الجارية "أرمانوسة" الرومية

يُروى أن امرأة "رومية" من الحرائر تدعى "أرمانوسة" وقعت في أسر المسلمين خلال إحدى المعارك، وقدِّر لها أن تكون جارية من نصيب أمير كبير.

كانت تتمنع عن سيدها الجديد مختلقة كل يوم عذرا، إلى أن نفدت الأعذار، فما كان منها إلا أن أخبرت الأمير بأنها لا تستطيع السماح له بمواقعتها بصفتها أمته إلا بعد أن تفي بنذرٍ كانت قد قطعته على نفسها قبل الأسر.

وعندما استفسر منها الأمير عن ذلك النذر أخبرته بأنها تحسن صناعة خلط السوائل والمعادن، بسبب تلقيها علم الكيمياء عن والدها، وبأنها كانت تستكمل عملية مهمة مات والدها قبل أن يكملها، تستطيع بموجبها صناعة مُرَكَّب كيميائي لو دُهِنَ به جسد أي شخص فإنه سيصبح محصنا ضد أي سلاح، فلن يؤثر فيه لا سيف ولا رمح ولا نَبل.

استثار الموضوعُ الأميرَ، فاستجاب لها ومنحها الوقت وأمَّن لها كافة ما طلبته من سوائل ومعادن ومُرَكَّبات وأدوات، وتركها في خلوتها تعِدُّ المادةَ التي وعدته بها.

بعد مدة طلبت "أرمانوسة" مقابلة الأمير ومعها وعاء فيه كمية كافية من مادة غريبة عجيبة اللون والقوام والرائحة، وعندما قابلته وضعت الوعاء بين يديه، وأخبرته بأن المادة الموجودة في الوعاء هي التي وعدته بها، وبإمكانه تجربتها على أيٍّ من جنوده بأن يدهن عنقه بها، ثم يضربه بالسيف ضربة قاتلة، كي يتأكد من سلامة النتيجة.

استغرب الأمير والحرس الموجودون وكافة المهتمين من علية القوم ممن كانوا حاضرين ما يسمعونه، لكن أحدا لم يجرؤ على أن يكون محلا للتجربة. وعندما رأتهم على ذلك النحو، تقدمت من الأمير مبتسمة، وكشفت عن عنقها، ودهنته بالمادة الموجودة في الوعاء، وطلبت من الأمير أن يضرب عنقها بالسيف كي يتأكد.

استبدت الحيرة بالجميع، ولم يصدقوا الأمر، وخشي الأمير أن تموت "أرمانوسة" بسبب خطأ في التركيب، وبقي التردد سيد الموقف، وهي تنتظر ضربة قاتلة بالسيف على عنقها مبتسمة هادئة الأعصاب لا يعتريها أيُّ خوف.

لم يغير من الحال سوى تدخل حارس طلب الإذن من الأمير بالاقتراب، ولما أذن له الأمير، اقترب الحارس وانحنى نحو الأمير، وهمس في أذنه بأمر لم يسمعه أحد.

لم يشعر أحد بالقلق والريبة سوى الجارية "أرمانوسة"، وقد بدا ذلك على وجهها وهي على وضعية الاستعداد ذاتها لتلقي ضربة السيف في عنقها.

ابتعد الحارس، وحدق الأمير في وجه "أرمانوسة" باستغراب وإعجاب شديدين. ثم قال لها في حضور الجميع وهو يبتسم..

"أنت حرة يا "أرمانوسة"، لست جارية بعد اليوم، خذي الوعاء وانطلقي إلى حيث تشائين".

استغرب الجميع ما حدث دون أن يفهموا شيئا.

بعد مغادرة "أرمانوسة" المكان، علم الجميع من الأمير القصة على حقيقتها، فقد فهموا من الأمير أن أرمانوسة حبكت كل تلك القصة المليئة بالإثارة والتشويق، كي تضمن تحت وقع الفضول والخوف الذي سيعتري الأمير وحاشيته، أن تتم تجربة المُركَّب فيها فتقتل وتموت، ولا تعيش أمة، دون ان تضطر إلى الانتحار فتقع في الإثم والخطيئة. وهذا ما أسر به الحارس الذكي في أذن أميره.

فقال الأمير لكل الحاضرين:
من يشتري حريته بحياته يستحق الاثنتين معا..
و"أرمانوسة" قد فعلت فاستحقتهما معا..