إن أقرب الآراء للقبول رأي من يرى أن اللغة بدأت خطواتها الأولى مشتركة بين الإنسان والحيوان.
وإن ماجاء تحت مواد المعجمات من معان إنما جاء على سبيل الحصر,فالأصل واحد,ويبقى الباب مفتوحا أمام معان لانهاية لها يمكن إقامتها على الأصل الأول.
لهذا كانت اللغات الأصيلة صالحة لكل زمان ومكان ,لأنها قابلة للتطور بل لأن التطور هو حياتها.
إن هذه المعاني جاءت موصولة الرحم بأصلها ,وثيقة الصلة بالحس الفطري الذي صدرت عنه,وإذا أردنا أن نبحث بين لك العدد الهائل من الألفاظ المجازية,كاد عملنا يكون مستحيلا,فالوصول للأصل أمر لاسبيل
إليه إن لم يكن قد جرى تحديده من قل أهل اللغة أنفسهم.
وإن هذا الأصل هو من باب التقريب ولإيضاح وجهة اللفظ,أكثر مما هو من باب التحديد والتعيين.
لقد استعمل السلف هذين اللفظين دهرا طويلا قبل اختراع الأبجديات.
قال السلف:إن الأصل في الكتابة إنما هو جمعك بين الشيئين.
هم على حق في ذلك لأنك تلمح هذا الأصل قائما في كل المعاني المجازية التي استعمل فيها لفظ(كتب) بعد ذلك.
فقد انقطع نسبه من أصله,لأنه لاهوية له,ولهذا كانت معرفة المعنى الأصل ضرورية لأبناء اللغة حتى لاتنقطع أرحام الكلمات,وتفقد صلتها بأصلها الأم,والذين يدعون اليوم إلى اصطناع لهجة عامية في كل قطر,
يجهلون أو يتجاهلون أنهم يقطعون أرحام أصولهم اللغوية.
ليصطنعوا لغة لاهوية لا,لغة لايمكن تقويمها على قواعد طبيعية ثابتة,وهذا كمن يريد أن يقيم كيمياء جديدة ولكنه يستأذن في السماح له بإغفال العناصر الأولى في جدول (مندليف)فعلى أي شيئ يقيم كيمياءه؟
ومن رام إخراج الزكاة ولم يجد نصابا يزكيه,فمنأين يخرج؟.
والطريق لمعرفة الأصل هو معرفة الأضداد الموجودة في كتب اللغة,ربما هي تقليدية,لكنها كالسداة واللحمة في نسيج هذا الوجود.
يقول المتنبي:وبضدها تتبين الأشياء.
وقال غيره:والضد يظهر حسنه الضد.
من كتاب جدلية الحرف العربي وفيزيائية الفكر والمادة/محمد عنبر
ص 24