمكن معها الركون إلى شيء .

    يقول محدداً (التجديد) الذي يحتاج إليه المسلمون اليوم: “والحق أن ما يحتاج إليه المسلمون اليوم هو “التجديد” وليس مجرد “الصحوة”، إن التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم الإسلامي تتطلب ليس فقط رد الفعل بل الفعل، والفعل في العصر الحاضر هو أولاً وأخيراً فعل العقل . . لأن العصر يقوم كل شيء فيه على الفعل العقلاني” .

    ولنتعرف إلى ملامح التجديد عند الجابري الذي يقول: “إن المطلوب اليوم هو إعادة بناء منهجية التفكير في الشريعة انطلاقاً من مقدمات جديدة ومقاصد معاصرة، وبعبارة أخرى: المطلوب اليوم تجديد ينطلق لا من مجرد استئناف الاجتهاد في الفروع، بل من إعادة تأصيل الأصول، من إعادة بنائها) . وقبل الوقوف عند المقدمات والمقاصد الجديدة وقبل الوقوف عند المقصود من إعادة بناء النصوص” يتابع الجابري قائلاً: (إنما نريد أن يتجه تفكير المجتهدين الراغبين في التجديد حقاً والشاعرين بضرورته فعلاً إلى القواعد الأصولية نفسها، إلى إعادة بنائها بهدف الخروج بمنهجية جديدة تواكب التطور الحاصل، سواء على صعيد المناهج وطرق التفكير والاستدلال أو على صعيد الحياة الاجتماعية والمعاملات الجارية فيها التي تفرضها مستجدات العصر وضروراته وحاجاته . إن القواعد الأصولية التي ينبني عليها الفقه الإسلامي لحد الآن ترجع إلى عصر التدوين (العصر العباسي الأول)، وكثير منها يرجع إلى ما بعده . أما قبل عصر التدوين هذا فلم تكن هناك قواعد مرسمة تؤطر التفكير الاجتهادي بمثل ما حدث بعد، والفقهاء الذين وضعوا تلك القواعد قد صدروا في عملهم الاجتهادي ذاك عن النظام المعرفي السائد في عصرهم، وعن الحاجات والضرورات والمصالح التي كانت تفرض نفسها في ذلك العصر، وبما أن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عن عصر التدوين ذاك، سواء على مستوى المناهج أو المصالح، فإنه من الضروري مراعاة هذا الاختلاف والعمل على الاستجابة لما يطرحه ويفرضه) .

    إن اختلاف المناهج والمصالح (حسب الجابري) هو الذي يملي علينا إعادة قراءة النص، ومن الواضح أن هذا يعني أولا الاستغناء عن تراث فقهي غني اعترف بعقلانيته وقدرته على التعامل مع كل الأزمنة والأمكنة الغريب قبل القريب، أما اختلاف المناهج فهو اختلاف في مناهج معرفية قد تصلح للتعامل مع النصوص البشرية كمناهج التحليل النفسي والبنيوية والتفكيكية والألسنية وغيرها، ولا أعرف سبباً لترك فهم الصحابة الكرام والتابعين القريبين من مشكاة النبوة وأساليب اللغة العربية في التعبير والبلاغة والبيان وغيرها من الزاد المعرفي الذي اشترطه العلماء للاجتهاد من أجل مناهج لا صلة لها بنص سماوي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم إن أية معرفة بشرية هي معرفة تراكمية لا تنسف كل الماضي من أجل الحاضر، إلا عند الحداثيين من المفكرين العرب فإنهم يرون إلقاء كل ما تم إنتاجه إسلامياً عبر التاريخ في مزبلة التاريخ لتحل محله مناهج مستوردة ليس لها رصيد من الصدق والثبات والنجوع .

    أما بالنسبة لاختلاف المصالح فإن ما يرشد هذه المصالح ويفرزها ويحكم على إنسانيتها وأخلاقيتها هي النصوص وليس كما يتصور الجابري الذي يعتبر اختلاف المصالح سبباً في إعادة بناء النصوص وقراءتها، وحبذا لو انتقل الحداثيون من التنظير إلى الحديث المفصل مع الأمثلة الموضحة فما هي المصالح الجديرة بالاعتبار التي لا تتفق مع ما رآه المجتهدون السابقون في النصوص وما استنبطوه من أحكام؟

  10. #10
    محاضر ومسؤول دراسات عليا في جامعة القاضي عياض، المغرب
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,497

    رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟



    أجل ، هذا صنيع الحداثيين المقلدين

    يلحون على تبديل تصميم الدار وهم واقفون خارجها

    يقفون بعيدا عن معترك الاجتهاد لعجزهم عن امتلاك آلياته العلمية

    فلا يجدون سبيلا إلى الفت في عضد أهله إلا بإلقاء الشبهات ..

    وقد ألف الجابري رحمه قبل أن يموت كتابا

    طبق فيه منهجه القائم على تحليل النص القرآني باعتباره كتابا تاريخيا لا وحيا منزلا

    وسماه تفسيرا للقرآن زعما وتطاولا ، وحشاه بتطبيقات لا صلة لها بأصول العلم الشرعي

    ولا تقبلها مسلمات العقل البشري السليم .
    أَسْرِي سَقَى شِعْرِي الْعُلا فَتَحَرَّرَا = وَرَقَى بِتَالِيهِ الْمُنَى فَتَجَاسَرَا

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء تاريخي
    بواسطة د. حازم خيري في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-06-2013, 06:00 PM
  2. كتاب غريب القرآن.
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-05-2013, 10:19 PM
  3. وليد سيف:كل عمل تاريخي هو دراما معاصرة
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-27-2011, 07:42 PM
  4. إيران: تسلسل تاريخي
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-29-2010, 05:37 PM
  5. لغز تاريخي مشوق جدا...
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-15-2010, 12:14 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •