روايــــــــة حســـيبـة
رواية..الفيلم القادم ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008

حسيبة امرأة الخيبات والانكسارات... والاصرار على التحدي والصمود
خيري الذهبي
استطاع ان يقدّم صورةً وافيةً عن حياة المرأة الدمشقية في ضوء التحوّلات السياسية الواقعة..
ريمون بطرس
سيكـــــون فيـــــــلم حسيبـــــــــة هديـــــــــةً... لنســـــــــــاء دمشـــــــــق!!!


ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة لعام 2008 استعدت المؤسسة العربية للسينما لعرض عدة أفلام متنوعة، منها فيلم حسيبة المأخوذ عن رواية الأديب المعروف/خيري الذهبي/ واخراج ريمون بطرس والذي أكد ان فيلم حسيبة سيكون له شأنٌ كبير في عالم السينما السورية.
وقبل ان يُعرض الفيلم آثرت ان أقدم لمحةً عن رواية حسيبة..ليربط المتلقي بين الحدث المرئي والمقروء..ويكتشف عمق الأحداث والأبعاد... حسيبة رواية اجتماعية سياسية وهي الجزء الاول من التحولات السياسية التي مرت بها سورية في تاريخها الحديث..يبدأ زمن الرواية منذ دخول الاستعمار الفرنسي البلاد... ويمتد ليطال زمن الاستقلال..ومن ثم الانقلابات المتكررة، والحرب في فلسطين ليتابع الكاتب التحوّلات عبر الجزء الثاني فياض..ومن ثم الجزء الثالث هشام..شمل الفضاء المكاني حارات دمشق وأسواقها ومنازلها وجوامعها (حارة التعديل، الشويكة، مدحت باشا ، سوق الحرير، حمام القيشاني، القباقبية، الأموي، جامع السباهية..) اضافةً الى الخيوط المتعلقة بالجبل والغوطة وأماكن بعيدة لبعض الشخصيات الثانوية..ورواية حسيبة بالمفهوم العام هي من الروايات الواسعة التي تضم شخصيات متعددة، تحمل في أعماقها طاقات وأحاسيس شعورية كبيرة ومتباينة... وقد اعتمد الكاتب نهج «العقاد» في رسم الملامح النفسية للشخصية، وكل الشخصيات ارتبطت بالشخصيةالرئيسية/حسيبة/ وهي البطل، ومن الشخصيات الرئيسية نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيصياح المسدّي، حمدان الجوقدار، خالدية، فياض، هشام، زينب..والثانوية:لعبت دوراً كبيراً في تحريك مجرى الأحداث(مريم، وداد، عبده، عبد الله، زيدان..) وكذلك الهامشيةنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي شكري بك، حسني بك، إياد الجوقدار، خليل..
امتلك الكاتب القدرة الفنية في التوغل بعمق الشخصية، وسبر أغوارها النفسية والقاء الضوء على السمات الحياتية النفسية التي تحملها بأعماقها، وكشف خطوط الحزن الدفينة العميقة التي تعيش بها، فكان صوت الشخصية قوياً نابعاً من أعماقها، يصل صداه الى المتلقي..ليترك لديه أثراً يجعله يدرك عمق الحدث، ويتخيّل البعد النفسي له، ومن أجمل ما يميّز الرواية الوصف البانورامي الدراماتيكي لجزئيات المكان، وإبراز العمق الواضح في ارتباط الشخصية بالمكان وجمالية التراكيب اللغوية والعبارات المتسلسلة والألفاظ المتجانسة.
«فيه مربعان كبيران وغرفة ضيوف وإيوان، وفرنكة وباحة يجول فيها الخيال وبحرة يستطيع السباحة فيها خمسة رجال وشجرة مسك بكل ما تلقيه من ورق يابس أصفرو وشجرة الدراق الزهري والداليتان..ص109».
حالات كثيرة وشخصيات متعددة،...جميعها ضمن سطور المجموعة..لتشارك بالمغامرة الحدثية، لذلك نرى فيها الحبكة مفككة مرتبطة بمصير الشخصيات عبر مسارات مختلفة، ووفق حركة وحيوية كل شخصية، التي اتسمت بها لا سيما حسيبة التي لا تهدأ ولا تستكين ولا تقبل بالواقع، وتصر على التحدي..وعبر عتبات السرد والفضاء الحكائي..كان الكاتب السارد المشارك الحوارات الكثيرة الدائرة بين الشخصيات، واستخدم ضمير الغائب، وضمير المتكلم في أحايين أخرى، ونوّع بالأسلوب العرضي، إذ وضعنا الكاتب أمام الحدث مباشرةً، وبطريقة غامضة، وحينما أورد صورة حسيبة مع والدها عائدةً من الجبل« حين قال: هيا فمشت وراءه لم تكن تعرف أنها ستبدأ ثلاث سنوات في الجبال والصخور والنوم في شقوق الأرض..» ص7.
وفي متن السرد غيّر من نمطية القراءة بإقحام الأحداث التاريخية عبر آلية التناص والايماض الخفي للحدث السياسي التاريخي، والتنقُل المفاجىء من حدث لآخر من خلال تغير لغة السرد الواقعي، والتخيلي لبوح الشخصية بمكنوناتها الدفينة، وذاك الاستباق والاسترجاع للحدث قبل السرد بأزمنة، فيشير الى الحدث الذي سيقع فيما بعد، ثم يتابع المضي بالسرد مثل زواج حسيبة من حمدان، وموت صياح، وقدوم فياض وزواجه من زينب وموت حمدان، وهروب صياح وفياض..كلها ومضات بارقة..أوضحت الحدث قبل السرد، ليفاجىء القارىء ويجعله يعيش لحظة المفاجأة..ثم يعيده ثانيةً الى الحدث مع الربط الثنائي بين الماضي والحاضر..فكا ن العرض الحكائي موزعاً مثل المقطوعات الموسيقية، التي تناغم فيها الصوت القوي والضعيف، والعودة الى الذكريات...وتباينت لغة السرد بين الرقة والهمس ولا سيما في الحب الخفي (الحب المميت) -كما أسماه الكاتب- والسلاح والرصاص، وقد استطاع الكاتب التحليق بعوالم الشخصيات وقدم لنا لوحات عن الحياة في مدن الواحات، في المجتمع الدمشقي وأورد بكاميرته مشاهد لوجوه مختلفة للمرأة الدمشقية بكل مداخلاتها وجزئياتها وفنونها البارعة بها، وكيفية التعامل مع الرجل، واستخدام الحيل للاستحواذ عليه والدخول الى اعماقه إضافة الى ذلك كانت روايةً تاريخية للواقع السياسي الذي عاشته سورية زمن الاحتلال، وما تلاه من تعديل حكومات ووزارات.. ومن ثم حمكم الزعامات في الحارة والأتاوات والانقسام بين صفوف المقاتلين وبين الحكومات الموالية والفرنسيين والتباس الأمور، وتفرّق الآراء..ومن ثم الذهاب الى فلسطين للنضال ضد اليهود..فالحق بيّن- كما قال الكاتب-..
تبدأ أحداث الرواية حينما طرقت حسيبة مع أبيها باب حمدان الجوقدار بعدما عادا من الجبل، وصياح المسدي من أولئك الاشخاص الذين يهربون من عوالمهم وحياتهم ويهجرون كل شيء، في سبيل القضية وهم-كما قال الكاتب- وقود الثورات والحروب«فلم يعمر الجبل الا صياح وحسيبة وخمسة من البسطاء المساكين الذين لم يملكوا التسلل..»ص8.
جاء صياح المسدي من السفربلك، ليكتشف ان زوجته ماتت وابنته ترعى الماعز في احدى قرى القطيفة، فعاد الى مدن الواحات، لكن الأبواب مقفلة مات يوسف العظمة، وسافر الفيصل متخلياً عن الحلم الكبير وتفرّق المقاتلون اضافةً الى الحمى الصفراء التي قضت على كثيرين، عاد ثانيةً وهو ابن دمشق، الذي يعمل بالصايات والأجاجا وخيط الحرير..ليغدو نجم القنوات والشويكة وقبر عاتكة، كونه واحداً من المقاتلين العائدين«فوجىء بفيصل يستعد للسفر متخلياً عن الحلم الكبير، وفوجىء ببقايا ميسلون يتخفون محاذرين انتقام القادمين الجدد..»ص14.
وتتابعت سلسلة الاحداث بزواج حسيبة من حمدان الجوقدار وهو في الخامسة والخمسين، وكان قد تزوج سابقاً خمس مرات ولم ينجب وغدت حسيبة سيدةَ المنزل الكبير :«فرفعت رأسي أتوقع القطة..لكنني رأيتكِ كنتِ أنتِ المتسللة، وشعرك الأسود المتدلي من ورائك موزعة خصلاته..» ص28
وسادت سنوات الصمت المطبق على صياح المسدي الذي بدأ يهرب من عالم حسيبة، الا ان عادت إليه الحياة بعد سفره الى فلسطين وانتهاء معركته مع حسيبة التي أخفت سلاحه وتركته يذهب أعزل، وهنا خسرت حسيبة أولى معاركها وأحست بأول خيبة من خيباتها: «لكن صياح المسدي كان قد مضى ارتخت ركبتاها، فجلست الى جانب السرير مهزومةً فلقد عرفت أنه أخيراً...فعلها..»ص...60 ودخلت الاحداث شخصية خالدية..لتكون عنصراً فعالاً في تحريك مجريات الأحداث وهي شخصية مساندة ومساعدة لحسيبة والمعلمة لكل الفنون النسوية، والبوح بكيفية التعامل مع الرجل، واستخدام شتى الحيل للاستحواذ عليه خالدية امرأة حالمة رومانسية حزينة، طعنتها الأيام مرات عدة..وقد استطاع الكاتب ان يرسم بالكلمات صورة المرأة الدمشقية المظلومة من قِبل الرجل والمجتمع، وكشفت سطور الرواية عبر السرد عن معاناة والدة خالدية المقعدة التي عانت المعاناة ذاتها... وإن اختلفت الأوضاع الحياتية لكل منها.. وعَبر شخصية خالدية امتلكت لغة الرواية الهمس والرقة من خلال العنصر السيميائي الذي يربط بين المضمون والشكل في وصف جزئيات المنزل الدمشقي وأصص النبات، التي وجدت فيها خالدية عالماً للهروب من أحزانها ، وكانت السبب بموتها: "حسيبة التي دمرت عش هدوء العنكبوت الذي بنته من حولها، بنته من أصائص زريعة لا عد لها، أصائص انتشرت صفوفاً..." ص 61
والحوار الذي دار بين حسيبة وخالدية تطرق إلى معاناة خالدية مع الوحدة، التي لا يشعر بها أحد بعدما طُلقت من شكري بك بعد عامين لأنها لم تنجب، وكذلك حسني بك الذي قرر الزواج عليها بعد عام... فتركت المنزل وأصرت على الطلاق، وعادت لتسكن مع أمها العجوز المقعدة التي أيضاً تهرب من معاناتها بتطريز الأكفان لموتها، تلك الأكفان الموشومة بكل أحلامها بالأنهار التي لم ترها بالأشجار بالأزهار بكل أمانيها التي ضاعت منها.. وكل أحلامها التي لم تعشها .. هنا يقتحم الكاتب الأحداث ليُظهر معاناة المرأة عبر صور متعددة للمرأة الدمشقية، معاناتها مع الرجل الضائع المفقود الرجل الذي امتزج بين الحلم والحزن والأمل والجرح.. وعادت خالدية إلى سرد حكايتها مع ( أبو شفتور) صبي المعلم في حمام القيشاني، الذي يرسم الرسومات لخالدية، عبده الذي ملك قلب خالدية وهي في الثلاثين وهو في التاسعة عشرة، وخفق قلبها له... وهنا تفتح سطور الرواية الستار عن شخصية مريم صديقة خالدية في الصغر، والتي كشفت سر علاقة خالدية مع عبده بعد موتها لحسيبة، كانت مريم صديقةَ خالدية... إلا أن تزوجت من عبد الله الفوال، وتزوجت خالدية من شكري بك، وحافظت كل واحدة على مكانتها إزاء الأخرى.. لكن بقي خيط الحب الخفي بينهما.. بعد ذلك تزوجت خالدية من عبده في منزل والدتها فطرده أهلها وهددوه بالقتل ، فما كان من خالدية... الا ان أخذت مصاغها وما تملك وذهبت الى بيته الحقير لتعيش معه وأمه، ثم باعت محلها في البزورية، واشترت له محلاً في القيشاني، بعد سنوات طعنها عبده إذ اشترى منزلاً جديداً وتزوج من صبية جميلة ابنة معلمه، وترك خالدية فريسة الأحزان، فعرف أخوها وأعادها واشترى لها منزلاً صغيراً بعد وفاة والدتها، صنعت معه عالماً لحياتها ومماتها اذ انزلقت قدمها وتقاذفتها أصص النباتات من أعلى الدرج وبنت فوقها قبرها الأخضر ..«رأت الزهور الباكية من فوقها، ورأت حداد الخبازى وأسف الزنبق وبكاء الياسمين صديقها القديم..»ص102
وفي منحى آخر من الرواية كشف الكاتب المستور عن قضايا لجوءالنساء الى الشيوخ لأخذ التبريكات وفك اللعنات والخوف من الجن... فكانت حسيبة تهرع لتقديم القرابين لحماية أولادها الذكور الذين يموتون واحداً تلو الآخر، وتطلب الحماية من شيخ البحرة في منزلها الكبير، الذي ألحق اللعنة بالعائلة... لكن كل الذي فعلته لم يجدِ، اذ مات كل الذكور وعاشت زينب فقط التي لم تكن على وفاق معها، «الحرب مع هؤلاء الناس يا حسيبة صعبة، بل ربما مستحيلة، فأنت لا تعرفين متى تحاربين، هم يرونك وأنت لا ترينهم»ص93، ومضت مجريات الأحداث مع حسيبة، تلك المرأة القوية التي لا تقبل بالواقع و تكره الآمال الصغيرة والأحلام الصغيرة..حاولت ان تصنع من حمدان تاجراً كبيراً... لكنه رفض الخضوع وأضفى عليها خيبة جديدة من خيباتها، لكنها لم تستسلم بعد ان رفض ان يبيع بستان كفر سوسة ليشتري السكر ويدخره ليبيعه وقت الحرب بثمن باهظ، فباعت مصاغها واشترت السكر ووضعته في مخبأ...لكن الحرب تأخرت ومات حمدان..وهنا انعطفت الرواية في مسار آخر بعد فَقد صياح وحمدان ووأولادها الذكور..
لتشتد خيوط العقدة، وتصل الى ذروتها بدخول شخصية فياض الشيزري..فعاد الكاتب للظهور ثانيةً ليسرد التحولات والتغيرات آنذاك، إذ رفضت الكتلة الوطنية تشكيل الوزارة فعمد المندوب السامي الى بهيج الخطيب ليشكل الحكومة المؤلفة من المديرين العامين، ومديري الوزارات، فهاج الناس وقامت المظاهرات وأعلن التجار الاضراب، فأعلن بهيج الخطيب حظر التظاهرات وتم حظر التجول اذ ذلك مات عبد الله زوج مريم، لتستمر الأحداث مع أربع نساء وحيدات (حسيبة، زينب، مريم،وداد) ووداد هي البنت الرابعة لمريم إذ مات ثلاث بنات قبلها بعدما أقدم عبد الله على خنقهن بالوسادة... الا ان اكتشفت مريم الأمر وخبأت وداد الرابعة وأراد القدر ان تحيا فمات عبد الله...وتوطدت صداقة متينة بين مريم وحسيبة، صداقة قائمة على مبدأ التغابي، مريم بحاجة الى المال والطعام، وحسيبة بحاجة الى مؤنس ومن يساعدها بالمنزل...ثم اشتبكت خيوط المغامرة الحدثية بدخول فياض منزل حسيبة بعد ان أقنعها إياد قريب حمدان بأنه هارب من الفرنسيين لاتهامه بقتل الدكتور الشهبندر ليحوّل حياة حسيبة الى جحيم لا ينتهي الا بموتها ولأول مرة تشعر حسيبة بهذا الخفقان في قلبها كلما رأت عينيه الخضراوين، وذاك الاضطراب الذي يهز جسدها، علاقتها مع حمدان كانت علاقة زوجة، ولم تمر بهذه المشاعر والأحاسيس الرقيقة التي ستحكم الخناق حول عنقها وتعيش هذا الحب الميت..
عاش فياض بينهم في الفرنكة، اتجهت مشاعره نحو زينب ابنة حسيبة، إذ رأى فيها البراءة والنقاء والجمال الأنثوي الهادىء ولم يلحظ عواطف حسيبة المتقدة، وعرفت حسيبة من الصحف من هو فياض الذي درس في باريس وعاد لتشغله الصحافة والسياسة..وتفاقم الحدث ليضعنا الكاتب أمام النار، بعدما رأت حسيبة (زينب وفياض) يلعبان البرسيس في باحة الدار، وكانت عائدةً من الشيخ، لتجد طريقة تلفت فياض اليها وهي أرملة في الاربعين وهو شاب في الثلاثين فانفجرت صارخة، إثر ذلك ترك فياض المنزل، واستسملت زينب للذبول واليأس والحزن..ولم تجد حسيبة حلاً فزينب ستموت وهي تحب فياضاً... وكيف ستصبح زينب ضرتها..«فياض خطب زينب..وهي ..هي المنتظرة المتشوقة الآملة المتحرقة، يتركها ليخطب زينب؟ زينب التي تملك الحياة..أما هي فهذه فرصتها الأخيرة..».ص152.
فكرت حسيبة ملياً ثم استسلمت للأمر الواقع، وقررت زواجهما...ولم تعرف أنها تسلم نفسها لنار الغيرة المحرقة«بدأت رحلة التمزق منذ ان أغلقت باب الفرنكة عليهما زوجين، وجلست تحت في المربع تعض أصابعها...فخرجت الى الباحة تمشي تجدها سوداء»ص158.
هربت الى الحارات الأسواق، جامع السباهية، علّ الله يطفىء قلبها المحطم ولم تستيقظ من صدمتها الا عندما صفعها شبح البحرة فأُصيبت باللقوة بعدما ارتمت نائمةً هناك ..هنا تغّير مسار الحدث لتتغير مشاعر حسيبة وتشعر بحنان دافىء لفياض الرجل الذي سيمسك زمام الأمور ويستعيد راية الجوقدار ويفتح الدكان من جديد... وبدأت حياة فياض الجديدة في الدكان وعبر ثماني سنوات من الخيبة انهزم فياض أمام حسيبة وخسر الدكان رغم الحرب ورغم استفادة حسيبة من السكر، كيف تخسر أيام الحرب؟ هذا السؤال الذي أرقها... واستمرت الخسائر... مما أفقد حسيبة جلّ ثروتها، وفياض لا يخرج عن صمته ولا عن انكساراته وخيباته الا وقتما قرر الرحيل الى فلسطين بعد خروج الانكليز واعلان اليهود دولتهم غادر ليحارب اليهود تاركاً حسيبة غارقة بخسائرها وزينب البريئة التي كانت تلاحظ انسحابه من يديها... وهشاماً الأمل القادم لحسيبة «نمضي الى فلسطين فالانكليز سيرحلون واليهود سيعلنون دولتهم»ص187.
ومضت شهور صعبة على حسيبة باعت خلالها المزهريات الشامية والزبادي الصينية والثريات النحاسية... ثم أخبرها إياد ان فياضاً قدعاد ولكنه صامت لا يريد العودة اليهم، فأُصيبت بخيبة جديدة من فياض..ثم أعلنت الصمود في وجه الهزائم فهي ستتابع الطريق وتفتح دكان الجوقدار بعدما أنشأت مملكة الجوارب، أنشأت عالمها الخاص مثل خالدية ووالدة خالدية، صوت الآلات أخرج زينب من صمتها... وأخذ هشام يتسلل مثل الماء رويداً رويداً من عالم النساء «عادت صلابة حسيبة الجبلية، فاستعادت مريم ووداد ، ودخل بيت الجوقدار مفردات جديدة: الطيار، الدولاب، الدودو...»ص205.
استعادت حسيبة خلال خمس سنوات ما فقدته من مال واستعادت أيضاً بستان كفر سوسة... لكن الأيام لم تترك حسيبة وشأنها اذ دخلت الآلة الكهربائية وتوقف عمل حسيبة لتنضم خيبة جديدة الى خيباتها... في هذه الاثناء دخلت شخصية جديدة الاحداث، شخصية زيدان وهو رجل قوي وأحد الزعماء السريين يتاجر بالسلاح قتل الأجوتان محمد، وخُفف عنه الحكم لأنه دفاع عن النفس، وبعد ثلاث سنوات خرج وسكن في دمشق، استأجر دكاناً فتح نصفه فوالاً والنصف الآخر السري كان لبيع السلاح، نشأت صداقة ومحبة بينه وبين هشام... وطلب منه اخفاء بعض قطع السلاح بعدما أرسله في مهمة لتوصيل مسدس في مقهى الزرابلية، وحينما اكتشفت حسيبة الامر هرعت بموكب السلاح وصرخت بوجهه أمام الجميع فما كان من زيدان الا ان هرب ولم يعد... ففي ذاك الوقت هددت الحكومة بإعدام كل من يملك السلاح، والجدير بالذكر ان زيدان هو صديق إياد الجوقدار وخليل الذي نبهه الى ذلك الأمر...إثر ذلك نقلت حسيبة هشام الى المدرسة الشرعية الداخلية... وبعد خمسة اشهر أخبرها الشيخ بأن هشاماً هرب من المدرسة... وهنا تتلاشى خيوط العقدة بعيداً ويصل الحدث الى ذروته النهائية ليخبو ويمضي وتُصاب حسيبة بأكبر خيبة... لكنها تعلم أنه سيعود لا بد ان يعود ويرفع الراية ثانيةً... تتساقط مثل ورقة شجر وتضعف قواها وتصطدم بالبحرة ليصفعها شبح البحرة ويسيل الدم الأحمر... وهكذا تنتهي الرواية بموت حسيبة دون ن تعرف زينب بمعاناتها «ارتفعت الذراع المائية ..ارتفعت حتى ارتعدت حسيبة لمرآها، فقررت فجأةً ألاّ تستسلم وانطلقت تهاجمها لكن ضعفاً في الكاحلين ورخاوة في الساقين وتخاذلاً في القلب...امتد خيط أحمر خفيف تسلل بين الأشنيات»ص247.
رواية حسيبة من الروايات الجميلة التي تشدّ القارىء وتترك في أعماقه أثراًحزيناً والجدير بالذكر ان الرواية جاءت بـ 250 صفحةً من القطع المتوسط ونتمنى كل النجاح للفيلم القادم.!!.
حسيبة - الذهبي: خيري ،ط1996،2، دار مشرق مغرب -دمشق-سورية


مِلده شويكاني



جريدة البعث السوريه