" في ضوء القمر" لـ
Guy De Maupassant
ترجمة حرّة لروح النص والمغزى

قيل إن الراهب عبد الله قد استحق اسمه" عن جدارة لتقواه وتفهمه لنفس
الله العلية ولطبيعة الكون الذي خلقه الله في خدمة الإنسان، إذ كان
يعتقد بأن لكل ظاهرة في هذه الحياة سببا ما، والله تعالى يساعد المؤمن
ويرشده لإيجاد هذا السبب. إلا أنه لم يجد سببا مقنعا يفسر وجود المرأة
على وجه الأرض فحفظ لها في قلبه كرها لا يوصف وكاد أن يكفر. كان الكره
ينبع من خوفه من أنوثتها فيتجنبها. وهذا ما جعله يخسر هذا الاستحقاق لأنه
لم يستطع التوصل إلى أسرار الكون الأساسية المتعلقة بمخلوقات
الله.............ولأنه افتقد إلى أنبل العواطف وهي عاطفة الحب الشيء
الذي جعله يبتعد أكثر فأكثر عن الناس.
كان لهذا للراهب إبنة أخت، ترعرعت وكبرت أمام عينيه إلى أن أصبحت صبية
جميلة. وكان يرتجف فزعا و يحبس ضيقه في صدره كلما عانقته وقبلته، حتى ودّ
لو لم تكبر أبدا.
وفي يوم أتى أحد الخدم وهمس في أذنه أن ابنة أخته تواعد شابا وتلتقيه آخر
الليل، فلم يصدق. إنما قرر أن يراقبها ،ولم ينم تلك الليلة بل بقي ساهرا
في الحديقة ينتظرهما. وطال الانتظار ولم يظهرا وإنما برز القمر بدرا
منيرا بضوئه الفضي وتغلغل بأشعته بين الأشجار فأعطاها لونا أخضر غريبا
رائعا. ارتاع لهذا الجمال الذي لم يره قبل ذلك حيث كان ينام مبكرا.
وابتدأ يسأل نفسه. لمن ولماذا خلق الله هذا الجمال في آخر الليل والناس
نيام؟ عندها أتاه الجواب فقد رأى شبحين قادمين من خلف الأشجار لم يستطع
أن يتبينهما. وعندما اقتربا أكثر رأى شابا يعانق فتاة ويمشيان في تناغم
وانسجام. نظر فيهما جيدا فعرف بأن الصبية كانت ابنة أخته وحبيبها. إذن
لقد خلق الله الليل والقمر للأحباء. ثم خجل من نفسه ومن جهله بأمور
الدنيا والآخرة معا، فما كان منه سوى أن تحرك من مكانه واختفى بين
الأشجار.
ومنذ ذلك الوقت وعلى مر الأيام أصبح وجود المرأة بالنسبة له مقبولا
ومألوفا واكتملت الإجابات لديه. ونجح أخيرا في أن يجعل الحب يتسرب إلى
قلبه شيئا فشيئا إلى أن اعترف صراحة بأن الحب عاطفة إنسانية لا تستقيم
الحياة بدونها، وبذلك يكون قد استحق اللقب الذي يحمله بين طيات اسمه "
عبد الله" .

ترجمة سنا الخاني