خطبة الجمعة ..الزوجان و المنهج.. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير .. شنني قابس
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي جمع بين الزوجين بأغلظ ميثاق.. و ألف بين قلبيهما بالمودة و الرحمة و الوفاق.. أشهد أن لا إله إلا الله .. وحده لا شريك له..مؤلف القلوب..و مقدر الغيوب ..و ساتر العيوب..و غفار الأخطاء و الذنوب.. وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا.. و إمامنا و قدوتنا محمدا عبده ورسوله.. بعثه رحمة للعالمين..و اصطفاه نورا يضيء درب السالكين.. فكان نعم الزوج و نعم القرين.. اللهم صل عليه وعلى آله وصحابته.. صلاة تزيد في رفعته..و ترفع في درجته..و تبارك في منزلته..وتظلنا تحت لوائه في أعز زمرته..و تجعلنا من رواد حوضه و أهل شفاعته..
أما بعد.. أيها الإخوة في العقيدة ..
خير البيوت.. بيت قائم على شرع الله.. بيت تهب عليه نسمات كتاب الله..و تعطر أرجاءه سنة ُرسول الله صلى الله عليه وسلم ..ذلك هو البيت المسلم.. الذي أراده الله لكل زوج و زوجة..وجعله واحة وارفة الظلال..هادئة الأرجاء .. قال الله تبارك و تعالى هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا.. و قال أيضا وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فالزوجة سكن.. وهي راحة للزوج بعد تعبه.. يأوي إليها الزوج.. ليجد الألفة و الوفاق..و المودة و الرحمة..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة..رواه الإمام السيوطي.. هذه الزوجة.. دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله.. و الحديث من سنن ابن ماجة.. مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِى نَفْسِهَا وَمَالِهِ .. ولا تكون هذه الصفات إلا في المتدينة.. المتأدبة بأدب الدين.. المتشبعة بهدي سيد المرسلين.. وهي التي نصح بها حبيب هذه الأمة..كل شاب من شباب المسلمين بقوله.. فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.. وهي التي تعين زوجها على طاعة الله.. و تحثه على بر والديه.. و صلة رحمه..و فعل الخير..و تسير معه على طريق الله.. وأول هذه الطريق.. حسن عبادة الله.. وأساسها.. إقامة الصلاة.. فمحافظة الزوج على الفرائض في بيوت الله..و محافظة الزوجة على صلاتها في بيتها.. تتنزل بها البركات من الله..و يشع في البيت نور الإيمان..فيسعد أهل البيت برضوان الله.. و على الزوج أن يجعل نوافله في بيته..لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. عَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِى بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ..رواه البخاري و مسلم.. فالصلاة نور في البيت..يؤم الزوج زوجته فيركعان و يسجدان لله في هدأة الليل..و يقرآن القرآن.. و يذكران الله تسبيحا و استغفارا ..و حمدا و ثناء..يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِى يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِى لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ..فالبيت الذي الذي لا يذكر الله فيه بيت ميت..لا روح فيه.. وكم من بيوت في زماننا.. محرومة من ذكر الله.. الجلسات فيها للدنيا..و الاستماع فيها للأغاني.. و بين هذا و ذاك..أكل و نوم..أين الإسلام.. أليس من الإسلام أن يأمر المسلم بالمعروف و ينهى عن المنكر في بيته.؟. أليس من الإسلام أن يذكـّر أهله بالحلال و الحرام.؟.ورب العزة تبارك و تعالى نادانا بأمره.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًاوَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.. و رسول الله صلى الله عليه و سلم..نبهنا في صحيح حديثه..فقال إن الله تعالىسائل كل راعٍ عمااسترعاه : أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته..فهو المسؤول أمام الله..وهو الذي رأ ّسه الله..و أعطاه القوامة..قال جل جلاله.. الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.. نعم..على الزوجة طاعة زوجها.. و ليست القوامة استعلاء..وليست كذلك استبدادا.. القوامة أمانة و مسؤولية.. لا بد لكل سفينة من قائد..و طاعة المرأة لزوجها واجبة ..أورد الإمام أحمد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ نفسها وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِهاِ شِئْتِ.. وقال أيضا.. أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة.. فلا تـُغضِب المؤمنة ُزوجَها.. لأن أمامها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً لزَوْجِهَا فَبَاتَ عَلَيْهَا غَضْبَان.. لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ..رواه الإمام مسلم..و من الأزواج من يغضب بالليل و النهار.. فتراه جليس المقاهي في النهار..و باحثا عن سهرة بالليل و لو كانت في مأتم.. و إذا سئل لماذا ؟ قال ذلك اتقاء المشاكل ..وأخف الضررين..لا أيتها المؤمنة.. الزوجة في بيتها مطيعة.. و طاعتها لزوجها ليست ذلا..و لا تحقيرا.. إنما هي تعاون ووفاق..و رفق و عطف.. بين أبوة بانية ..وأمومة حانية..إذا حلّ الزوج بالبيت حل بخير.. حل ببشر.. فرح أهله..واستبشروا بقدومه.. إذا فتح الباب قال باسم الله..و إذا رآهم بدأهم بالسلام ..هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته..كان يلاطف أهله.. كان سمحا في كل تعامل..و كان يعين على عمل البيت..نعم.. سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت.. كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ.. ويحلب شاته .. وكان في معونة أهله.. نعم أيها المؤمنون و المؤمنات..الحياة العائلية أمان و اطمئنان..الحياة العائلية مودة و حنان.. و كل ذلك يتأتى بتقوى الله.. فعلى المسلم..أن يسير بأسرته على المنهج القويم..وأن ينشر داخل بيته طاعة الله و تقواه.. وأن يعلمهم حسن التعامل بينهم..فيحب الواحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه.. الصغير فيهم محاط بالعطف والرعاية, والكبير فيهم موقر ومحترم..يتعاملون بينهم برفق..و قد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق , فمن صحيح الإمام مسلم.. إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ .. و مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ..و اللَّهُ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ.. وعند الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْراً دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ.. نعم.. نحن من بني الإنسان..و الإنسان محمول على الخطإ و النسيان ..فقد يحدث الخطأ..من هذا أو من ذاك..و كل ابن آدم خطاء..فيعالج الأمر بكل لين و لطف.. فالذي اخطأ مرة..هو من أحسن مرات.. ولا يـُهدَم الخير بخطإ.. ولا تـُنسى الحسنات بسيئة.. فيصلح الأمر دون أن يخرج عن نطاق الأسرة ..دون أن يسمع الأقارب..فمن الناس من يتدخل للحسنى.. فيزيد الطين بلة.. وكلما اتسع الخرق صعب على الراقع.. وعندنا كتاب الله هو المرجع.. و عندنا حديث رسول الله هو الملجأ..فكيف نحتكم الى هذا أو ذاك.. و عندنا الله..وبيننا كلام الله..وفينا سنة رسول الله.. فإذا أطعنا الله.. سهل الله لنا كل أمر.. إذا سرنا على منهج الله.. و فعلنا الخير وعملنا الصالحات..عشنا الحياة الطيبة في الدنيا..و فزنا بالنعيم المقيم في الآخرة.. يقول الله تبارك و تعالى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ..
