متى يفرح العراقي ؟

عبدالوهاب محمد الجبوري

هذا السؤال طرحه مذيع قناة الشرقية العراقية ضمن البرنامج النقدي ( من سيربح البترول ) والذي خصصت له جوائز رمزية هي برميل نفط لكل إجابة صحيحة !!!! على احد المشاركين في البرنامج وقبل أن يرد المشارك على السؤال سمح له المذيح – وضمن سياسة البرنامج - أن يستعين بالحضور وجلهم من الفنانين والكتاب والأدباء العراقيين الذين هجّروا قسرا أو خوفا على حياتهم إلى خارج العراق بسبب مواقفهم الوطنية ، فكانت الإجابات كما يأتي ( وهي بتصرف ) :
قال الأول : يفرح العراقي عندما يعم الأمن والسلام والازدهار ونتخلص من قيد الاحتلال والتدخل الأجنبي ..
وقال الثاني : يفرح عندما نتخلص من الفساد ومن الطائفية والقتل العشوائي ونهب خيراتنا والقضاء على اللصوص والسراق ..
وقال الثالث ( وكانت امرأة ) : يفرح العراقي عندما تامن كل والدة على ولدها وكل أخت على أخيها وكل امرأة على شرفها وكل زوجة على زوجها ..
وقال الرابع : يفرح عندما نتخلص من البطالة وتعود الثروات إلى أحضان أهلها الحقيقيين ويتوفر العمل للجميع خاصة خريجي الكليات والدراسات العليا الذين راح معظمهم يعملون أجراء أو سواق تكسي أو نراهم يتسكعون في كل يوم على مداخل الوزارات ودوائر الدولة بحثا عن عمل يسد الرمق .. أي عمل يقيهم شر العوز والحرمان والجوع في أغنى بلد في العالم وصاحب اكبر احتياطي نفطي ، في حين أن كل وزارة تمثل حزبا معينا من الوزير إلى الفرّاش والحارس ويمنع تعيين أي شخص لا ينتمي لهذا الحزب .. هكذا يجري تقاسم السلطة حسب التوافق ؟؟؟؟؟؟؟
وقال الخامس : يفرح العراقي عندما يامن على نفسه وأولاده من الموت والمداهمة في منتصف الليل لاعتقالهم بحجة التعاون مع المقاومة والتخريب ورفض الطائفية والمليشيات المسلحة التي شكلتها الأحزاب لتكون دولة داخل دولة ..
وقال السادس : يفرح عندما يجد حريته وكرامته مصانة ولا يتعرض للاضطهاد والتمييز كونه ( سنيا أو شيعيا أو شبكيا أو مسيحيا أو صابئيا أو تركمانيا أو ايزيديا ) ونتخلص من كابوس التهديد بالحرب الأهلية التي إذا وقعت – لا سمح الله – فإنها لا تبقي ولا تذر ..
وقال السابع : يفرح عندما يعود ملايين المهجرين من خارج العراق وداخله إلى بيوتهم امنين مطمئنين دون ملاحقة ودون خوف من اعتقال أو قتل على الهوية كي ينعم بخيرات بلده وينعم بالأمان والاستقرار المفقودين في بلد الأنبياء .. ياه .. سبحانك يا رب .. كل هذه المصائب .. هكذا علق المشارك في الحلقة وواصل استماعه إلى إجابات الحاضرين وهو شارد الذهن وكأنه يسمع بهذه المصائب لأول مرة وهو الذي عاشها ولازال يعيشها العراقيون منذ اليوم الأول للاحتلال وحكم البلاد من قبل الدخلاء على بلدهم ، حسب تعبيره ، ومن الذين لا يحملون الجوازات العراقية أصلا ..
وقال الثامن ( وكانت امرأة ) يفرح عندما نتخلص من كابوس التفجيرات والمفخخات والقصف الجوي الأمريكي والتفجيرات حتى داخل أسرة النوم ويفرح عندما يجد الطفل الطمأنينة والهدوء والأمان في نومه فلا رعب من زوار منتصف الليل ولا خوف من غربان الصباح وهي تحوم حول البيوت منذرة بشؤم جديد ولا طفلة تبكي عروستها التي قطعت يدها نتيجة أصابتها بشظية طائشة أو مسددة عن قصد ..
وقال التاسع : يفرح العراقي متى ما رأينا الكهرباء والماء الصافي والخدمات قد توفرت بعد حرمان السنين السبع العجاف ونتخلص من الظلام الدائم ونشرب من نهري دجلة والفرات بعد ان تطهرا مما احتوت مياههما من فضلات الاجنبي وقاذوراته وبقايا قنابله واسلحته المحرمة ..
وقال العاشر : يفرح عندمـــا نتوقف عن بناء مقابر جديدة بعد أن امتلأت المقابر بزوارها ولم تعد تستوعب المزيد ..
وقال آخر : لم تتركوا لي شيئا ولكن العراقي سيفرح عندما يتوقف عن التسول ويشبع بعد جوع أو عاهة دائمة أصابته نتيجة قذيفة هاون أو صاروخ لعين .. وأضاف : بعد أن فرت دمعة ساخنة من مقلتيه ، يا الله في بلد الغنى والكرامة يصبح التسول ظاهرة عامة منتشرة في شوارعنا ومفترقات طرقنا ولا يقي المتسولين من حر الصيف اللاهب أو برد الشتاء القارص سوى الأزقة والمباني المتهدمة المتروكة والمنتشرة في كل مكان ..
وقال آخر : يفرح عندما ترفع العوارض الكونكريتية ونتحرك بحرية ويصبح دفاع الأجهزة الأمنية والجيش عن المواطنين وليس دفاعا عن أنفسهم .....
ثم توالت الإجابات - وما أكثرها من دون توقف - من قبل كل الحضور وسط دموع منهمرة وآلام تعتصر القلوب فقال المذيع للمشارك : ها .. متى يفرح العراقي ؟ هل تعطينا إجابة واضحة ومحددة كي تربح برميل نفط !!!!!
لكن هذا الأخير لم يستطع الرد وراح يبلع ريقه ويهضم حزنه والدموع تترقرق من عينيه، وظل مشدوها فكرر المذيع السؤال مرة أخرى .. وهنا تنبه المشارك وأجاب : ها .. لقد كنت احلم بعدما سمعت ما قاله الحاضرون .. أما إجابتي فاني لا اعتقد أن العراقي سيفرح يوما إلا إذا شاءت إرادة الله فقط ...
وهنا تعالى التصفيق - على هذه الإجابة الصحيحة – وسط حسرات وآلام ودموع الحاضرين واندهاشهم وآلامهم وحسراتهم على عراق أيام زمان ، فحصل المشارك على برميل نفط ( من كارتون ) لينتقل إلى السؤال الآخر فكان : ماذا تفضل أن تكون في الحكومة العراقية الحالية : وزيرا أم مديرا عاما أم مدير مكتب أم رئيس مراسيم ؟
هنا نترك الإجابة لقرائنا الأعزاء ولأبناء شعبنا العراقي المظلوم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
العراق في 14 / 3 / 2010