العنف ضد المرأة ، وبعض المسكوت عنه !
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة السودانية - أول أمس الجمعة.
دعتني الأستاذة أم سلمة الصادق إلي حضور الندوة التي حملت عنوان (العنف ضد المرأة) والتي أقيمت في قاعة اتحاد المصارف في يوم الأربعاء الموافق التاسع من ديسمبر من هذا العام.
لقد كانت أمنيتي أن أكون ضمن الحضور ؛ ذلك أن الندوة حملت عنواناً حساساً
يحتاج من الجميع المساهمة لتجفيف منابع الإعتداء علي حواء.
ولكن لظروف قاهرة لم أتمكن من الحضور ؛ لذلك رأيت أن أعوض غيابي عن الندوة بتناول هذا الموضوع في خُطبة الجمعة وقد كان.
وفي تصوري أن خُطبة الجمعة لها تاثير عميق في نفوس المصليين ؛ ذلك أنها تمثل حلقة إتصال مباشر مع الناس وبصورة دورية.
ولكن كما يعلم القارئ أن تناول قضايا المرأة في مساجد شعبية يُعد من البدع إلا إذا تحدث الخطيب عن المرأة برؤية سلفية.
وأذكر أنني قبل عامين عزمت الحديث عن ظاهرة ختان الإناث ، فسألني أحد المقربين عن موضوع الخُطبة . قلت له – وليتني لم أقل – ( أنني عزمت التحدث في موضوع ختان الإناث ) فزجرني قائلاً : " يا ولد إنت قليل أدب ولا شنو !، داير الناس يقولوا مراهق جديد! ).
والمدهش أنه أستاذ وداعية إسلامي ، ولكن مع ذلك ترأه متأثراً بالموجة العامة للمجتمع تحت شعار " هذه قضايا مسكوت عنها"!.
ولكن في قاموسنا الإسلامي لا توجد قضايا مسكوت عنها ، فتعاليم الإسلام شملت حتي أدب النكاح! ولم يستح نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم ولا أم المؤمنين عائشة عن الخوض فيها.
ولكن لندع كل هذا جانباً حتي لا ننصرف عن موضوعنا الأساسي ؛ فإن أول مدخل للحديث عن ظاهرة العنف ضد المرأة هو أنها ظاهرة لا تخص مجتمعاً محدداً ، ولا ثقافةً بعينها ؛ وإنما هي ظاهرة عامة في كل المجتمعات المدنية والريفية ، الغنية والفقيرة وإليك بيان ذلك :
- في الشرق الأوسط 47% من النساء في الأردن يتعرضن للضرب بصورة دائمة.
- في الشرق الأقصي 8 من 10 نساء في الهند هنَ ضحايا للعنف .
- في أفريقيا تتعرض يومياً 1411 من النساء في جنوب أفريقيا للإغتصاب.
- في أوربا 95% من النساء في فرنسا هنَ ضحايا للعنف.
- في الولايات المتحدة 85% من النساء هنَ ضحايا العنف المنزلي.
إذاً العنف هو سلوك عدواني غير مرتبط بجغرافيا أو إيديولوجيا ، وقد عرَف قرار الأمم المتحدة 54/143( أن العنف ضد المرأة هو مظهر لعلاقات قوي غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ أدت إلي هيمنة الرجل علي المرأة ، وممارسته التمييز ضدها والحيلولة دون نهوضها بالكامل ، وأن العنف ضد المرأة هو من الأليات الإجتماعية التي تُفرض بها علي المرأة وضعية التبعية للرجل).
إنها كارثة عصرية توجب التصدي لها بكافة الوسائل المتاحة من إعلام ، ومناهج تعليمية ، وتشريع قانوني ، وغيرها من الوسائل . ولكي نجد الروشتة العلاجية المناسبة لابد من تحديد مظاهر العنف ضد المرأة في مجتمعنا السوداني وهي كالأتي :
المظهر الأول : العنف الجنسي ويشمل الإغتصاب والتحرش ، وإكراه المرأة علي الفراش وقد تحدث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن دارفور لعام 2009 صراحةً عن تلقَي البعثة لبلاغات عن أحداث عنف جنسي في دارفور.
إن الحروب تشكل مناخاً مهيئاً لحالات العنف ضد المرأة ، ودوننا جمهورية الكنغو التي شاع فيها الإغتصاب الجماعي لدرجة جعلت الأطباء يتحدثون عن ما يسمي " بالتدمير المهبلي للمرأة " .
وفي سياقٍ آخر تحدثت بعض التقارير عن نسبة قد تصل 83% من النساء في المجتمعات التقليدية يتعرضَن للإغتصاب ، ولأن التبليغ عن مثل هذه الحالات في المجتمع الريفي يُعد نوعاً من العار ؛ فإنها تُخمد في مهدها ولا تصل إلي الفضاء الإعلامي .
وظهرت لدينا مؤخراً في الجامعات السودانية حالات إعتداء وصلت إلي حد القتل - بسبب شاكوش عاطفي!- كما حدث في كلية الصحة بجامعة الخرطوم .
المظهر الثاني : الختان ، وأحسبه من أفظع أنواع العنف ضد المرأة وقد ذكرت لي بعض الأخوات أنهن يمارسن الجماع مع أزواجهن لسببين :
أولاً : لعدم سخط الله سبحانه وتعالي عليهن إذا رفضنَ الجماع .
ثانياً : لإنجاب الأبناء.
إن حديثاً مثل هذا من شأنه أن يجعل حياة الزوجين جحيماً وليست حياة الزوجة وحدها ؛ ذلك أنه سيكون نكاحاً بين إنسان له شعور ، وإنسان أشبه بالجماد! ؛ وهذا سيؤثر تأثيراً نفسياً علي مستقبل العلاقة بينهما .
كما أن الختان له مخاطر جمة علي الصحة الإنجابية للمرأة . إن الذي يقارن الصحة الإنجابية بين السودان وبلاد الشام - وهي لا تستخدم الختان - يجد بوناً شاسعاً بينهما.
المظهر الثالث : ضرب الزوجات . إن الذي يضرب زوجته ينطلق غالباً من منطقين :
الأول : أن المرأة خُلقت لإشباع رغباته الذاتية ، وراحته النفسية - من إتجاه واحد - وعليه إذا حدث أي تقصير وفقاً لرؤيته ؛ فإن المسكينة جزاها أم كف ! . وقد ذكر أحد أصحاب الأحذية أن أمرأة طلبت من زوجها أن يشتري لها حذاءاً ، فذهبا معاً إلي مكان الأحذية . فقال الزوج : إعطنا الحذاء الفلاني . فرفضت الزوجة ذلك الحذاء وبررت رفضها بأنها تُريد حذاءاً له كعب ، فلما أشتد النقاش بين الزوجين في مكان الأحذية تدخل صاحب المحل وقال للزوج : نفَذ لزوجتك رغبتها . فرد عليه الزوج قائلاً : أصمت هو إنت الحاتنضربيهوا!.
الثاني : أن البعض يلتمس تفسيراً دينياً للضرب كوسيلة للتأديب ، وعجبت لشخص في قامة د/ حسن الترابي أن يقول : ( ليس للرجل فيها – أي الحياة الزوجية – إلا قوامة الإنفاق والأمر والتأديب بالمعروف )( المرأة بين الأصول والتقاليد ص11 ) مع أنه أكد أن العلاقة الزوجية تنشأ وتنحل برضا المرأة ؛ وأنها تقوم علي الشوري والإحسان .
ولا نود أن نسي الظن في لفظ الدكتور " والتأديب بالمعروف " ؛ فإذا كان يقصد بذلك التأديب المعنوي عند حدوث الأخطاء الكبيرة فهو حق مكفول للطرفين .
أما إذا قصد التأديب بإستخدام الضرب ولو بصورة طفيفة ، إستناداً علي الأية ( والتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع وأضربوهن ) فأعتقد أنه لم يُوفق فيما ذهب إليه من إجتهاد ؛ ذلك أن الضرب قد يقفل كافة منافذ الإستمرار في الحياة ، وإذا كان لدينا فهماً راقياً كالتحكيم الذي أشارت إليه الآية ، فما الذي يجعلنا نتمسك بخيارات قد تجعل بيت الزوجية في مهب الريح؟ .
إن إستنباط الحكم الشرعي من آية واحدة في القرآن دون الرجوع إلي المقاصد الكلية ؛ سوف يجعل فهمنا لكتاب الله فهماً مبستراً وهو منحي أبعد ما يكون عن مقاصد الشريعة الإسلامية .
وقد ُروي أن النبي صلي الله عليه وسلم لمَا إختلف مع عائشة قال لها : أترضين تحكيم عمر . قالت : لا عمر غليظ . قال لها : فأبابكر . فقبلت بتحكيم أبوبكر رضي الله عنه ، وهذا المسلك هو ترجمة عملية للآية ( وإن خفتم شقاق بينهما فأبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ).
المظهر الرابع : الإحتقار والتقليل من شأن النساء وهو يعتبر عنفاً معنوياً ، وقد جاء في المثل ( المرة كان عاشت لزوجها - وكان ماتت للقبر ) وهو فهم يجرد المرأة من أي قيمة سوي إسعاد الرجل ؛ إنه فهم يطابق قول الشاعر :
ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة
ذاك لنا ولهنَ منَا أن يبتن علي جنابة!
وقد قيل علي سبيل النكتة أن أمرأة ملَت من حياتها مع زوجها فقالت له : ليتني تزوجت الشيطان ولم أتزوجك فرد عليها متسائلاً : وهل زواج الأخ لأخته أصبح حلالاً ؟!
المظهر الخامس : قيام البنات بخدمة أخوانهن في الجوانب الشخصية ( كغسيل الملابس ، تحضير الحمام ، المكوأة ) وهذه الأشياء إذا كانت من باب التعاون فلا غبار عليها ، ولكن تكمن المشكلة في إجبار النساء علي ذلك كما في مجتمعنا الريفي .
المظهر السادس : فرض الزواج علي النساء دون إستشارة تحت شعار ( هي المرة عندها رأي ! ).
المظهر السابع : العنف السلطوي الذي تشنه الوحدات الإدارية تجاه بائعات الشاي . إن مثل هذا الأسلوب غير الإنساني من شأنه أن يعطَل حيأة الكثيرين ، لا سيما أن بعض الأسر تعتمد عليه في تسيير حياتها اليومية .
المظهر الثامن : حرمان النساء من دراسة بعض التخصصات ؛ وعلي الرغم من أن المرأة في السودان وجدت فرصاً للدراسة في مجالات شتي ، إلا أن قيود وزارة التعليم العالي حرمتها من دراسة بعض الكليات كهندسة البترول ، والتعدين ، والمساحة بحجة أن هذه المهن رجالية .
إن وضع هذه التخصصات لم يعُد يعتمد علي مقومات الرجولة والأنوثة ؛ إذ أن غالب التخصصات في عصرنا الحالي تعتمد إعتماداً كلياً علي التكنولوجيا . ولذلك يمكن أن نوظَف قدرات الأفراد وفقاً لطاقاتهم .ولا نري أي معني لمثل هذه القرارات إلا إذا كنَا نعيش بعقلية العصور الوسطي! .
المظهر التاسع : زواج الرجل بأمرأة أخري سراً ؛ إنه نمط منتشر في بلادنا ويمثل آيضاً حلقة من حلقات الإستهتار بالطرف الآخر في الحياة .
المظهر العاشر: حرمان المرأة من حقها في إنهاء العلاقة الزوجية إذا رأت أن حياتها مع زوجها تسير في طريق مسدود . إننا نشهد في مجتمعنا رجالٌ ُكثر يُعلقون المرأة في حبلٍ بين السماء والأرض ، ويتلذذون بذلك . فلا بد من قانون يحمي المرأة من حماقة هؤلاء .
المظهر الحادي عشر : نظرة المجتمع للمرأة المطلقة فيها إحتقار وإهانة لهذا الصنف من النساء .
المظهر الثاني عشر : الإعتماد في التشريع علي إجتهادات الآئمة الأعلام في شأن المرأة . إننا لا ُنقلل من شأن إجتهادات أهل المذاهب ، ولكن لا يمكن أن نسقط إجتهادات قبل أكثر من 10 قرون علي واقع اليوم ؛ وهذا ليس كلامي ؛ إنه كلام آئمتنا أنفسهم فقد قال أبا حنيفة : ( إذا ثبت الحديث فهو مذهبي ) .
هناك مظاهر أخري تحدث عنها باحثون ومفكرون . لقد ذكر الإمام الصادق المهدي في ورقته التي قدمَها لندوة إتحاد المصارف بعنوان ( نحو إطار مشترك لمناهضة العنف ضد المرأة ) العديد من المظاهر منها :
- الزواج المبكر انتهاك لحقوق الأطفال وقهر اجتماعي يقع على المرأة

- ظاهرة التشويه بماء النار كما حدث لسناء، وزينب، وعايدة، وملاك

- إعتبار المرأة كلها عورة وفرض أزياء تلقي وجودها تماماً وتجعلها مدانة بذنب لم ترتكبه .
ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍونقول في خاتمة هذا المطاف إذا كانت هذه هي مظاهر العنف ضد المرأة ، فما السبيل إلي إزالة هذه المظالم عن دنيا المرأة ؟
هناك أحد عشر إطاراً حددها المهدي في ورقته نري أنها خطوة في طريق الحل ؛ تلك الأطر هي :
إطار أخلاقي - ثقافي - ديني - قانوني - تشريعي - تربوي - إعلامي - وقائي يحمي النساء أثناء الحروب - توثيقي يسجل الحالات المختلفة بتنسيق رسمي وغير حكومي - تشبيكي بين المنظمات الدولية بهدف تبادل الخبرات والإمكانات - أخيراً الإستفادة من النفوذ السياسي النسوي لتشكيل هذه الأطر في ميثاق نسوي تتفق عليه القوي السياسية بمبادرة قومية نسوية .
كما أننا لا ننسي دور الشعر والرواية ، الدراما والسينما في كبح جماح هذه الظاهرة ، ونتمني من الدواخل أن تحقق المرأة حقوقها التي كفلها لها خالقها في كتابه المسطور قال تعالي ( يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالاً كثيراً ونساءا ).