اللهم اهدنا للعمل بشرعك المتين..ووفقنا للتمسك بهدي سيد المرسلين.. اللهم نور بدينك بيوت المسلمين..واهدنا طريق الحق و اليقين ..واكتب الوفاق بيننا إلى يوم الدين.. أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمد الطائعين..نحمده و نستغفره و به نستعين..و نشهد ان لا إله إلا الله ولي
الصالحين..و نشهد أن سيدنا محمدا رسول الله.. النبي الصادق الأمين..صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و التابعين..و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد ... أيها المؤمنون و المؤمنات ..عبــادَ الله..
يقول الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز.. وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.. بهذا التكليف الرباني..قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البيان على الوجه الأكمل.. في كل أركان الإسلام.. وقد بلغ به حرصُه على تبيان هذا الدين.. أن صلى فوق المنبر..أورد الإمامان البخاري و مسلم في صحيحيهما و اللفظ لمسلم أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ عَلى المنبر فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِى أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : يَا أُيُّهَا النَّاسُ إِنِّى صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِى وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِى.. و هذا من محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمته..يعلمها كيف تشيـّد عماد هذا الدين.. وهو الذي أوصانا بقوله.. صلوا كما رأيتموني أصلي.. ولذلك.. من صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعمـّر ما بين أركان الصلاة بالتكبير و التحميد..فالوقوف ركن والركوع ركن.. و تعمير ما بين الركنين بالتكبير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يقول الإمام مالك.. وَتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ إلَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلِاسْتِقْلَالِهِ .... فالتكبير يبدأ من أول الانحناء للركوع.. وليس في الركوع .. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع لنا في الركوع قوله..إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه ..فإذا أراد القيام فيبدأ من رفعه من الركوع بقوله سمع الله لمن حمده إلى قيامه ثم يضيف ربنا و لك الحمد..حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وهو قائم .. حتى يستقر قائما..لا أن يرفع صامتا فإذا استقام قال سمع الله لمن حمده..ذاك خلاف السنة..و كذلك إذا أراد السجود..فبمجرد الهويّ يقول الله أكبر يمد كلمة الله.. يعمر بها هويّه للسجود..لا أن يهوي صامتا فإذا سجد قال الله أكبر.. المشروع في السجود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى و الدعاء..جاء في كتاب شرح مختصر خليل يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ وَتَحْمِيدُهُ وَاقِعًا فِي حَالِ الشُّرُوعِ فِي الْأَرْكَانِ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ مُعَمِّرًا بِهِ الرُّكْنَ مِنْ أَوَّلِهِ لِآخَرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ من إثنتين فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكَبِّرَ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا قال العلماء السر في ذلك أن أصل الصلاة فرضها الله ركعتين ركعتين.. فقيامه بعد التشهد الأوسط من غير تكبير حتى يستقيم قائما.. و تكبيره عند ذلك ..فكأنما افتتح صلاة جديدة..و لذلك نعمر صلاتنا بذكر الله ..عملا بهدي رسول الله ..صلى الله عليه وسلم \
اللهم اهدنا فيمن هديت.. وعافنا فيمن عافيت..و تولنا فيمن توليت..و بارك لنا فيما أعطيت.. واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت..اللهم احفظنا و أهلينا من كل سوء..و أصلح حال نساءنا وأبناءنا و بناتنا.. اللهم جنبنا وإياهم جميع المنكرات و الفتن..و جميع الفواحش ما ظهر منها و ما بطن.. اللهم صن أعراضنا و أعراض المسلمين.. واجعلنا هداة مهتدين.. غير ضالين ولا مضلين..اللهم زدنا بالحسنات إحسانا..و بالسيئات عفوا وغفرانا.. اللهم وارحم الآباء و الأمهات ..و اهد لنا الأبناء و البنات.. وأصلح لنا حال الزوجات.. واجمع شملنا في أعلى الجنات..يا فاطر الأرض و السماوات.. يا رفيع الدرجات..يا عظيم البركات..يا بديع الكائنات.. يا منزل البركات.. يا مجيب الدعوات.. نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين..و نصرا مؤزرا لإخواننا في فلسطين..اللهم أمنا في دورنا ..ووفق إلى الخير والصلاح ولاة أمورنا.. واجعل
اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين \