فضائل عظيمة للمحبة في الله

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيد. عقيل بن عبدالرحمن العقيل*
إن الحب في الله منزلة عظيمة يوفق الله إليها من شاء من عباده المؤمنين فيتحابون في الله على مراد الله لا طمعاً في مصالح دنيوية أو أغراض زائلة، ولقد امتدح الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار إذ سادت المحبة في الله بينهم فقال سبحانه وتعالى {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}، وقال تعالى : {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}.
وما ذلك إلا لما للمحبة في الله من ثمار عظيمة وآثار طيبة يعجز القلم عن حصرها سواء بالنسبة للفرد نفسه أو المجتمع عامة.
ففي المحبة في الله تصفو القلوب وتسمو النفوس وتبعد الشحناء والضغائن وتزول الأحقاد من القلوب وتذهب الأنانية ويسود الإيثار {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } هذا جانب من أثر المحبة في الله عزّ وجلّ.
ولذلك كان للمحبة في الله من الفضائل الشيء العظيم ومنها:
أولاً: مدح الله للمتاحبين فيه ولا أدل على ذلك مما مرَّ في الآيتين السابقتين اللتين أثنى الله فيهما على المهاجرين والأنصار لمحبتهم لبعضهم في الله عزّ وجلّ.
ثانياً: أن المحبة في الله تحصل بها حلاوة الإيمان ويجد المرء بها لذة الإيمان، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار”. متفق عليه.
ثالثاً: إنها إمارة وعلامة على قوة إيمان العبد، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم” رواه مسلم.
رابعاً: ومن فضائل هذه المرتبة العظيمة الاستظلال بظل عرش الله يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” متفق عليه. وعنه – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي” رواه مسلم.
خامساً: إن المحبة في الله سبب لمحبة الله للعبد، ففي حديث أبي إدريس الخولاني – رحمه الله – الطويل ولقائه بمعاذ بن جبل رضي الله عنه وإخباره أنه يحبه في الله، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى وجبت محبتي للمتاحبين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ” حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح.
ولا تسأل أخي ما حال العبد إذا أحبه الله فإنه سيكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سأل الله شيئاً ليعطينه ولأن استعاذه ليعيذنه هكذا جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه” رواه البخاري.
سادساً: أن المتحابين بجلال الله لهم منابر من نور يوم القيامة يغبطهم النبيون والشهداء وأكرم بها من منزلة، فعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله عزّ وجلّ: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء”
هذا جانب من فضائل الحب في الله، فهلا نتنافس على الفوز بهذه المرتبة العالية {$ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }.
ثم اعلم أنه ينبغي للمسلم إذا أحب أحداً من إخوانه في الله أن يخبره بذلك، فقد فعل ذلك قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر معاذاً أنه يحبه، فعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ بيده وقال: “يا معاذ إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
كما حث صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخبر المرء أخاه إذا أحبه أنه يحبه، فعن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه” رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم- فمر رجل به، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “أأعلمته؟” قال: لا، فقال: “اعلمه” فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له” رواه أبو داود بإسناد صحيح.

* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية